غرافيتي وديع الصافي على جدران بيروت...

نشر في 19-12-2013 | 00:02
آخر تحديث 19-12-2013 | 00:02
ذهب الذاكرة الملونة

ثمة إيجابيات كثيرة في فن الغرافيتي أو الكتابة والرسم على الجدران، من بينها أنه يعطي هامشاً للحرية في الرسم والتعبير والتخطيط. أحياناً يكون هذا الهامش سيئاً كما في رسوم نفق مطار بيروت، وأحياناً يكون أيجابياً كما في رسم لوديع الصافي مع عوده الذي نفذه {فريق أشكمان} على أحد جدران منطقة التباريس (بيروت).
 رسم وديع الصافي الجديد بعنوان {ذهب صافي} أحد أعمال {فريق أشكمان} اللبناني الذي يرشدنا إلى نوع جديد من الغرافيتي المغاير الذي بدأ ينتشر أخيراً في بيروت وضواحيها، ويتضمن صوراً على الجدران لبعض المشاهير والبارزين من لبنان وبلدان أخرى، وهي تكريمية في جزء منها وفي الوقت نفسه كليشيه وطني يحبه الناس والمهتمون بالغرافيتي وتتحدث عنه وسائل الإعلام.

لم يرسم أحد الفنان وديع الصافي على الجدران في بيروت سابقاً، ربما لأن الحماسة أكثر لفيروز في هذا المجال، وأحياناً لمحمود درويش. الأرجح أن الحماسة لرسم هؤلاء تتعلق بتجاربهم ورمزيتهم الجامعة، فسبق للفنان الشاب يزن حلواني أن قدم على جدران بيروت رسوماً لفيروز والشاعر الفلسطيني محمود درويش والفنانة اسمهان والأديب جبران خليل جبران مرفقة بعبارات ثقافية رمزية من أقوالهم أو من أغانيهم، وثبت يزن نمطية محددة في تقديمه البورتريهات المرسومة على الجدران، وهي نمطية في جزء منها لكنها تدلّ على هويته.

 

تنافس على الإبداع

لا تختلف تجربة {فريق أشكمان} عن حلواني، وكأن ثمة تنافساً بينهما على تقديم الإبداع، فهذا الفريق (أي اشكمان) المؤلف من عمر ومحمد قباني وهما توأمان، كان بدأ بغناء الراب الشبابي، ويمتهن الـ {غرافيك ديزاين}، اختار الغرافيتي وسيلة للتعبير عن مشروعه والإعلان عن طموحاته الذاتية والعامة وعن حبه لبيروت ونضاله من أجل بيئة المدينة النظيفة والخالية من المنطق الميليشياوي.  عدا عن الرسوم والعبارات التي قدمها {أشكمان} على القمصان الشبابية (تي شيرت)، فهو بدأ يقدم المشاهير على الجداران أيضاً، بدءاً بلوحة فيروز مع عبارة {لبيروت من قلبي سلام} على أحد جدران بيروت، التي كتبنا عنها سابقاً، مروراً برسم أزرق للصحافي الراحل جبران تويني الذي مرّت قبل أيام ذكرى اغتياله، وصولاً إلى البطل الكارتوني غراندايرز ومعناه ورمزيته في منطقة فردان، وأقوال المتنبي والأمثال الشعبية وسيارة الهامر والكائنات الفضائية، والآن بورتريه وديع الصافي وذهبه وعوده الرنان.

اللافت أن حضور صورة الصافي ( وربما غيره) على جدران المدينة تظهره كأنه في المكان الخطأ، وهذا شعور خاص بأن صوته الجبلي الريفي النقي الصافي لا يتوافق مع صخب المدينة وسياراتها وعماراتها العملاقة، أو كأن فن الغرافيتي الذي ينبغي أن يكون سرياً ومجهولاً وجد ليكون مشاغباً وليس تكريماً، لكن في لبنان دجن في إطار الـ {ماركتينغ}، وبات له نجومه ورواده وجدرانه، ونادراً ما لجأت القوى الأمنية إلى منع فنانيه من {بخ} ألوانهم على الجدران، باستثناء حادثة سمعان خوام...

وديع الصافي أحد عمالقة الطرب في العالم العربي، وقد رحل عن عالمنا في 11 أكتوبر الماضي، وبدت {غرافيتي أشكمان} التكريم الأبرز له بعد رحيله، أياً يكن تفسير هذه اللوحة فهي على الأقل تعطي مشهداً جميلاً للمدينة وللمراقب والسائح، وفسحة بيضاء في زمن السواد المعمم والفضائح المنتشرة، وهي علامة للذاكرة عن رجل لم يكرم كما يجب، ربما لأن أقطاب الجمهورية اللبنانية منشغلون بأمور أخرى تقضي على ما تبقى من لبنان الأخضر الذي غنى له وديع الصافي، كثيراً، ولم يبق منه سوى الخراب، إذ يصادر الخضار والبحر والسماء من أجل متعة فئة قليلة.

back to top