أفغانستان... «فيتنام صحراوية» في مستنقع يرأسه كرزاي العصبي
وحدات القتال الأميركية تحارب في هذا البلد منذ عام 2001، علما أنها أنهت مهمتها الأصلية منذ زمن: القضاء على تنظيم «القاعدة» في أفغانستان.
عندما كنت أشاهد الفيلم المؤثر Lone Survivor أخيراً، لاحظتُ أن كل الجنود الأربعة الذين خاضواً قتالاً عنيفاً مع محاربي "طالبان" أفغانستان كانوا متطوعين. فأقنعتُ نفسي أنهم جلبوا البلاء على أنفسهم. فلم يكونوا مجندين أُرغموا على ترك حياتهم المدنية وخوض حرب لا يفهمونها ولا يمكنهم الانتصار فيها. وأصررتُ على أنهم رسموا مصيرهم بأنفسهم. لكني أدركتُ منذ البداية أن كل هذا الكلام كذب. صحيح أنهم متطوعون، لكنهم بالتأكيد لم ينخرطوا في الجيش ليموتوا أو ليخوض حرباً مماثلة.أعي أن هذا مجرد فيلم. لكنه مقتبس عن كتاب يحمل العنوان ذاته، ويروي قصة حقيقية عن مهمة نُفذت عام 2005 أطلق عليها عملية "الأجنحة الحمراء" وهدفت إلى القضاء على زعيم "طالبان". يكشف العنوان Lone Survivor (الناجي الوحيد) بالتأكيد ما تؤول إليه الأحداث. لكن الفضل يعود إلى هؤلاء الجنود وعائلاتهم في إعداد فيلم مماثل. قد تكون نهاية الفيلم محسومة، إلا أن الكثير من الشكوك تحوم حول أسبابها. وهكذا تكون أفغانستان حرباً تحتاج إلى سبب. لم أكف طوال الفيلم عن طرح السؤال: "لماذا؟". فمن أجل ماذا يقاتل هؤلاء الجنود؟ كنت أعرف الجواب في الماضي. فبعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، أردتُ مسح تنظيم القاعدة من الوجود وقتل كل داعميه من حركة طالبان. حتى قبل هذه الاعتداءات، أقنعتني التقارير عن طريقة معاملة المرأة (الرجم، عمليات الإعدام العلنية في ملاعب كرة القدم...) وقطع رؤوس الرجال أن علينا وضع حد لهم. لذلك كان من الضروري خوض الحرب.لكن وحدات القتال الأميركية تحارب في هذا البلد منذ عام 2001، علما أنها أنهت مهمتها الأصلية منذ زمن: القضاء على تنظيم "القاعدة" في أفغانستان. صحيح أن حركة "طالبان" وبعض حلفائها ما زالوا ناشطين، ولكن بخلاف "القاعدة"، يُعتبر هؤلاء جزءاً من البلد ويصعب ردعهم على ما يبدو. فهم يملكون، حسبما يظهر، مخزوناً لا ينضب من الانتحاريين (مَن هم هؤلاء؟)، ولا يكفون عن قتل الأفغانيين والأجانب على حد سواء. ففي مطلع هذا الشهر، استهدفت حركة "طالبان" مطعماً في كابول يضم زبائن أجانب. فقتلت ما لا يقل عن 21 شخصا. وسبق هذا الاعتداء الذي نفذه مسلحون تفجير انتحاري. يصف بوب غيتس في مذكراته Duty (الواجب) باراك أوباما بصفته قائداً أعلى تهدف سياسته في أفغانستان إلى إنجاز أقل قدر ممكن من الأهداف، معلناً في الوقت عينه زيادة عدد الجنود وموعد الانسحاب. فصدم ذلك غيتس، الذي كان آنذاك وزير الدفاع. يذكر: "لا يؤمن الرئيس... باستراتيجيته الخاصة ولا يعتبر هذه الحرب حربه".لا شك في أن هذه الحرب ليست حربه، بل حرب جورج بوش الابن الذي قطعها ليطارد بتهور صدام حسين. لكن أوباما تبنى هذه المهمة الأفغانية، ومن ثم وقف لا يعرف ما يفعل بها على ما يبدو. لا ألومه. فأفغانستان أشبه بفيتنام صحراوية أو مستنقع يرأسه حامد كرزاي العصبي والكثير التقلبات. لذلك يعتبر أوباما أن "الأهم الخروج من هذا البلد"، وفق غيتس. صحيح أن هذا الاقتباس قوي، إلا أنه صار معروفاً للجميع. فقد ظهر جلياً عام 2009، عندما أمر أوباما بزيادة عدد الجنود في أفغانستان، أنه لا يملك الجرأة لمواصلة هذه الحرب. فاستمرت هذه الحرب وتحولت اليوم إلى واقع يضاهي العراق عبثية: قُتل 2307 أميركيين في أفغانستان و4489 في العراق. ولا شك في أن هذه خسارة غير مبررة في الأرواح.تريد الإدارة إبقاء جنود أميركيين في أفغانستان (اقترحت وزارة الدفاع الأميركية إبقاء نحو 10 آلاف). ولا شك في أنها تملك أسباباً تبرر رغبتها هذه. كان هذا البلد سابقاً قاعدة إرهابية، وقد يعود كذلك. ومن الأفضل أن يعتمد المسعى الضروري للقضاء على ما تبقى من إرهابيي الحادي عشر من سبتمبر على قاعدة محلية، تماماً مثل الطائرات الأميركية من دون طيار. فضلاً عن ذلك، سينهار الجيش الأفغاني بالتأكيد من دون أي دعم أميركي، ما يؤدي إلى عودة "طالبان" إلى السلطة والتخلي عن النساء والفتيات وتركهن بين أيدي رجال متطرفين يكرهون المرأة. لكن هذا لا دخل له بالواقعية السياسية، بل الحياة على الأرض. وقريباً ستتدهور الأوضاع، وسنضطر إلى الإشاحة بنظرنا بعيداً.ولكن كما يصر غيتس، أخفق أوباما في توضيح هذه الحجج وغيرها. يكتب، مشيراً إلى الرئيس: "عليه أن يذكر علانية لمَ كانت تضحيات الجنود ضرورية". يشدد غيتس على هذه النقطة مرات عدة، وهو محق بالتأكيد. ولكن ربما يخشى أوباما المرور بتجربة مماثلة لما واجهه ليندون جونسون. ففي الثامن والعشرين من يوليو عام 1965، استهل هذا الرئيس الأميركي مؤتمراً صحافياً بمحاولة الإجابة عن السؤال: "لمَ نحارب في فيتنام؟". إلا أنه عجز عن تقديم جواب مقنع.شاهدتُ في دار السينما فيلمين دفعة واحدة: Lone Survivor على الشاشة وفيتنام في رأسي. وعلى الشاشة كما في الواقع، حارب الرجال وماتوا. وكما كانت الحال في فيتنام، ما عدت أعرف السبب اليوم. نجا رجل واحد من تلك المعركة. لكن الباقين فُقدوا، تماماً مثل سبب الحرب بحد ذاته.