4 مجموعات مصرفية تهيمن على سوق الصرف العالمي

نشر في 21-02-2014 | 00:01
آخر تحديث 21-02-2014 | 00:01
No Image Caption
النتيجة سوق غير شفاف والفضائح تكلف 6 مليارات دولار

خلال الأشهر القليلة الماضية أدى تحقيق عالمي سريع التوسع في تواطؤ وتلاعب مزعومين بين متداولي العملات الأجنبية إلى إحداث هزة في أقسام العملات الأجنبية الموجودة في أكثر من عشرة مصارف كبيرة، بحيث أثار تساؤلات جوهرية حول الطريقة التي تعمل بها.
اللقاء السنوي المعروف باسم «برايم فاينانس» في لاهاي يعد مناسبة جافة، تجمع زمرة من الأكاديميين، والمحامين، والمصرفيين الغربيين لمناقشة النقاط الدقيقة لفلسفة التشريع في الأسواق الدولية. لكن في لقاء الشهر الماضي جعل أحد المتداولين جعل الأمر أكثر إثارة. ووفقاً لأحد الحضور، قال المتداول متسائلا: «نحن نكتشف سبلاً للالتفاف حول أي قواعد، إذاً لماذا تعتقدون أن كل ما تفعلونه سيكون له أثر مهم؟».

كلمات المتداول تعبر عن صورة دقيقة لسلالة عقلية رعاة البقر الموجودة لدى بعض الذين يعملون في المجالات الأكثر ظُلمة من عالم التداول، مثل العملات الأجنبية والسلع الأساسية. لكن رغم كل هذا التظاهر بالشجاعة، ربما تكون عقلية هذه السلالة في سبيلها إلى الانقراض.

تحقيق عالمي سريع

خلال الأشهر القليلة الماضية أدى تحقيق عالمي سريع التوسع في تواطؤ وتلاعب مزعومين بين متداولي العملات الأجنبية إلى إحداث هزة في أقسام العملات الأجنبية الموجودة في أكثر من عشرة مصارف كبيرة، بحيث أثار تساؤلات جوهرية حول الطريقة التي تعمل بها.

بن لوسكاي، المنظم المالي القوي لولاية نيويورك، الذي انضم إلى معركة التحقيقات هذا الشهر، محدثا رعبا في أوساط مديري المصارف بإرساله طلبات استدعاء وثائق لأكثر من عشرة مصارف.

بالنسبة إلى العديد من تلك المصارف هذه الفضيحة الثانية من نوعها التي تصيبهم في وقت قصير. وتستمر التحقيقات في تزوير معايير أسعار الفائدة المرجعية على القروض بين المصارف، مثل التلاعب في سعر الليبور. وحتى الآن أدت قضية التلاعب بسعر الليبور إلى فصل عشرات المتداولين من أعمالهم وكلفت المصارف ما يقارب ستة مليارات دولار على شكل عقوبات تنظيمية. وفقد ثلاثة رؤساء تنفيذيين - بوب دايموند من باركليز، وبيت مورلاند من رابوبانك، وديفيد كابلين من شركة آر بي مارتين للوساطة المالية - وظائفهم فيما يعد نتيجة مباشرة لهذه القضية.

فضيحة العملات الأجنبية

ويعتقد كثيرون أن فضيحة العملات الأجنبية ربما تكون بالسوء نفسه على الأقل. وقد وصف مارتن ويتلي، رئيس هيئة السلوك المالي في المملكة المتحدة، ادعاءات هذه القضية بأنها «من جميع الزوايا سيئة بمثل سوء التلاعب بسعر الليبور».

وتستعد المصارف الآن لوابل محتمل من الغرامات بعدة مليارات من الدولارات، وسنوات من الدعاوى المدنية، ومغادرة مجموعة من كبار الموظفين. وقد أعطت الهيئات التنظيمية تحذيرات صارمة بهذا الشأن.

إن حجم التداول اليومي البالغ 5.3 تريليونات دولار في سوق العملات الأجنبية يجعل جميع الأسواق الأخرى تبدو صغيرة. وهو سوق مرتبط بشكل ملموس أكثر بمجموعة أوسع من العملاء، الذين قد يكون كثير منهم قادراً على إثبات أنه تم خداعه من خلال ما يُدَّعى حول تواطؤ وتلاعب المتداولين بالأسعار.

وقت سيئ جداً

وبالنسبة للمصارف الاستثمارية الكبرى - التي هي الآن تحت ضغط من قوانين ما بعد الأزمة، ومن متطلبات رأس المال الأعلى، وأحجام التداول الراكدة في أنشطة الدخل الثابت والعملات والسلع الأساسية Ficc- تأتي القضية في وقت سيئ للغاية.

يقول بيل مايكل، رئيس الخدمات المالية الأوروبية في مجموعة كيه بي إم جي: «هذا التحقيق وحش. الجميع يستخدمون سوق العملات الأجنبية، لذلك قد يكون التأثير بعيد المدى».

ومظهر محققي مكافحة الاحتكار والخداع يتسم بالضخامة والقوة. فقد ارتعب مديرو المصارف هذا الشهر عندما انضم بن لوسكاي، المنظم المالي القوي لولاية نيويورك، إلى المعركة، حين قام بإرسال طلبات استدعاء وثائق لأكثر من عشرة مصارف. وذاع صيت لوسكاي الذي يعتبر نهجه على غرار نهج إليوت سبيتزر، المدعي العام السابق لنيويورك، قبل 18 شهراً عندما طارد بنك ستاندار تشارتر لانتهاكه العقوبات، وحصل على تسوية بقيمة 340 مليون دولار.

في المجمل، عشرات الهيئات التنظيمية في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة وآسيا - من هيئة السلوك المالي في المملكة المتحدة إلى وزارة العدل الأميركية- تعكف الآن على تحقيقاتها الخاصة، أو المساعدة في تحقيقات في المزاعم بأن المتداولين استخدموا غرف الدردشة وأشكالا أخرى من الاتصالات الإلكترونية لمشاركة معلومات الزبائن والتواطؤ للتلاعب بالمعايير اليومية لأسعار العملات.

تنقلات للمحققين

وحجم انتهاكات العملات الأجنبية المزعومة يجعل هذه الأجهزة التنظيمية تعمل بالطاقة القصوى. فقد قال أشخاص مطلعون على المسألة، إن كبار مسؤولي وزارة العدل الأميركية أجروا تنقلات لبعض المحققين في قضايا التلاعب بالليبور، للعمل على تحقيق العملة.

انتشرت التحقيقات التي بدأت قبل عام تقريباً في المملكة المتحدة، في جميع أنحاء العالم، لتجتاح 15 بنكاً على الأقل. حيث قام تسعة منها - وهي باركليز، وسيتي جروب، ودويتشه بانك، وإتش إس بي سي، وجيه بي مورجان، ولويدز، ورويال بانك أوف اسكتلند، وستاندر تشارتر، ويو بي إس- بإيقاف 21 متداولاً عن العمل، أو إعطائهم إجازة أو فصلهم من العمل. ويراوح نطاق هؤلاء المتداولين -من بوينس آيرس ونيويورك إلى لندن وطوكيو- من موظفين جُدد إلى زعماء شركات عالمية، ومن مختصين في العملات، مثل البيزو المكسيكي، إلى عموميين يتداولون عملات «ثنائية» شائعة، مثل اليورو - الدولار.

وهناك مجموعة قليلة من كبار المتداولين الأكثر خبرة تخضع لتحقيق خاص، بسبب عضويتها في غرفة دردشة معينة معروفة بصورة عامة باسم المافيا، أو الكارتل، وهي مجموعة قوية كانت تحظى بالاحترام على نطاق واسع في مجتمع المتداول.

تحقيقات داخلية بالمصارف

وتعكف المصارف على إجراء التحقيقات الخاصة بها. ويقول الأشخاص المعنيون إن المصارف تعمل على فحص مئات الملايين من الرسائل التي أرسلها المتداولون في غرف الدردشة، سواء كانت نصيّة أو بالبريد الصوتي. وتدرس أيضاً أنماط التداول في كل عملة في جميع المناطق الجغرافية. ووفقا لأحد المحامين، المصارف لديها إدراك أفضل للذي تبحث عنه، بعد أن انتهت للتو من تحقيقات التلاعب في الليبور.

يقول رؤساء المصارف إن الجدية التي يأخذون بها الادعاءات بشأن العملات الأجنبية تدل على تصميمهم على كشف، وليس إخفاء، الممارسات الخاطئة. لكن الخوف يعد عاملا أيضاً. فبعض المصارف، من ضمنها باركليز، ويو بي إس، وآر بي إس، لديها اتفاقيات عدم ملاحقة قضائية، أو ملاحقة قضائية مؤجلة مع وزارة العدل الأميركية حول التلاعب بالليبور.

التلاعب بالليبور

وهذه العقود تجبر المصارف على التعاون مع السلطات وتضعها في خطر شديد إذا تبين أنها ارتكبت جرائم في الولايات المتحدة في الأعوام الأخيرة. وقال ميثيلي رامان، رئيس القسم الجنائي في وزارة العدل الأميركية بالوكالة، لـ»فاينانشيال تايمز» في الآونة الأخيرة: «كجزء من قراراتنا المتعلقة بقضية التلاعب بالليبور، كانت هناك تعهدات من المصارف بالتعاون، وفي الواقع متطلبات من المصارف للتعاون، ليس فقط فيما يتعلق بقضية التلاعب بالليبور، لكن كافة عمليات التلاعب بمعايير الأسعار. لقد كان ذلك مصدراً مهما للمعلومات».

اعترف بنك باركليز في تقريره المالي للربع الرابع الأسبوع الماضي، بأن «خرق أي من أحكام الأصول المتعثرة NPA قد يؤدي إلى ملاحقات قضائية (...) وقد يكون له عواقب مهمة على عمليات المجموعة التجارية الحالية والمستقبلية».

فايننشال تايمز

التحقيقات: لا أدلة دامغة

على الرغم من عيوب السوق الواضحة والتلاعب المزعوم، يحذر محامون من أن التحقيقات الداخلية في مراحل مبكرة ولم تتوصل بعد إلى الكشف عن أدلة دامغة. ويقولون إن محققي المصارف وجدوا بعض الأمثلة عن سلوك مشبوه، لكن تحديد ما إذا تم انتهاك أي قانون، خاصة في الولايات المتحدة، لاتزال عقبة قائمة.

وحتى المتداولون الأربعة الذين فصلوا حتى الآن تم تبرير فصلهم بأسباب مبهمة - «الاستخدام غير الملائم لوسائل الاتصال الإلكترونية» في حالة روهان رامشانداني، رئيس القسم الأوروبي للتداول الفوري في سيتي جروب- أو غيرهم الذين تم فصلهم بسبب «سوء الحُكم»، كما في حالة روبرت وولدين، وهو متداول لدى دويتشه بانك في الولايات المتحدة.

ويقول المصرفي الكبير: «جميع المصارف تشعر بالضغط وضرورة أن يظهر عليها أنها تفعل شيئاً. بل إن بعض عمليات الفصل قد لا تكون مرتبطة بسلوكيات العملات الأجنبية».

ويجري أيضاً إعاقة المحققين من خلال الفهم المحدود لما وصفه أحد المحامين بـ»اللهجة» غير العادية التي يستخدمها متداولو العملات الأجنبية. ويقول أحد المتداولين المشاركين في التحقيق «إن معظم هذه الرسائل مملة بشكل ساحق ومحض كلام تافه. لكن من الصعب حل ألغازها».

مع ذلك، العقبة بالنسبة للهيئات التنظيمية في بروكسل هي أقل بكثير. فبموجب قانون الاتحاد الأوروبي، حتى محاولة التواطؤ ستكون كافية لإقامة قضية بوجود كارتل «احتكار». ومجرد تبادل المعلومات وحده قد أدى إلى فرض غرامات خلال تحقيقات أخرى.

إمكانية إثبات التواطؤ

وفقا لأربعة أشخاص مطلعين على التحقيقات، منذ الآن أصبح جليا من تحقيقات المصارف الداخلية وجود حالات من المتداولين الذين اشتركوا فيما بينهم في معلومات عن جميع سجلات التداول وعن طلبات عملاء أفراد، على ما يبدو في محاولة لمطابقة تداولاتهم ومواءمة استراتيجيات التداول.

ووسط الادعاءات بالتواطؤ هناك مؤشر «رويترز» WM/Reuters 4pm fix بالغ الأهمية – «وما يعرف باسم تثبيت الساعة الرابعة» وهو الآلية السائدة لوضع السعر المعياري في نهاية يوم التداول في لندن عن طريق حساب متوسط أسعار الطلبات من عدد قليل من المتداولين.

والتواطؤ، إذا أمكن إثباته، قد يكون أصبح ممكناً بسبب ثلاثة أشياء - البنية القديمة لسوق العملات الأجنبية التي لاتزال تعتمد على الهاتف أو التداول «الصوتي» بدلاً من طلبات إلكترونية أكثر شفافية تتم عبر البورصات، وغياب شبه تام للرقابة التنظيمية، وهيمنة ناد مريح لمتداولي العملات من بعض المصارف الكبيرة على السوق. وتمثل المجموعات الأربعة «دويتشه بانك، وسيتي جروب، وباركليز، ويو بي إس» أكثر من نصف السوق. والنتيجة هي سوق غير شفاف يعطي متداولي المصارف «ميزة معلومات» واضحة عن عملائهم. ويقول المتداولون إن الحصول على معلومات عن نوايا عملائهم، خاصة مع عمليات تداول كبيرة، يساعدهم على التحرك والمناورة في سوق تتميز بتقلبات كبيرة في الأسعار، وبشكل يومي.

وبحسب أحد كبار موظفي الامتثال في أحد المصارف: «المشكلة الرئيسة كانت عدم وجود توجيهات بشأن معايير سلوكية واضحة». وبرأيه أن «الأشخاص لم يكونوا حذرين كما كان ينبغي في حماية سرية العملاء. وهذا لن يكون مقبولاً في أسواق أخرى، لكن بالنظر إلى أن هذه ليست سوق تداول في البورصات فلم ينظر أحد في الأمر عن كثب».

درس للقسوة

علّمت فضيحة التلاعب بالليبور المصارف أن من صالحها أن تكون قاسية لا ترحم في تحقيقاتها الخاصة. ففي ديسمبر الماضي نجا بنك يو بي إس من غرامة محتملة بقيمة 2.5 مليار يورو من المفوضية الأوروبية، مقابل معلومات عن كارتل يُزعم أنه تلاعب بمعدل الليبور الخاص بالين. ومثل هذه المعاملة شجعت بعض المصارف على تسليم الأدلة للمفوضية، في محاولة لنيل معاملة متساهلة، أو حصانة من تحقيقاتها في العملات الأجنبية.

والنطاق الواسع لسوق العملات - والتأثير المباشر لمجموعة من عملاء الشركات، ومديري الأصول، وصناديق التقاعد - زاد من مخاوف المصارف وحرصها على التعاون. وقال أحد الأشخاص المطلعين على تحقيق المفوضية الأولى، إن المصارف تصطف لتقديم أدلة اتهام «ذات جودة مذهلة».

back to top