خطة جديدة لتحسين الاستثمارات الأوروبية

نشر في 12-07-2014
آخر تحديث 12-07-2014 | 00:01
يقول رئيس معهد البحوث الاقتصادية الألماني مارسيل فراتزشير "نحن في حاجة إلى بواعث من أجل تحفيز النمو الاقتصادي في الدول التي تواجه أزمة، ولمنع عودة الركود إلى منطقة اليورو"، وهو يعتقد أن الاقتراح الذي طرح أخيراً من فرنسا وإيطاليا يتسم بأهمية ما دامت قوانين الديون لم تتعرض للضعف.
 شبيغل قد تكون أزمة اليورو خفت في الآونة الأخيرة، ولكن الشركات والدول في منطقة عملة اليورو لا تزال عازفة عن الاستثمار بما يكفي من أجل تحريك النمو الاقتصادي، ويجادل معهد اقتصاد في برلين في أن الحل الأفضل يتمثل بتأسيس صندوق استثماري على مستوى الاتحاد الأوروبي.

وفي أوساط الاقتصاديين يعتبر مارسيل فراتزشير مبدعاً وخلاقاً بصورة خاصة، وكرئيس لمعهد البحوث الاقتصادية الألماني قام بنشر أكثر من أي اقتصادي آخر بشكل تقريبي في الدول الناطقة باللغة الألمانية، حتى رجال السياسة يقصدونه طلباً للخبرة والدراية، وفي حقيقة الأمر كان فراتزشير مستهدفاً من وزير الاقتصاد سيغمار غبرييل– وهو أيضاً رئيس حزب يسار الوسط الاشتراكي الديمقراطي– مع ترؤسه لمجموعة عمل لدراسة كيفية تعزيز الاستثمارات وتحسينها في ألمانيا.

وقد أفضى تقرير فراتزشير الذي نشر يوم الأربعاء قبل الماضي إلى تركيز قدر أكبر من الاهتمام إزاء نظرته، ويظهر ذلك التقرير كيف يمكن لأوروبا أن تحشد نوعية من الاستثمارات التي هي في حاجة ماسة إليها، على الرغم من خزائن الدولة الفارغة والقيود والعوائق التي فرضتها حدود الدين والعجز المالي في قانون الاستقرار الأوروبي.

بواعث تحفيز النمو الاقتصادي

ويقول فراتزشير "نحن في حاجة إلى بواعث من أجل تحفيز النمو الاقتصادي في الدول التي تواجه أزمة، ولمنع عودة الركود إلى منطقة اليورو"، وهو يعتقد أن الاقتراح الذي طرح أخيراً من فرنسا وإيطاليا، والذي يشدد على تعديل قوانين الاستقرار بحيث تسمح بمزيد من الاستثمارات يتسم بأهمية ما دامت قوانين الديون لم تتعرض للضعف.

يتقيد اقتراح المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية بالبدهية الاقتصادية التقليدية القائلة إن استثمارات الوقت الراهن تضمن النمو في المستقبل، وإن الأموال التي لا تنفق على تقنية جديدة أو منشآت اليوم لن تكون متوافرة في الغد، كما أنه منذ بداية الأزمة المالية العالمية انخفض تشكيل رأس المال الإجمالي الثابت– وهو آلية استثمار اقتصادية كبيرة– بنسبة وصلت إلى 14 في المئة في دول الاتحاد الأوروبي و15 في المئة في منطقة العملة المشتركة، وذلك بحسب تأكيدات الباحثين في المعهد المذكور.

ولكن مجرد رفع الإنفاق العام– كما دعت إلى ذلك بعض الحكومات في جنوب أوروبا– لن يمثل استراتيجية سليمة من أجل تحسين الأوضاع، بحسب المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية. ويقول فراتزشير "إن واحدة من أشد نقاط الضعف في أوروبا هي النقص في الاستثمارات الخاصة، ويتعين علينا سد الفجوة من خلال أجندة استثمارات أوروبية".

80 مليار يورو إضافية

ووفقاً لحسابات المعهد فإن كمية كبيرة من الأموال تعتبر على المحك الآن، كما أن الصيغة المعقدة التي تم استخدامها بشكل أولي أكدت أساس المبالغ التي سوف تنفقها كل دولة على الآلات والمعامل والطرقات العامة والجسور من أجل توليد درجة ملائمة من التحسن في النمو الاقتصادي. وفي وسعها، بعد ذلك، مقارنة تلك الأرقام مع إجمالي الأموال التي تم توزيعها، ويمثل الفارق وقتها فجوة الاستثمار.  من جهة أخرى تبلغ استثمارات ألمانيا أيضاً نسبة متدنية جداً، وبحسب تقديرات المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية في السنة الماضية فإن الفجوة المشار إليها تمثل 3 في المئة من الناتج المحلي في ألمانيا. وبكلمات أخرى فإن الشركات في ذلك البلد– إضافة الى الدولة– يتعين عليها إنفاق مبلغ إضافي يصل إلى 80 مليار يورو سنوياً من أجل تحسين إمكانات النمو الاقتصادي هناك.

وتستعرض الدراسة الحديثة للمعهد الألماني للبحوث الاقتصادية الأوضاع السائدة في منطقة اليورو برمتها، وتفيد النتيجة بأن العديد من الدول الأخرى قصرت في ميدان الاستثمارات الخاصة والعامة، وتظهر الفجوة بجلاء تام في أيرلندا كما أن هولندا تحتل المركز الثاني ولكن عن بعد شديد، وقد بلغ متوسط الفجوة في ألمانيا خلال سنة 2010 و2012 نحو 3.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وبحسب دراسة المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية كانت بلجيكا وفرنسا في مرتبة أدنى بالنسبة الى تلك الفجوة.

إضافة إلى ذلك فإن أحد الجوانب المثيرة للاهتمام بصورة خاصة في دراسة المعهد المذكور هو أن العجز في الاستثمارات ليس مشكلة مقتصرة على دول تعاني أزمة في منطقة اليورو، بل إنها سائدة في منطقة العملة المشتركة كلها، وبشكل إجمالي تصل الفجوة في الاستثمار في منطقة اليورو إلى 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي أو ما يقارب 200 مليار يورو في السنة الواحدة.

وتمتد جذور الضعف في الاستثمارات في أوروبا إلى الماضي البعيد بصورة تامة. حتى قبل اندلاع الأزمة المالية العالمية– كما يقول المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية في دراسته– فإن "تحديث رأس المال وتوسعه في أوروبا وفي كل القطاعات بشكل تقريبي ظل وراء الدرجة التي كانت عليها دول أخرى في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بصورة جلية"، كما كان العجز كبيراً بصورة خاصة في ميادين محددة مثل الصحة والتعليم، "ولكن حتى الصناعة، التي يفترض أن تقوم بدور رئيسي في إعادة القوة إلى أوروبا، قد تأثرت بضعف الاستثمارات".

دور البنوك

ويعتقد المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية أن اللوم يمكن أن ينسب إلى حالة عدم اليقين المستمرة في التنمية الاقتصادية، وقد رفض العديد من البنوك تقديم قروض بدافع الخوف من عدم استردادها ثانية، كما أن الدول الغارقة في الديون بشدة، والتي منعت من المضي إلى مستوى أبعد من خلال قانون الاستقرار، ليست قادرة على تجاوز المحنة.

ويوصي المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية بدلاً من ذلك بقيام الاتحاد الأوروبي بدور ريادي في معالجة هذه المشكلة، وتعتبر خطة المعهد بشكل أساسي مشابهة لطريق جانبي، وهي تستهدف الحكومات الفقيرة والبنوك المتعثرة من خلال إقامة صندوق أوروبي واسع للاستثمار لفترة مؤقتة تمتد الى خمس سنوات، وتوفر الأموال للشركات المحتاجة الى قروض للشروع في عمليات استثمار.

وتعتبر العوائق التي تعترض طريق القروض المصرفية كبيرة بصورة خاصة في دول مثل إسبانيا واليونان، ولكن المعهد الألماني للبحوث الاقتصادي لا يرى ثمة حاجة الى تأسيس صناديق استثمار هناك بصورة مركزة. ويقول التقرير الصادر عن المعهد "إن على ذلك الصندوق عدم العمل مع قيود إقليمية أو جوانب تتعلق بقطاعات". وهو يرى بدلاً من ذلك ضرورة تحسين الاستثمارات الخاصة الإنتاجية "من دون النظر إلى الدولة المعنية في الاتحاد الأوروبي".

ويتصور فراتزشير ورفاقه قيام صندوق بمبلغ لا يقل عن 100 مليار يورو ويخضع لإدارة صندوق الاستثمار الأوروبي (إي آي إف) الموجود في البنك الأوروبي للاستثمار، وتقتصر أنشطة صندوق الاستثمار الأوروبي في الوقت الراهن على توزيع رأس مال المشاريع الى المؤسسات المالية المنخرطة في شركات متوسطة وصغيرة. كما أن المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية يعتقد أن الصندوق الجديد قد يستفيد من البنية التحتية لدى صندوق الاستثمار الأوروبي الموجودة أساساً.

وفي تلك الحالة سوف تكون بنوك التنمية الوطنية– مثل بنك (كي إف دبليو) للتنمية المملوك للدولة في ألمانيا– مسؤولة عن توزيع الأموال لمتلقي القروض، وفي الأماكن التي لا توجد فيها مثل تلك البنوك تستطيع البنوك الخاصة أو المملوكة للدولة القيام بهذه المهمة.

ضرورة حشد الدعم

ولكن السؤال هو: من أين يفترض أن تأتي تلك الأموال؟ وفي هذا الصدد يقترح فراتزشير أن يسمح للصندوق بالحصول على دين عن طريق إصدار سندات خاصة به، وسوف يحصل عندئذ على دعم من الدول المشاركة، ليفضي ذلك إلى تصنيف رفيع في أسواق رأس المال، كما سيمكن الصندوق من الوصول الى سيولة رخيصة، وفي تلك الحالة سيتم نقل ميزة معدلات الفائدة إلى متلقي القروض.  من جهة أخرى تعمل آلية الاستقرار الأوروبية– صندوق إنقاذ منطقة اليورو– بصورة مماثلة، وفي حقيقة الأمر تعتبر فكرة فراتزشير بشكل أساسي عبارة عن صندوق إنقاذ يعمل لمصلحة الاقتصاد الحقيقي، ولكن من المرجح أن ينطوي على أخطار عالية بصورة كبيرة وعلى عدد أكبر من حالات التخلف عن السداد، وتميل مشاكل السيولة إلى التأثير في الشركات بقدر يفوق تأثيرها في الدول من حيث السرعة، وعلى الرغم من ذلك فإن فراتزشير لا يعتقد أن الصندوق الجديد سوف يفضي إلى خسائر بالنسبة إلى المساهمين، حيث يقول "أظن أن مثل ذلك الصندوق سوف يكون متساوياً في نهاية المطاف".

ولا يعتقد المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية أن الصندوق سيواجه صعوبات إزاء العثور على أعداد كافية من المستثمرين لشراء سنداته، وبصورة إجمالية يتم سنوياً توفير نحو 300 مليار يورو في منطقة اليورو وهو رقم يمثل ما يقارب الـ2.5 في المئة من الإنتاج الاقتصادي فيها. ويقول فرتزشير "الموارد المالية متوافرة من أجل تحقيق زيادة كبيرة في الاستثمارات الخاصة، ويتعين علينا فقط حشدها وتحريكها".

Christian Reiermann

back to top