المجاهدون الجدد يبرزون ضعف «القاعدة»

نشر في 23-02-2014
آخر تحديث 23-02-2014 | 00:01
 ذي تيليغراف    تبدو حملة زعيم تنظيم "القاعدة" الهارب (كما يظهر في الآونة الأخيرة) ضد الأساليب العنيفة التي يعتمدها الجيل الجديد من المقاتلين الإسلاميين مثيرة للسخرية إلى حد ما. فقد سبق أن ارتكبت هذه المنظمة الكثير من أعمال العنف الشائنة غير المبررة، مثل اعتداء السنة الماضية على مركز "ويست غيت" التجاري في نيروبي. وفي ضوء التقارير الأخيرة، قد تكون أيضاً مسؤولة عن تطرف الرجل البريطاني الأول الذي نفّذ عملية انتحارية في الحرب الأهلية السورية.

ولكن لا يبدو أن أيمن الظواهري، الزعيم العقائدي الأول في تنظيم "القاعدة"، منزعجاً من الطرق العنيفة الكثيرة التي يعتمدها المجاهدون في قتالهم في سورية والعراق، بل من واقع أنهم ما عادوا مستعدين لاتباع أوامره. فيُعتبر الظواهري أباً للإرهاب الإسلامي، لكنه يزداد عزلة.

هذه وجهة نظر المسؤولين الاستخباراتيين الأميركيين الذين يراقبون عن كثب كل أوجه النشاط الإسلامي حول العالم. فقد أخبرني مسؤول أميركي بارز يعمل في مجال مكافحة الإرهاب خلال مقابلة معه في واشنطن: "ما نراه راهناً هو حلول جيل جديد من المقاتلين الإسلاميين، الذين يملكون أجندة أكثر تركيزاً وتطرفاً، محل تنظيم القاعدة. لكن هذا الجيل الجديد من الإرهابيين يُعتبر أكثر طموحاً. فلا يكتفي بالتخطيط لاعتداءات إرهابية ضد الغرب، بل يبدو مصمماً على إنشاء دولته الإسلامية".

يفسر هذا الشرخَ العميقَ بين المجموعات التقليدية التابعة لتنظيم "القاعدة"، مثل "جبهة النصرة" التي شنّت حملة من أعمال العنف ضد نظام الأسد في سورية، وخصومها الأكثر عدائية مثل "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش).

خلال حديثه من مخبئه في مناطق باكستان القبلية قبل أيام، اكتفى الظواهري بالإدلاء بتصريح مثير للشفقة اشتكى فيه من جيل جديد من الإرهابيين الإسلاميين الذين يسعون إلى تطبيق أجندتهم الخاصة. قال الظواهري عن "داعش": "لم نُخطَر بتشكيلها ولم نُستَشَر. كذلك لا نشعر بالرضا حيالها، بل نأمر بوقفها... ينفي تنظيم القاعدة مسؤوليته عن أعمالها وسلوكها". يبدو الظواهري وما تبقى من قيادة "القاعدة" الأساسية من نواحٍ كثيرة أشبه بمن يصيح في البرية. فقد مر نحو ثلاث سنوات على موت أسامة بن لادن، مؤسس هذا التنظيم الشهير، بعد أن رصده فريق من القوات الخاصة الأميركية في مخبئه في أبوت آباد في باكستان وقتله.

خلف الظواهري، الذي يُعتبر شخصية إسلامية رقيقة الصوت، بن لادن في قيادة التنظيم، لأن كل كبار قادة بن لادن كانوا قد قُتلوا أو اعتُقلوا خلال مهمة مكثفة دامت عقداً من الزمن نفذها فريق من عملاء وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية للعثور عليه. إلا أن الظواهري عجز عن مضاهاة شخصية بن لادن القيادية. كذلك أعاقت القيود، التي كبلت حرية حركته ووسائل تواصله، قدرته على السيطرة على أتباعه. نتيجة لذلك، ملأ جيل جديد من الإرهابيين الإسلاميين (ما يعتبره مسؤولو أجهزة الاستخبارات الأميركية اليوم "القاعدة- الجزء الثاني") الفراغ، ما كان له تداعيات كارثية محتملة على الأمن الغربي.

بخلاف تنظيم "القاعدة"، الذي اتبع خلال عهد بن لادن، على ما يبدو، أجندة شديدة التطرف بمهاجمته أهدافاً غربية بدون أي سبب، يملك المجاهدون، الذي يقاتلون مع "داعش" (عدد منهم من المقاتلين البريطانيين، وفق بعض التقارير)، أجندة أكثر تشدداً بكثير تهدف إلى تأسيس دولة إسلاميين تتبع التطبيق الأقسى للشريعة الإسلامية.

سبق أن قدم مقاتلو "داعش" للعالم لمحة عما يجب توقعه في حال حققوا هدفهم. ففي المناطق المستقلة التي سيطروا عليها في أجزاء من شمال سورية وغرب العراق، تحولت عمليات إعدام المقاتلين الأسرى الجماعية وقطع الرؤوس والعقوبات العنيفة التي أُنزلت بمن اتهموا بارتكاب انتهاكات بسيطة إلى مشهد يومي.

نتيجة لذلك، يزداد خوف المسؤولين الاستخباراتيين الأميركيين من أن الخطر الذي يواجهه الغرب سيصبح أكبر بكثير في حال تمكنت مجموعات مثل "داعش" من اغتصاب قيادة "القاعدة" التقليدية وإنشاء دولتها الخاصة في سورية.

يوضح مسؤول استخباراتي أميركي بارز: "يبدو الجيل الجديد من الإرهابيين الإسلاميين أكثر تنظيماً وتركيزاً على ما يريدون تحقيقه، مقارنة بمنظمة بن لادن الأساسية، لذلك نخشى أن يشكل نجاحهم في تأسيس دولة إسلامية، وإن صغيرة، وسيلة لسيطرة أوسع في العالم العربي".

صحيح أن الظواهري معزول عن ساحة المعركة الرئيسية في سورية والعراق، غير أن أنصاره يأبون الاستسلام بسهولة. فتتحدث التقارير عن صدامات عنيفة في سورية بين تنظيم "القاعدة" وغيره من الفصائل الإسلامية أدت إلى مقتل 2300 شخص منذ بدء القتال في مطلع شهر يناير، ما يرفع حصيلة القتلى في البلد إلى 5800 خلال هذه الفترة. وهكذا يكون هذا الشهر الأعنف حتى اليوم في الحرب الأهلية السورية المستعرة منذ ثلاث سنوات.

يخشى المسؤولون الأمنيون الأميركيون أن تروق الرؤية الراسخة عن دولة إسلامية مستقلة، التي أعلنها زعيم "داعش" أبوبكر البغدادي، للجيل الجديد من المجاهدين أكثر من رؤية بن لادن المتواضعة نسبياً عن الحد من نفوذ الغرب في المنطقة.

نتيجة ذلك، نرى في دول بعيدة مثل اليمن ومصر أن المجموعات المسلحة المتطرفة تعبر عن تفضيلها "داعش" على المجموعة المجاهدة القديمة. ويبدو أن مستقبل الجهاد الإسلامي يقع اليوم بين يدي الوافدين الجدد، لا القادة المسنين المنهكين.

* كون كافلين | Con Coughlin

back to top