غولن وأردوغان لمن ستكون الضربة القاضية؟

نشر في 11-01-2014
آخر تحديث 11-01-2014 | 00:01
 أنس محمود الشيخ مظهر  الصراع الذي تشهده تركيا حالياً ليس وليد اليوم، بل هو نتاج تراكمات طويلة بدأت منذ سنين في وقوف الرجلين غولن وأردوغان على مفترق طرق في اتخاذ مواقف حاسمة من ملفات داخل تركيا وخارجها، والتي رأى فيها غولن تهديداً مباشراً لمصالحه وللأفكار التي تبناها، وعمل عليها طيلة السنين الماضية في طموحه للهيمنة على تركيا، ليس باستلام السلطة فيها إنما باستخدام الأموال واستمالة المواقف لتوجيه القرار السياسي التركي من خلف الكواليس.

لقد بدا الشرخ بين أردوغان وغولن قبل الثورات العربية، وقبل أزمة سفينة مرمرة مع إسرائيل، إلا أن الموضوعين كانا كفيلين بكشف الخلاف الكبير في تعاطي الرجلين مع الأزمات الخارجية، فموقف غولن كان يتعارض تماما مع موقف أردوغان في الأزمة مع إسرائيل، وتبنى دائماً فكرة عدم التصادم مع حليفة أميركا في المنطقة، والذي يراها  قدراً إلهياً لدول هذه المنطقة، ويجب التعامل معها بانفتاح دون مشاكل.

أما الثورات العربية وموقف تركيا أردوغان منها كشفت لغولن أن هناك ثمة سياسيا في أنقرة على وشك الخروج من سيطرة جماعته والتحول إلى زعيم إقليمي؛ مما يضعف من دور الجماعة في القرار السياسي التركي.

قد يجهل الكثيرون في العالمين العربي والإسلامي ما تمثله جماعة غولن (حركة الخدمة) في تركيا من الناحية السياسية والاقتصادية إضافة إلى الناحية الدينية، فالرجل برز كأحد النوريين أو النورانيين (أتباع سعيد النورسي)، وانشق عنهم ليكون له جماعة لها أفكار تقترب كثيراً من النظرة النازية في ما يخص العرق، لكنها مغلفة بنطاق ديني، فهو يرى أن العرق التركي قادر على تقديم الفكر الإسلامي بشكل أكثر رقيا وانفتاحا مما تقدمه الأحزاب الإسلامية العربية، وأن العنصر التركي قد فهم الإسلام وقدم له أكثر مما قدم له العرب.

واستفاد الرجل من التغيرات السياسية بعد انقلاب 1980، وقدم نفسه كوجه إسلامي معتدل استغلته الأحزاب العلمانية التركية لتظهره كبديل مناسب للأحزاب الإسلامية الأخرى خاصة أنهم- حسب ادعاءات الجماعة- لا يتدخلون في السياسة ولا يطمحون إلى السلطة، شأنهم في ذلك شأن بقية الحركات الصوفية في العالم، وهكذا نجحوا في طمأنة الحكومات التركية المتعاقبة والانتشار والتوسع في بناء إمبراطورية اقتصادية لا يستهان بها، تمثلت بأموال ضخت للأعمال الخيرية وفتح مدارس خاصة بالجماعة داخل تركيا وخارجها، ودس الكثير من عناصرها في أماكن حساسة للدولة حتى قبل وصول أردوغان إلى الحكم.  لقد كان تغير الموقف الأميركي من تداعيات الثورة في سورية وسقوط حكم الإخوان في مصر دافعاً لإعلان غولن الحرب على أردوغان، خصوصاً بعد قرار حظر المدارس التابعة للجماعة داخل تركيا، وسواء كان البدء بهذا الصراع بتوجيهات أميركية وإسرائيلية لتأديب أردوغان أم كانت "ضربة معلم" من غولن نفسه فإن حيادية الموقف الأميركي من الأزمة الحالية تثير أكثر من تساؤل، إذ بدأ الصراع في موقف الجماعة منذ أزمة ساحة تقسيم في السنة الماضية، وكذلك إقالة مدير الاستخبارات التركي المقرب من أردوغان والمسؤول المباشر عن ملف المفاوضات بين حزب التنمية والعدالة الممثلة للحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني.

ما يحدث في تركيا لن تكون تبعاته محصورة في الداخل التركي بل ستتعداه إلى الخارج، فإذا خسر أردوغان هذه الجولة، واستطاع غولن التحالف مع الأحزاب القومية واليسارية التركية والفوز في الانتخابات القادمة؛ لأن حركة "الخدمة" وهي اسم جماعة غولن، لها تجارب سابقة في التحالف مع الأحزاب العلمانية قومية كانت أم يسارية، وهي تتحرك حسب مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، وإذا ما حصل هكذا تحالف فهذا يعني تحالف القوى القومية التركية التي تميل توجهاتها نحو الغرب وأميركا وإسرائيل، وتتبنى موقفا حياديا في الصراع السياسي بين إيران والدول العربية مع جماعة إسلامية كجماعة غولن التي لها علاقات ممتازة مع أميركا وإسرائيل، وتمتلك نظرة قومية ذات صبغة دينية أخطر على الدول العربية من التوجهات المذهبية لإيران.

ولكن يبدو أن الدول العربية لا تمتلك مبادرة بالفعل بقدر ما تركز على ردود الأفعال بعد حدوث الحدث، فقسم من الدول العربية التي تتعارض مع توجهات أردوغان مستبشرة بما يحدث في تركيا، والقسم الآخر يتفرج بصمت حيال ما يحدث دون استعمال أي ضغوط سياسية على الجهات الداعمة لغولن في الغرب وأميركا.

قد يكون التوجه العربي حيال الأزمة التركية توجها صحيحا آنياً، ولكن على المدى البعيد سيكون إسقاط أردوغان وإرجاع عقارب الساعة إلى الوراء في تركيا بالنسبة إلى الدول العربية كمن يستجير من الرمضاء بالنار.

* كردستان العراق – دهوك

back to top