السويسريون صوّتوا ضدّ «الهجرة الجماعية»

نشر في 12-02-2014 | 00:01
آخر تحديث 12-02-2014 | 00:01
لا شك في أن سويسرا تُحسَد على نجاحها الاقتصادي، لكن يخشى المواطنون فيها حصول تراجع وشيك. يوم الأحد الفائت، وافق الناخبون على خطة لتحديد حصص للهجرة. من المتوقع أن تولّد هذه الخطوة مشاكل كبرى في علاقات البلد مع الاتحاد الأوروبي، وقد تكون العملية مكلفة جداً. {شبيغل} ألقت الضوء على هذه القضية.
يسهل أن نلحظ البلد الذي يبلي حسناً. لنأخذ زيوريخ في سويسرا مثلاً. تغيرت المدينة كثيراً خلال بضع سنوات لدرجة أننا ما عدنا نستطيع التعرف إلى أجزاء منها. نشأت مقاطعات جديدة بالكامل وباتت تعجّ بالشقق الفخمة. كذلك شُيّدت أبراج شاهقة للمكاتب، وتبقى المتاجر والمطاعم والحانات مليئة بالناس مع أن سعر الجعة قد يكون باهظاً كونه يبلغ 6 فرنكات سويسرية أو 5 يورو. لكنّ الناس يملكون المال.

يُجمع الخبراء على أن هذا الازدهار هو نتاج الاقتصاد السويسري المتشابك. استفاد البلد كثيراً من الحدود المفتوحة ومن تدفق العمّال الأجانب المؤهلين. ويُعتبر الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري له. لكن رغم ذلك، صوّتت غالبية ضئيلة من السويسريين يوم الأحد الفائت لصالح مبادرة تقضي بإعادة فرض الضوابط على عدد الأجانب الذين يُسمح لهم بالعيش والعمل في البلد. صوّت حوالى %50.3 من الناخبين السويسريين المؤهلين لصالح المبادرة التي طرحها حزب الشعب القومي السويسري اليميني، فرفضوا بذلك سياسات الهجرة التي كانت ناجحة جداً خلال السنوات الأخيرة.

صورة ذاتية متناقضة

كيف يُعقل ذلك؟ يتعلق أحد أهم الأسباب بالصورة الذاتية المتناقضة لدى السويسريين. تعتبر سويسرا نفسها دولة تشتق من إرادة الشعب (بمعنى أن البلد عبارة عن مجتمع قرر التماسك وإنشاء دولة). لكنّ الحقيقة مغايرة لأن الدولة السويسرية لم تكن وليدة إرادة الشعب. لم تتضامن مناطق سويسرا لأنها ترغب في ذلك. بل إن منطق التفكير كان عملياً جداً. لا تريد المناطق الناطقة باللغة الألمانية أن تنتمي إلى ألمانيا، ولا تريد سويسرا الروماندية أن تكون جزءاً من فرنسا، ولا يريد سكان كانتون تيسينو أن ينضموا إلى إيطاليا. بل إنهم سويسريون.

لكن تكثر نقاط الضعف في الهوية التي تُبنى على رفض خيار بديل. منذ أن تلاشت الجاذبية المرتبطة بشخصية ويليام تيل والكونفدرالية السويسرية القديمة، تبخرت الأسس الأسطورية لظاهرة {الاستثنائية السويسرية} الشهيرة. الأمر الوحيد الذي يمكن أن يحلّ مكان الهوية القومية هو الازدهار، أي الاغتناء أكثر من الدول المجاورة. إنه إنجاز مهم حتماً!

لكن ثمة ناحية سلبية: كل من يملك الكثير قد يخسر الكثير. واحتمال مشاركة الفرنكات التي جمعها الوافدون قد يتحول سريعاً إلى مصدر قلق وجودي. في هذا الصدد، يمكن طرح نظرية مبالغ فيها: لن يبقى الكثير من الهوية السويسرية إذا تراجعت المعيشة لتصبح بمستوى ألمانيا، أو الأسوأ من ذلك إذا أصبحت بمستوى فرنسا أو إيطاليا.

شعارات واهية

لا أحد يجرؤ طبعاً على قول الحقيقة صراحةً. بل يستعمل السويسريون ما يعتبرونه حججاً منطقية مثل اكتظاظ القطارات أو الازدهار العمراني أو ازدحام الطرق السريعة. والناخبون الليبراليون أيضاً قد يستعملون هذا النوع من الشعارات الواهية. اختلق السويسريون مصطلحهم السياسي الخاص لوصف المشاكل الواضحة التي تسببها الهجرة الجماعية، {الإجهاد الناجم عن الازدحام}، وهو مصطلح يُستعمل في علم الأحياء لوصف آثار الإجهاد على الحيوانات. ما يعنيه السويسريون فعلياً هو أنهم يخشون التغيير.

تكمن المفارقة في واقع أن المناطق الريفية، حيث صوّتت فئة كبيرة من الناخبين لصالح المبادرة (لا سيما الجزء الناطق باللغة الألمانية في البلاد)، هي الأقل تأثراً بتوافد المهاجرين. في المقابل، رفض معظم سكان المدن الكبرى، حيث تزدحم القطارات المحلية أحياناً، تلك المبادرة.

ما الذي سيحدث في المرحلة المقبلة إذاً؟ يبدو أنّ ما يُسمّى {المسار الثنائي} (أي علاقة البلد الحذرة مع الاتحاد الأوروبي، علماً أن سويسرا لم تشأ يوماً الانضمام إليه) بلغ نهاية أولية. يجب أن تحاول الحكومة في بيرن الآن إعادة التفاوض على معاهدتها مع الاتحاد الأوروبي حول حرية التنقل.

نهاية حرية التنقل؟

لا يعني ذلك أن الحدود ستصبح مقفلة فجأةً. ولن يُجبَر الأطباء الألمان وعمّال البناء البرتغاليون والنوادل الإيطاليون على المغادرة غداً.

لكن يخطط البلد لإعادة فرض الحصص على عدد الوافدين الذين يستطيعون القدوم إلى البلد. بموجب الاستفتاء، أمام الحكومة الآن ثلاث سنوات لتنفيذ الأحكام. من المستبعد أن يبدي المسؤولون في بروكسل استعدادهم لتقديم كثير من التنازلات للسويسريين. يواجه الاتحاد الأوروبي ما يكفي من المشاكل في الوقت الراهن، ومن المتوقع أن يصبح أقل ميلاً لتحقيق أمنيات معقل الازدهار السويسري الذي يقع في وسطه.

إذا تلاشت معاهدة حرية التنقل، فلا مفر من التخلي عن اتفاقيات أخرى بين سويسرا والاتحاد الأوروبي بسبب ترابطهما القانوني. يمكن أن تصبح عضوية سويسرا في منطقة الشنغن التي تسمح بالسفر الحر عبر الحدود على المحك. قد تصبح الحركة الجوية والزراعة والأبحاث ومجال الطاقة أولى القطاعات التي تعاني في ظل العزلة الجديدة. قد يؤدي ذلك الوضع أيضاً إلى كبح مسار شركات متعددة لأنه سيحدّ من قدرتها على إيجاد موظفين أجانب مؤهلين. إنه وضع غريب: يعيد السويسريون رسم حدودهم خوفاً من التراجع الاقتصادي. لكن قد يتحقق ذلك مقابل ثمن باهظ.

في غضون ذلك، سيستمر الجدل حول توافد المهاجرين إلى سويسرا تزامناً مع تحضير مبادرة جديدة وأكثر جذرية لعزل البلد عن بقية العالم. تريد مجموعة من الناشطين البيئيين ومنتقدي النمو الحد من توافد المهاجرين إلى سويسرا كي تقتصر نسبتهم على %0.2 من العدد السكاني كل سنة. هم يأملون أن يطرحوا الخطة على الناخبين في السنة المقبلة. يمكن أن يدرك السويسريون في تلك المرحلة أنهم جزء من أوروبا، لكن يبقى هذا الأمر مستبعداً.

back to top