لماذا أصبح الوقت ملائماً لحكام مستبدين أمثال كيم يونغ أون؟

نشر في 04-03-2014 | 00:01
آخر تحديث 04-03-2014 | 00:01
No Image Caption
لا تكفي الفظائع التي فصّلها تقرير الأمم المتحدة عن كوريا الشمالية لحمل العالم على التحرك، فيقتصر ردّ الفعل على الصدمة ومن ثم التجاهل الجماعي.
 Jonathan Freedland   عندما كنت في بدايات عملي كمراسل في مطلع تسعينيات القرن الماضي، شكّلت الحرب في البلقان الخبر الدولي الأبرز، وقد حقق الكثير من زملائي شهرة واسعة في عالم الصحافة بتغطيتهم هذه الحرب التي أثرت فيهم بعمق، لكن الدافع وراء عمل كثيرين منهم لم يكن ظهور أسمائهم على الصفحة الأولى أو تصدر نشرات أخبار المساء، بل كان رغبة جامحة في إعلام العالم بما يحدث، فقد اعتقد عدد منهم أن العالم سيتحرك، إن شاهد ما كانوا يرونه في البوسنة.

لربما شعر معدو تقرير الأمم المتحدة الأخير عن حقوق الإنسان في كوريا الشمالية بالدافع ذاته، فهم واثقون اليوم من أن لا أحد يستطيع، بفضل الدراسة التي أعدوها في 372 صفحة، الادعاء أنه يجهل الفظائع التي تُرتكب في ذلك البلد، فقد فصّلوها بدقة مخيفة: التعذيب، والمجاعة المتعمدة، وعمليات الإعدام التي تُرتكب في شبكة من معسكرات الاعتقال السرية، ولا شك أن الحالات الفردية تفطر القلب: فتاة في السابعة من عمرها تُضرب حتى الموت بسبب بضع حبات إضافية من الطعام، وصبي يُقطع إصبعه لأنه أوقع خطأ آلة خياطة في معمل أُرغم على العمل فيه، والأفظع من ذلك، امرأة تُرغَم على إغراق طفلها المولود حديثا في وعاء من الماء.

يأمل المشرف على هذه التقارير، على غرار زملائي الصحافيين السابقين، أن يرى بعض الخطوات الحاسمة بعد أن عُرضت الأدلة بوضوح. يذكر القاضي الأسترالي المتقاعد مايكل كيربي: "صار المجتمع الدولي اليوم مطلعاً على كل التفاصيل، وما عاد يملك أي عذر يبرر إخفاقه في اتخاذ الخطوات المناسبة، متحججاً بأنه ما كان يعلم. طال الانتظار، وتفرض علينا معاناة الشعب الكوري الشمالي ودموعه التحرك".

ولكن هل يبدو كيربي واثقاً من أن هذه التقارير ستؤدي إلى خطوات حازمة؟ لا شك أن أي خطة تقدِم عليها الأمم المتحدة، حتى إحالة كوريا الشمالية إلى المحكمة الجنائية الدولية، ستصطدم بعقبة مباشرة في مجلس الأمن: حق النقض الصيني. فالصين متورطة أيضاً في فظائع كوريا الشمالية: عندما ينجح الناس بطريقة ما في الفرار عبر الحدود، تقضي السياسة الصينية بإرجاعهم في الحال.

الوضع مشابه في سورية، فقد مرّ أقل من شهر على صدور تقرير قدّم أدلة شاملة على معاناة المعتقلين على يدي نظام الأسد، وعلى غرار التقرير الأخير عن كوريا الشمالية، يفصّل هذا التقرير القتل من خلال التجويع والضرب والتعذيب، وتضمن هذا التقرير أيضاً صوراً لأجسام شديدة النحول، وفي هذا التقرير كما في تقرير كوريا الشمالية، أبرز المعدون أوجه شبه مخيفة بين أعمال العنف هذه وجرائم النازيين في أربعينيات القرن الماضي. ولكن هل أشعل التقرير مطالبة عالمية بالتحرك مع تنظيم التظاهرات أمام البرلمانات والقصور الرئاسية؟ كلا. وربما لأن الجميع يدركون أن أي دعوة للتحرك في الأمم المتحدة ستصطدم بحق النقض الروسي، اقتصر رد الفعل الرئيس على تجاهل عالمي.

لعل هذا ما يعنيه العيش في حقبة ما بعد التدخل، فيتردد كثيرون في الدعوة إلى التحرك، سواء في سورية أو كوريا الشمالية، لأننا نعلم أن هذه الدعوات ستذهب سدى. في تسعينيات القرن الماضي، كان بإمكان مَن أثارت حرب البلقان سخطهم الاعتقاد أنهم، إذا رفعوا الصوت عالياً، سينجحون في حمل القوى الدولية على التحرك، وهذا ما حققوه بالفعل، ولكن بعد حربَي العراق وأفغانستان، تبدد ذلك الاعتقاد، ففي بريطانيا، تُظهر التقارير أن المخططين العسكريين استخلصوا أن الحرب أنهكت الأمة التي ما عادت تتحمل المزيد من التدخل في الخارج، أما في الولايات المتحدة، فتبدو سياسة باراك أوباما الخارجية مبنية على افتراض مماثل؛ لذلك ما عاد كثيرون يتحدثون عن المفهوم الذي بدا سابقاً أنه سيبدّل شكل العلاقات الدولية: "مسؤولية الحماية".

نتيجة لذلك، تُعتبر المرحلة الراهنة ملائمة للحكام المستبدين المجرمين الذين يترأسون نظاماً عنيفاً، فلن يحاول العالم منعهم من القتل، مع أنه يعلم تماما ما يحدث.

back to top