مصداقية أوباما تتآكل بين التردد والمزاج الزئبقي!

نشر في 30-10-2013
آخر تحديث 30-10-2013 | 00:01
إذا توصل السياسيون والرأي العام والصحافة داخل الولايات المتحدة وخارجها إلى استنتاج بأن الرئيس أوباما لا يقوم بواجباته بصورة سليمة، فإن إنجازات فترة رئاسته الثانية ستقتصر فقط على إبرام اتفاقات مع أكثر شركاء مثيرين للسخرية وغير جديرين بالثقة على مستوى العالم.
 وول ستريت جورنال يمثل انهيار خطة "أوباما- كير" المخصصة لإصلاح نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة قمة جبل الجليد بالنسبة إلى رئاسة أوباما المليئة بممارسات سحرية.

منذ اللحظة الأولى التي ظهر فيها أمام العامة في خطابه سنة 2004 في مؤتمر "الحزب الديمقراطي" وصولاً إلى نجاحه المذهل في إلحاق الهزيمة بهيلاري كلينتون في عام 2008، كانت أوراق باراك أوباما الناجحة تتمثل بالمصداقية. فهو يتحدث، وهناك ما يكفي من العالم يصدقون بقاء رئاسته متماسكة- أو أنه اعتاد على فعل ذلك.

وفجأة، من واشنطن إلى الرياض بدأت صدقية باراك أوباما بالذوبان.

وفي خضم حالة الانهيار الفني للحكومة الأميركية التي كانت متوقعة في الأسبوع الماضي بسبب برنامج الرعاية الصحية الشديد التعقيد، لم يلتفت الناس كثيراً إلى تصريح السيناتور ماركو روبيو بأن فرص نجاح إصلاح الهجرة تكاد تكون قد تبددت. لماذا؟ قال السيناتور روبيو، بسبب وجود "عدم ثقة" في تعهدات الرئيس.

قضية الهجرة

قال السيناتور روبيو في حديثه أخيراً إلى محطة "فوكس نيوز": "هذه الفكرة التي سوف يحصلون عليها في غرفة ويناقشون صفقة مع الرئيس حول قضية الهجرة أكثر صعوبة في التنفيذ بعد مفاوضات إغلاق الحكومة خلال الأسابيع الثلاثة الماضية".

وقال السيناتور روبيو إنه وغيره من مشاركي مسألة الإصلاح، من أمثال نائب آيداهو راول لابرادور، يخشون من أنهم لو توصلوا إلى اتفاق بشأن الهجرة مع البيت الأبيض- مثل عرض طريق لمنح الجنسية في مقابل تطبيق صارم لأي قانون جديد- فإن الرئيس أوباما سوف يخذلهم عبر النكث بوعده في التطبيق.

عندما تضعف الثقة بكلام السياسي العادي يضع المجتمع السياسي علامة سلبية عليه ويبتعد عنه، ومع رئيس للولايات المتحدة، خصوصاً في فترته الثانية، تصبح تكلفة تراجع صدقيته أكبر بصورة لا يمكن تقديرها. اسأل قادة المملكة العربية السعودية.

في الأسبوع الماضي دهش العالم لرفض عاهل المملكة العربية السعودية قبول مقعد لبلاده في مجلس الأمن الدولي، وتبين في ما بعد أن السعوديين توصلوا إلى قرار مفاده أن الولايات المتحدة لم تعد شريكاً يعول عليه في قضايا الشرق الأوسط.

اتفاق مفاجئ

وقد شهد العاهل السعودي الذي أيد ثوار سورية المعارضين لبشار الأسد في وقت سابق، وقبل أن يعكر الجهاديون الإسلاميون أجواء الائتلاف، وشهد كذلك الخط الأحمر الذي وضعه الرئيس أوباما حول استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية يختفي تماماً إثر اتفاق مفاجئ مع فلاديمير بوتين. وتمثلت الصدمة التالية بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية بالاتصال الهاتفي الذي أجراه أوباما مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي يشكل المصدر الرئيس لتسليح وتمويل الأسد، بغية التوصل إلى اتفاق حول الأسلحة النووية. وخلال أيام أعلن رئيس الاستخبارات السعودية الأمير بندر أن بلاده تنوي النأي بنفسها عن الولايات المتحدة.

ويقول دان هينيغر معلق "وندر لاند" إن الطرح الأخرق لخطة الرعاية الصحية هو جزء أوسع من عجز الحكومة.

ما يهم هنا ليس مجرد قيمة معنوية مقدسة، كتلك العبارة المطبوعة على العملة الأميركية "نحن نثق بالرب"، لأن السياسات الداخلية أو قضايا الأمم ليست مهنة الملائكة، وذلك لأن صلب هذه المملكة الناقصة يتمثل بالمصداقية. وقد حدد الممثل الشهير سيدني ستريت على لسان شخصية، كاسبر غوتمان، حدود واشتراطات المسألة في فيلم "صقر مالطا" قائلاً: "يجب أن أخبركم بما أعرفه، ولكنكم لن تخبروني بما تعرفونه. ليس في ذلك مساواة يا سيدي. ولا أظن أن في وسعنا العمل وفقاً لهذه الشروط".

بمنتهى الصراحة، فقد استنتج شركاء الرئيس أوباما أنهم غير قادرين على إنجاز أعمالهم معه، فهم لا يثقون به، وسواء كان الأمر بالنسبة إلى السعوديين أو ثوار سورية أو الفرنسيين أو العراقيين أو الآسيويين أو الجمهوريين في الكونغرس، فقد نالوا كفايتهم من رئيس أميركي على هذا القدر من التردد والمزاج الزئبقي، وعندما يحدث ذلك لا يتم إنجاز قضايا العالم المهمة، وهو يقبع في حيز خطر وهش.

حديث الفشل

هناك الحدث السياسي الرئيسي التالي في واشنطن الذي يتمثل بالمفاوضات المتعلقة بالإنفاق والمخصصات والضرائب بين رئيس لجنة الميزانية في مجلس النواب بول رايان وشريكته في مجلس الشيوخ باتي موراي. الأجواء السيئة التي تحيط بهذا الجهد هي ذاتها التي يقول ماركو روبيو إنها تعطل إصلاح قانون الهجرة: الخوف من أن يحث الرئيس أوباما في العلن على المضي قدماً في العملية ثم ينسف أي اتفاقية بين رايان وموراي في الساعة الأخيرة من خلال طلبات تطيح بها بفرض عائدات ضرائب أكبر.

ثم هناك رابطة الرئيس أوباما مع الشعب الأميركي التي تضعف عراها مع فشل طرح قانون تقديم الرعاية الصحية بأسعار مقبولة، ويمثل برنامج "أوباما كير" وحدة الـCPU (وحدة التشغيل المركزية) لنظام الثقة برئاسة أوباما، ويتساءل أنصار هذا البرنامج الآن لماذا حجبت الإدارة المعلومات المتعلقة بمشاكل البرنامج الهائلة عندما كان على المئات من العاملين الفنيين في المشروع معرفة أن هذه الفوضى سوف تحدث في الأول من شهر أكتوبر.

وبدلاً من اعتماد الوضوح والصراحة مع الرأي العام، استغرقت أكبر مسؤولة حكومية في الرعاية الصحية كاتلين سيبيلس أياماً وهي تسهب بكلام سخيف لا يصدق ومثير للضحك عن الفشل، بينما رفضت تقديم معلومات أساسية حول أسبابه.

لا يمنح الناخبون في العادة رجال السياسة درجات ثقة وتصديق بلا حدود، لكنها كانت موهبة باراك أوباما التي حولت الدعم المجرد إلى انتصار بلا حساب، لكن ذلك يتعثر الآن وبتكلفة باهظة، وإذا توصل السياسيون والرأي العام والصحافة داخل الولايات المتحدة وخارجها إلى استنتاج بأن الرئيس أوباما لا يقوم بواجباته بصورة سليمة، فإن إنجازات فترة رئاسته الثانية ستقتصر فقط على إبرام اتفاقات مع أكثر شركاء مثيرين للسخرية وغير جديرين بالثقة على مستوى العالم... وسيكون الشعب الأميركي من يتكبد عواقب تلك الاتفاقات في نهاية المطاف.

Daniel Henninger

back to top