الميزان في يدك... فما تراك تفعل؟!

نشر في 01-05-2014
آخر تحديث 01-05-2014 | 00:01
 د. ساجد العبدلي آتيكم اليوم بكلاسيكية جميلة من الكلاسيكيات التي لا نمل من الاستمتاع في تكرارها، وآمل ألا يمل القراء أيضا من قراءتها لتذكير أنفسهم بمعانيها.

يحكى أنه ذات صباح كان أحد رجال الأعمال يجلس بالقرب من شاطئ بحر في قرية ساحلية جميلة هادئة، وفي الوقت الذي كان يستمتع فيه بالمشهد الرائع أمامه والسكون من حوله، إذا به يشاهد صياداً راجعاً يجر قاربه الصغير نحو الشاطئ بعد أن اصطاد بعض السمك. أثاره المشهد فاقترب من الصياد وسأله: "كم المدة التي استغرقتها لاصطياد هذا القدر من السمك؟"، فقال الصياد: "ساعتين وربما ثلاث لا أكثر"، قال رجل الأعمال "إذاً لماذا لا تبقى وقتا أطول في البحر لتصطاد أكثر؟"، فأجابه الصياد "يكفيني لسد احتياجاتي ومستلزمات عائلتي". وهنا قال رجل الأعمال: "وماذا تفعل في بقية يومك؟"، قال الصياد: "يومي كله كالتالي، أنهض في الصباح الباكر عادة، وأول ما أقوم به الذهاب لأصطاد السمك، ثم أعود إلى المنزل لألعب مع أولادي، وفي الظهيرة آخذ قيلولة مع زوجتي، لأخرج في المساء لألتقي أقربائي وبعدها أصدقائي فنحتسي القهوة، ونتسامر ونضحك، ثم أعود إلى بيتي لأنام".

فكر رجل الأعمال قليلا، ثم قال: "باعتباري حاصلا على دكتوراه في إدارة الأعمال، بإمكاني أن أرشدك إلى النجاح بشكل أكبر في عملك. من اليوم فصاعداً، عليك أن تبقى في البحر أطول مدة ممكنة لتصطاد أكبر كمية من السمك، وتستمر على هذا المنوال إلى أن تنجح في توفير كمية معتبرة من المال، لتقوم بعدئذ بشراء مركب بحري أكبر حتى يمكنك أن تصطاد سمكا أكثر، ومع الوقت ستتمكن من شراء سفن أخرى وتجهيز شركة كبيرة خاصة بك، وهذا سيمكنك من أن تشتري منزلا فخما في مدينة كبيرة، وبعدها تقوم بافتتاح فروع لشركتك في مدن أخرى، لتكبر أعمالك وأموالك".

سأله الصياد بابتسامة: "وبعد ذلك ماذا أفعل؟". ضحك رجل الأعمال على سذاجة الصياد البادية وقال: "ستعيش بعدها كالسلطان في منزلك الفخم، وعندما يحين الوقت تبيع أسهم شركتك لتصبح أكثر ثراء". سأله الصياد مرة أخرى: "وبعد؟". قال رجل الأعمال بشيء من نفاد الصبر: "بعدها يمكنك أن تتقاعد، وتذهب إلى قرية ساحلية جميلة هادئة لتستقر فيها، وسيمكنك النهوض صباحا لتذهب وتصطاد بعض السمك بهدوء، وسيكون عندك الوقت الكثير لتلعب مع أولادك وتقضي الوقت مع زوجتك بعد الظهيرة، وسيمكنك في المساء الالتقاء بمن تحب للسهر والاستمتاع سويا". هنا قال الصياد والحيرة بادية على وجهه مع ابتسامة خفيفة: "أليس هذا ما أعيشه حالياً؟!".

المغزى الذي تريد القصة إيصاله هو أنه في بعض الأحيان على الواحد منا أن يقتنع بقدر معين من المال ليظفر ربما بأكثر من ذلك بكثير على مستوى آخر من مستويات حياته. الصياد في قصتنا كان يقتنع بالقدر الذي كان يصطاده من السمك في كل صباح، والذي كان يكفيه وعائلته لسد احتياجاته، وفي مقابل ذلك كان يتوافر له الوقت الكافي ليقضيه بجانب عائلته وأولاده وأقربائه وأصدقائه. وقت لا يحصل عليه ويحسده لأجله كثير من رجال الأعمال الذين يخصصون كل وقتهم للجري وراء الكسب والمال على حساب عائلاتهم وصداقاتهم وصحتهم.

للإنسان خمسة مستويات لا بد من توازنها حتى يمكن أن نقول إنه قد بلغ مرتبة جيدة من النجاح، المستوى الصحي الجسدي، والمستوى الديني الأخلاقي، والمستوى العلمي الفكري، والمستوى المادي المالي، وأخيرا المستوى الاجتماعي والعاطفي. تركيز الإنسان على أي مستوى من هذه المستويات واستغراقه فيه على حساب المستويات الأخرى ليس من النجاح في شيء أبدا، بل سينتهي به إلى سقوط كل معادلة حياته وانهيارها. ما فائدة كثرة المال على حساب الاستقرار الأسري؟ وما فائدة الاستغراق في القراءة والتعلم على حساب الصحة والجسد؟

المسألة يا سيدي ويا سيدتي، برمتها ميزان، وهذا الميزان في يدكَ أنتَ ويدكِ أنتِ، فما تراكما تفعلان؟!

back to top