خلافات الإخوة هل تؤثر في العلاقة بينهم؟
لا تخلو العلاقة بين الإخوة من الشجارات. ويُعتبر هذا جيداً من نواحٍ محددة لأن لهذه الشجارات أوجهاً إيجابية. فهي تسمح للولد بتعلّم مواجهة نظرائه واختبار حدوده والتعرف إلى الحياة في المجتمع وبناء أطر شخصيته.
يكون للخلافات التي تنشأ عادةً بين الأولاد سبب محدد. فمن خلالها، يسعى الولد ليكون محور اهتمام والدَيه. نتيجة لذلك، تحدث معظم الشجارات أمامهما.
بروزعندما يحاول الولد استقطاب اهتمام الأهل، يسعى إلى إرغامهم على الاعتراف به كشخص مستقل. وقد تناول الطبيب النفسي الأميركي إريك برن حاجة الولد هذه من خلال مفهوم يُدعى «حركة». تشكّل «الحركة» وحدة تواصل بشري، سواء كانت نظرة، لمسة، أو كلمة. بمعنى آخر، تمثّل هذه الحركة اعتراف الإنسان بالآخر بطريقة غير مباشرة.عمل برن على التمييز بين الحركات الإيجابية، التي تشمل علامات الاحترام والتعابير العاطفية، والحركات السلبية التي تقلل من شأنه. ويؤكد عالِم النفس هذا أن التعرض لحركات سلبية أفضل من عدم التعرض لأي حركات. فيُعتبر هذا الاعتراف، سواء كان إيجابياً أو لا، من ضرورات الحياة لأنه يمثل البرهان على أن الشخص موجود حقاً. ويوضح برن أن الولد الذي لا يتلقى الحركات قد يُصاب، في بعض الحالات المعقدة، بالكآبة. إذاً، عندما يسعى الولد إلى لفت انتباه أهله من خلال الشجار، يحاول، في الواقع، الفوز باعترافهم بوجوده وكيانه.تأكيد الذاتيشكّل الشجار، أيضاً، وسيلة يسعى الولد من خلالها لإثبات شخصيته. لذلك عندما يرفض الولد الأكبر سناً دخول الولد الأصغر سناً منطقته الخاصة (المنطقة التي يعتبرها ملكه وحده من دون سواه)، يؤكد وحدته. فلا يقتصر تحديد الولد منطقته على جسمه، بل يشمل أيضاً أفكاره، ثقته بنفسه، معارفه، وعواطفه... ولا شك في أن العالم الخاص ضروري لأنه يسمح للولد برسم أطر شخصيته وتأكيد ذاته كفرد. درس العالم إدوارد هول، ضمن إطار علم النفس الاجتماعي، مسافات اجتماعية دعاها «القربيات» (proxémie). فقد أكّد هول أننا نملك حولنا مساحة تشكّل بالنسبة إلينا محيط أمان شخصياً.تتراوح المسافة الحميمة، وفق هول، بين 15 و45 سنتمتراً، المسافة الشخصية بين 45 و135 سنتمتراً، المسافة الاجتماعية بين 1.20 متر و3.70 أمتار، والمسافة العامة أكثر من 3.70 أمتار. صحيح أن هذه المسافات قد تختلف باختلاف الثقافات والأماكن، إلا أن الطريقة التي نحتلها بها، بوجود شخص آخر، تحدد هويتنا. وهكذا، عندما يحاول الولد تحديد محيط الأمان الخاص به بوجود إخوته وأخواته، يسعى إلى رسم أطر هويته.تدخلعندما ينشأ خلاف بين الإخوة بسبب لعبة، مثلاً، هل يجب على الأهل التدخل؟ يشير علماء النفس إلى أن تدخل الأهل في شجارات أولادهم غير محبب. فبتدخلهم هذا يُصنّفون أحد الولدين كمعتدٍ، في حين يُشعرون الآخر كما لو أنه ضحية. لكن هذا التصنيف قد يضع كلاً منهما في قالب يصعب على الولد أحياناً الخروج منه. لذلك من الأفضل ترك الأولاد يحلون خلافاتهم بأنفسهم.تعتبر هذه الشجارات أمراً طبيعياً لأنها تساعد الولد، خصوصاً، على صوغ شخصيته واختبار حدوده. وهكذا يبدو من الحكمة ترك الأولاد يخوضون بعض الشجارات ليستخلصوا العبر والدروس منها. لكن يصبح تدخل الأهل ضرورياً في الشجارات التي تشمل عنفاً شفهياً أو جسدياً. كذلك عليهم أن يؤكدوا للولد، بطريقة مبطنّة، أنهم لا يحبذون أي شجار.وقايةليتمكن الأهل من التمييز بين الشجارات اليومية البسيطة والخلافات التي قد تؤدي إلى عواقب أكثير خطورة، عليهم، في المقام الأول، مراقبة ما يدور بين الأولاد. فمن خلال التنبه لطريقة تطور الشجار بين الأولاد، يستطيع الوالدان تحديد المنحى الذي سيتخذه، خصوصاً أن المشاحنات بين الأولاد تأخذ غالباً المسار ذاته.تشمل المؤشرات، التي يجب أن يراقبها الأهل خلال الشجارات بين ولدين، مدى ارتفاع الصراخ، رمي غرض ما على الأرض، البكاء، وكلمة يتفوه بها أحدهما وتثير غضب الآخر. ومن خلال هذه المؤشرات يحدد الأهل ما إذا كان عليهم التدخل أو لا. ولا شك في أن تدخلهم يصبح ضرورة ملحة عندما يتحوّل شجار بسيط إلى عنف شفهي أو جسدي، أو عندما يطلب منهم الأولاد ذلك صراحة. فيمثّل هذا الطلب تعبيراً عن حاجتهم إلى مساعدة. ولكن ما السبيل الأفضل إلى التدخل؟يبقى طرح الأسئلة الوسيلة الفضلى لفض الشجار. فيستطيع الأهل مساعدة الأولاد على التوصل إلى حلول هم بأنفسهم، من خلال سؤالهم مثلاً عن رأي كل منهم في هذا الوضع. ومن الضروري أن يتفادى الأهل الوقوف إلى جانب أحد طرفي الخلاف ضد الآخر، لأن ذلك يؤثر عميقاً في الولد. فلكل من الأولاد وجهة نظر مختلفة، وهي في رأيه محقة. وهدف الأهل، في المقام الأول، حل الخلاف لا تأجيجه. كذلك يجب الإصغاء إلى كل ولد بدوره، ليتمكن كل منهم من التعبير عن رأيه وما يشعر به. هكذا يساعد الأهل أولادهم على حلّ خلافاتهم من دون التدخل فيها، ما يتيح لهم تطوير شخصيتهم في المستقبل وتعلّم العيش في مجتمع أوسع.ما أهداف الشجار؟ ● تعليم الولد التفاوض: يفرض حل مشكلة ما على الولد فهم أن على كل من الطرفين تقديم تنازلات ما.اختبار حدوده وما يستطيع القبول به. فبرفض بعض الأمور والقبول بأخرى، يدرك الولد ما يستطيع تقبّله وما لا يرضى به.● مساعدته لتأكيد ذاته: بشرحه وجهة نظره، يعبّر الولد عن رأيه، أو بالأحرى عما هو عليه حقاً.● مساعدته لمعرفة ذاته: تظهر بعض أطر شخصية الولد خلال المشاجرات.● تعليمه التوصل إلى حلول لمشاكله: يفرض حل المشاكل التفكير للتوصل إلى مخرج، ما يرغم الولد على البحث عن بديل.● تعليمه مفهوم المشاطرة: يرتبط كثير من الشجارات بالمشاطرة، ما يساهم في تعليم الولد هذا المفهوم، الذي يأتي بالفطرة.● تمرينه للعيش ضمن مجتمع: تشكّل العلاقات بين الإخوة والأخوات نموذجاً مصغراً عن الحياة الاجتماعية.إلهاءإذا كان الولدان يتشاجران بسبب لعبة ما، يستطيع الأهل التخفيف من التوتر بينهما من خلال التدخل بطريقة اللعب من دون المشاركة في حل الشجار. على سبيل المثال، يمكنهم أن يمسكوا بالغرض موضوع الخلاف والهرب بسرعة. وهكذا يتشجع الأولاد على اللحاق بهم في محاولة لاستعادة الغرض، ما يوقف الشجار ويدفع الأولاد إلى المشاركة في لعبة مطاردة. وهكذا يتلهى الأولاد عن الشجار، فيما يساهم الضحك في تخفيف التوتر بينهم.تبديل الوضعإذا بدا للأهل أن الشجار محتدم، وإذا كانوا يستطيعون إرجاء العمل الذي يقومون به، يمكنهم تحويل اهتمام الأولاد عن موضع الخلاف بينهم بالاقتراح عليهم القيام بنزهة أو زيارة حديقة الحيوانات، أو الذهاب إلى السينما. ولا شك في أنهم سيفضلون الخروج في نزهة على متابعة الشجار.تسليةإذا علا الصراخ، إلا أن الأهل لا يستطيعون تأجيل ما يقومون به إلى وقت لاحق، قد يكون من الأفضل أن يقدموا لهم بعض الاقتراحات. يمكنهم أن يقترحوا عليهم مشاهدة فيلم على شاشة التلفزيون أو تشييد قصر بواسطة قطع الليغو لمفاجأة والدهم أو المشاركة في إعداد الطعام.مشاطرةتشكّل المشاطرة مفهوماً نتعلمه خلال الحياة. ولكن يحتاج الولد أولاً إلى تأكيد ملكيته للأغراض قبل أن يتعلم مشاطرتها مع شخص آخر. ولا يُعتبر الولد قبل سن الرابعة ناضجاً كفاية ليتعلم هذا المفهوم.