سر نجاح النموذج الإيراني

نشر في 19-06-2014
آخر تحديث 19-06-2014 | 00:01
 حسن مصطفى الموسوي أصبحت إيران حديث أهل المدينة، أو بالأحرى حديث أهل الإقليم والعالم، بسبب كبر حجم تأثيرها في المنطقة، بحيث أصبحت قوة لا يمكن تجاوزها بأي حال من الأحوال، وأوضح دليل على ذلك ما جرى في سورية من بداية اندحار القوى الإرهابية المدعومة من بعض الدول العربية والغربية التي حاولت فرض الأمر الواقع دون جدوى بالرغم من الأموال الهائلة التي أنفقوها، لكن ما الذي جعل إيران تتمتع بهذا النفوذ بالرغم من الحصار الذي تعانيه ومعاداة الغرب لها؟

المتفحص لتاريخ إيران الحديث منذ قيام الثورة الإسلامية سيدرك أنها تميزت بأمرين؛ أولهما الاعتماد على المعادلات الإلهية على حساب المعادلات الدنيوية، فأول خطوة قام بها مفجر الثورة الإمام الخميني، طيب الله ثراه، هو قطع العلاقات مع إسرائيل وتسليم سفارتها في طهران لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكان يدرك أن هذه الخطوة ستؤدي إلى معاداة الكتلة الغربية له وتآمرها عليه، وهو ما حصل فعلا عبر تحريكها لصدام لشن حرب دامت ثماني سنوات، إضافة إلى عمليات اغتيال أغلب رموز الثورة من رجال دين وسياسيين، وهي ظروف ما كانت أي ثورة فتية أخرى لتجتازها بسلام، لكن استطاعت الثورة الإيرانية تجاوزها بقوة وثبات، وأصبحت إيران اليوم دولة قوية تتعامل مع الدول الكبرى تعامل الند للند وليس التابع مع المتبوع.

لكن في المقابل، اعتمد إخوان مصر على المعادلات الدنيوية ونكصواعلى خطابهم العقائدي المعادي لإسرائيل والغرب، فرأينا مرسي يخاطب بيريز بـ"صديقي العزيز"، وقال خيرت الشاطر في بداية حكمهم بأن الأولوية لديهم هي توثيق العلاقة مع أميركا من أجل الحصول على القروض اللازمة لإحياء الاقتصاد المصري، فكانت النتيجة سقوط حكمهم في غضون سنة فقط!

أما الميزة الثانية للثورة الإيرانية فهي إثباتها أنه لا تعارض بين الدين والتطور، وذلك عبر اتباعها نموذج الدولة الدينية القائمة على المشاركة الشعبية، والتي استطاعت التقدم في كل المجالات العلمية والتكنولوجية بالرغم من كل التحديات والحصار الاقتصادي المفروض عليها غربيا، والذي أدى إلى اعتمادها أكثر على سواعد أبنائها، فباتوا يصنعون كل شيء من الإبرة إلى الصاروخ، إضافة إلى زيادة الاكتفاء الذاتي في الزراعة والتقدم في مجال الأبحاث العلمية وتطور جامعاتها التي تنتج مزيدا من العلماء سنويا.

لقد تشرفت بحضور مؤتمر سنوية رحيل الإمام الخميني في بداية الشهر الحالي، فوجدت الإيرانيين يعملون في كل المجالات والوظائف دون الاعتماد على الأجانب في الوظائف المتدنية، وهو أمر لا نراه حتى في أكثر الدول تقدماً مثل أميركا التي تعتمد على العمالة المكسيكية وغيرها لشغل الوظائف ذات المردود المادي الضعيف، كما هالني حجم التطور في البنية التحتية وشبكة المواصلات من مترو وجسور في مدينتي طهران وقم اللتين لم أزرهما منذ عشر سنوات، وحصل كل ذلك بالرغم من تشديد الحصار الاقتصادي والتضييق على حركة نقل الأموال من إيران وإليها.

كما أن حجم المشاركة الواسعة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي تجاوزت الـ70% دليل على حجم الالتفاف الشعبي على النظام، وإيمان الناس بأن مشاركتهم لها أثر في التغيير ورسم سياسات الدولة، وذلك على عكس معظم انتخابات الدول العربية التي يعكس ضعف المشاركة فيها عدم إيمان الناس بأثرها في إحداث تغيير حقيقي في مسيرة الدولة.

إن في النموذج الإيراني درسا لنا كشعوب في المنطقة، فهذه التجربة أثبتت أن الاعتماد على الذات وإشراك الشعب في الحكم إضافة إلى التمسك بالثوابت الدينية المعتدلة غير المتطرفة هو مفتاح للنجاح، أما الاعتماد على الدول الأخرى في كل صغيرة وكبيرة وإهمال طاقات الشعب وعدم اتباع أساليب الحكم الرشيد فإنه سيؤدي إلى التقهقر والفشل يوماً ما.

back to top