الروائيون القتلة!

نشر في 03-02-2014
آخر تحديث 03-02-2014 | 00:01
انشغلت وسائل الإعلام الثقافية بخبر فوز رواية «جروح حتى العظم» للكاتب المدان بجريمة قتل فان الآريك هانت (44 عاماً) في مسابقة «برايفت آي» الأدبية لكتاب القصة البوليسية الناشئين، وأثنت لجنة التحكيم على الحبكة وبراعة الكاتب في تقديم رواية هي أقرب الى الواقع منه الى الخيال البوليسي. والقضية ليست في الرواية وحبكتها، بل في مكان آخر، إذ لم يخطر في بال أعضاء لجنة التحكيم أن وراء واقعية هذه الرواية سبباً وجيهاً هو أن الكاتب الفائز نفسه قاتل يقضي حكماً بالسجن بعد إدانته بارتكاب جريمة قتل طالبة في الثالثة والعشرين من العمر في ولاية ساوث كارولاينا عام 1988.
قضت طالبة اختناقاً بسبب حريق أشعله فان الآريك هانت مع شقيقه لإلهاء السلطات وتشتيتها أثناء سطوهما على محل قريب لبيع المجوهرات. وأُلقي القبض على الأخوين وحُكم عليهما بالسجن المؤبد. في السجن تعرَّف هانت الذي يعمل في مكتبة السجن إلى كتّاب مثل الروائي الأميركي أرنست همنغواي. وذات يوم خطرت له فكرة أن يكتب رواية بعد أن قرأ إعلاناً عن مسابقة لأفضل قصة بوليسية مقدارها 10 آلاف دولار للفائز، مع ضمان نشر روايته.

تدور أحداث الرواية حول قتل امرأة واتهام صديقها ظلماً بقتلها. أما المكان فهو مدينة نيويورك التي لم يزرها هانت قط ولكنه جمع عنها معلومات من خلال مشاهدة مسلسلات تلفزيونية تقع أحداثها في المدينة. وأبدت فرانسيس أوستن، والدة الطالبة القتيلة، استغرابها حين علمت أن قاتل ابنتها كتب رواية بوليسية موضوعها جريمة قتل وفاز عليها بجائزة {برايفت آي} لكتّاب القصة البوليسية الناشئين.

اللافت في تجربة هانت أن جريمته الحقيقة خطفت منه كتابته عن الجريمة، وهو ليس وحده في هذا المجال، فثمة عدد من الروائيين الأجانب صارت قصتهم عن القتل أو محاولة القتل أشهر من أعمالهم، أو المرادف لذكر أسمائهم. ومن بين هؤلاء الروائي النمساوي جاك أونتر ويغر الذي حُكم بالسجن المؤبد في سنة 1974 لقتله إحدى المومسات. وفي السجن كتب رواية بعنوان «الجحيم» جعلته مشهوراً جداً، لا سيما بعدما تحوّلت الرواية فيلماً سينمائياً. وقد أُطلق سراحه في سنة 1990. لكنه، في فبراير 1993، اعتقل مجدداً في ميامي في الولايات المتحدة الأميركية، وفي يوليو 1994 حكم بالسجن المؤبد ثانية لقتله نحو عشر مومسات. غير أنه، بعد يوم من إصدار الحكم عليه، انتحر في زنزانته بشنق نفسه، فكان هو ذاته آخر ضحاياه. وبدت سيرته رواية بحد ذاتها، لأن لديه «عطشاً» لقتل المومسات.

واتُهمت الروائية شارلوت برونتي، صاحبة رواية «جين آير» بقتل شقيقتها إميلي برونتي، صاحبة رواية «مرتفعات وَذَرينغ» في سنة 1848. وهذه العائلة كانت على مدى عقود عنواناً للتراجيديا الارستقراطية، فبعد نجاح قصة شارلوت بأشهر، عمد شقيقها برانويل إلى قتل نفسه. موت الشقيق الوحيد قذف الأختين في إعصار الحزن والصمت الموحش، وإميلي الوسطى مشت حافية في جنازة أخيها من فرط الذهول وسط عاصفة من جليد. وثمة من كتب أن شارلوت قتلت شقيقتها آن وشقيقها برونويل. ثلاث جرائم دفعة واحدة وفي خلال أشهر قليلة. وقتلت شارلوت بعد حوالى سبع سنوات وبيد من ساعدها على قتل شقيقها وشقيقتها، وهو زوجها مساعد القس (راعي الأبرشية)، آرثر بيل نيكولوس، الذي لم يكن قد مضى على زواج شارلوت منه إلا نحو ثمانية أشهر. لا تزال هذه الجريمة المثلثة أو المربعة، محط أنظار الكتاب والاتجاهات الادبية.  

نورمان مايلر

ثمة من الروائيين من حاول قتل زوجته ولم يفلح، وهو الكاتب الأميركي نورمان مايلر الشهير بكتبه القيمة وفضائحه في وسائل الإعلام وخلافاته مع زملائه من الأدباء وعراكاته في الحانات... كلها جعلته الكاتب الأكثر شهرة بين كتّاب جيله من دون منازع. أما مشكلاته المزمنة مع إدمان المخدرات والكحول التي دفعته إلى طعن زوجته الثانية أليس سنة 1960 طعنات قاتلة، لكنه نجا من العقاب بفضل مستشفى الأمراض العقلية، فساهمت في إطلاق حملة نسوية واجتماعية شرسة ضده تركت بعض التداعيات على مسيرته ككاتب.

الروائي الأميركي وليم بوروز الذي ينتمي إلى «جيل الصرخة» أقدم في سنة 1952 على قتل زوجته جوان بينما كان يلاعبها بلعبة «وليم تل». وضع على رأسها قدحاً من الشمبانيا وأطلق عليه النار، فأخطأ القدح وأصابها جمجمتها برصاصة قاتلة.  

وفي الولايات المتحدة أيضاً، قبل 10 سنين، أدانت هيئة محلفين الروائي مايكل بيترسون بالقتل بعدما قررت كثرة القرائن ضده. وبيترسون صاحب روايات («التنين الخالد» و{زمن الحرب» و{السلام المر») وكاتب عمود في صحيفة يومية، وبطل لحرب فيتنام. كانت زوجته كاثلين مديرة تنفيذية للاتصالات، ولكن علاقتهما انتهت بمأساة، بل تطورت إلى قتل وهي نواة لقصة بوليسية، ففي 9 ديسمبر 2001 أمضى الزوجان المساء في المنزل يشاهدان حلقة كوميدية ويشربان الكحول. في تلك الليلة لقيت كاثلين حتفها، وأكد الدفاع أن الوفاة كانت عرضية أثناء السكر، ولكن بعد أربعة أيام من النقاش، خلصت المحكمة إلى أمر آخر. فقد وجد بيترسون مذنباً بضرب زوجته حتى الموت.

 رغم الظروف المشبوهة لوفاة زوجته، فإن النتيجة ربما تتوقف على حادث سابق في ألمانيا، وهي وفاة المدرسة في القاعدة العسكرية الأميركية، اليزابيث راتليف في عام 1985. فقد وجدت جثتها هامدة أسفل السلم، وكانت قد شوهدت آخر مرة في شركة الروائي (بيترسون)، تماماً مثلما حدث لزوجته بعد 16 عاماً. في تلك الفترة حكم على السيدة راتليف بأنها تعاني جلطة سقطت من جرائها على السلالم. ولكن نبش رفاتها من القبر في تكساس العام الماضي بطلب من الادعاء، واستنتج الخبراء الشرعيون بأنها تعرضت للاغتيال. وهو بذلك ارتكب جريمتين هزتا أميركا باعتبار ان القاتل روائي ومحارب وصحافي.

 المفارقة أن معظم الروائيين القتلة هم من الولايات المتحدة الأميركية، هل في الأمر صدفة؟! لا شك في وجود روائيين آخرين أجانب وحتى عرب قتلة ولكن لديهم كتبهم التي تحظى باهتمام آلاف القراء.

back to top