للشعر الأشقر معطياته الوراثية
خبر مهم لكل سمراء تتمنى لو كانت شقراء طبيعية: يمكن أن يُحدث تغيّر جيني بسيط كل الفرق! وجد العلماء أن استبدال حرف واحد من حروف الحمض النووي الأربعة في منطقة أساسية من الجينوم يغير نشاط جينة معينة ويؤدي إلى تفتيح لون الشعر. لا توفر هذه الدراسة أساساً جزيئياً للشعر الأشقر فحسب، بل إنها تثبت أيضاً أن تعديل أجزاء الحمض النووي التي تسيطر على الجينات، وليس تعديل الجينات نفسها، هو عامل مهم للشكل الخارجي.
يقول ريتشارد ستورم، اختصاصي في علم الوراثة الجزيئية في جامعة كوينزلاند في بريسبان، أستراليا، وهو لم يشارك في الدراسة: «هذا السيناريو جميل ومتماسك يساهم في تفسير جوانب كثيرة من علم الأحياء بعدما كنا قد فهمناها بشكل جزئي حتى هذه المرحلة».بما أن مظهرنا يتأثر بشدة بلون بشرتنا وشعرنا، لطالما سعى علماء الوراثة الجزيئية إلى فهم الأسس الوراثية لهذه الخصائص وتوقيت تطورها.
مناطق الحمض النووي خلال السنوات الست الماضية، ربطت دراسات عن الاختلاف الوراثي عند آلاف الأشخاص ثماني مناطق للحمض النووي على الأقل بالشعر الأشقر، على اعتبار أن حرفاً معيناً من الحمض النووي موجود عند أصحاب الشعر الأشقر حصراً. تم رصد جزء من تلك التغيرات الأساسية، أي مصفوفة «تعدد أشكال النوكليوتيدات الأحادية» (SNP)، داخل الجينات المعنية بإنتاج الصباغ مثل الميلانين. غالباً ما تؤدي الطفرات في تلك الجينات إلى تغيير لون البشرة والشعر. تقع مصفوفة {تعدد أشكال النوكليوتيدات الأحادية} الأخرى خارج الجينات، لكنها قد تكون جزءاً من الحمض النووي التنظيمي الذي يساهم في السيطرة على وظيفة الجينات المجاورة. قد تؤدي التغيرات في ذلك الحمض النووي إلى تغير لون الشعر وليس البشرة، أو العكس صحيح، لأن الحمض النووي التنظيمي قد يغير النشاط الجيني في أجزاء معينة من الجسم.في ما يخص الأوروبيين الشماليين، كانت أقرب جينة إلى مصفوفة «تعدد أشكال النوكليوتيدات الأحادية» المرتبطة باللون الأشقر تُسمى KITLG، وهي عبارة عن بروتين أساسي لتوجيه الخلايا إلى مواقعها الصحيحة في الجسم وحثّها على تنفيذ مهمتها على أكمل وجه. تلك المصفوفة لفتت نظر ديفيد كينغسلي، خبير في علم الوراثة التطوري في جامعة ستانفورد في كاليفورنيا. وجد هو وزملاؤه أن هذه الجينة كانت أساسية لتغيير لون سمكة أبو شوكة التي أصبحت معزولة في أنهار وبحيرات المياه العذبة حين تراجع مستوى الأنهار الجليدية. في كل موقع من المياه العذبة، كانت تلك السمكة تتطور بشكل مستقل. لكن أدت التغيرات المتكررة في تنظيم طريقة عمل تلك الجينة إلى تفتيح لون البشرة أو جعلها داكنة، بحسب لون المياه. يقول كينغسلي: «كان أمامنا خيار واضح. كان يمكن أن ندرس لون البشرة عند الأسماك أو البشر. المشكلة نفسها مطروحة على مستوى تلك الجينة».نسختان مختلفتانلمعرفة ما إذا كانت مصفوفة «تعدد أشكال النوكليوتيدات الأحادية» جزءاً من الحمض النووي التنظيمي لجينة KITGL البشرية، انتقل فريق كينغسلي إلى الفئران. كان الباحثون يعلمون أنهم يسيرون على الطريق الصحيح لأن الفئران التي تملك حمضاً نووياً عكسياً في تلك المنطقة كانت فاتحة اللون أو حتى بيضاء بدل أن تكون بنية. لذا ابتكروا مجموعتين مختلفتين من النسخة البشرية المرتبطة بذلك الحمض النووي لدسّهما في الفئران. في إحدى النسختين، تركوا مصفوفة «تعدد أشكال النوكليوتيدات الأحادية» التي تنتج اللون الأشقر على حالها. وفي النسخة الأخرى، غيروا تلك المصفوفة كي يصبح الحمض النووي شبيهاً بحمض السمراوات. ثم دسوا نسخة واحدة من كل حمض نووي داخل كل فأرة.ذكر كينغسلي وزملاؤه على موقع مجلة {علم الوراثة الطبيعية} أن الفئران التي تحمل المصفوفة التي تنتج اللون الأشقر أصبحت أفتح من الفئران التي تحمل النسخة الأخرى. حين درس مع زملائه هذا الحمض النووي التنظيمي في الخلايا البشرية التي تم زرعها في المختبر، اكتشفوا أن تلك المصفوفة حصرت نشاط جينة KITLG بنسبة 20% فقط. لكن كان ذلك الأمر كافياً لتغيير لون الشعر. يقول كينغسلي: {الأمر لا يشبه الضغط على زر الإطفاء، بل على زر تخفيف السرعة}.يقول فان ليو، اختصاصي في علم الأوبئة الوراثية في المركز الطبي لجامعة إيراسموس، في روتردام، هولندا (لم يشارك في الدراسة): {هذه الدراسة توفر أدلة قوية على أن هذا {الزر} ينظم التعبير عن جينة KITLG لضمان نمو بصيلات الشعر}. وجد هو وزملاؤه أنهم يستطيعون توقع ظهور اللون الأحمر والأسود بدقة بعد مراقبة 22 مصفوفة من {أشكال النوكليوتيدات الأحادية» والمرتبطة بلون الشعر، لكنه يعترف بأن التمييز بين الشقراوات والسمراوات «هو أمر أكثر صعوبة».يوضح إيريكور ستاينغريمسون، اختصاصي في علم الأحياء الجزيئي في جامعة آيسلندا، ريكيافيك (لم يشارك في الدراسة): {الحمض النووي التنظيمي يلعب على الأرجح دوراً مهماً في الاصطباغ بشكل عام}.قد لا يكون الشعر الأشقر مهماً لمتابعة الحياة، لكن يساهم الكشف عن أحد أسبابه الجينية في توضيح مسار التطور عموماً. تنشط جينة KITLG في مواقع عدة من الجسم، وستؤدي أي طفرة في تلك الجينة نفسها إلى مشاكل واسعة النطاق في الجسم، أو حتى إلى الوفاة. لكنها محصورة ضمن أجزاء الحمض النووي التنظيمي، علماً أن كل جزء منه قد يفرض سيطرته في نسيج مختلف. يقول ليو: {تشرح هذه النتيجة ما يجعل جينة KITLG تؤثر على الشعر تحديداً وليس العين والبشرة، وهو أمر فريد من نوعه مقارنةً بمعظم جينات الاصطباغ المعروفة راهناً}. لذا لم يؤثر التغيير الذي ينتج الشعر الأشقر على الجينة في مناطق أخرى من الجسم. يقول كينغسلي: {هذه الظاهرة تنحصر على سطح البشرة}.