الشرق الأوسط خذل جون كيري

نشر في 06-04-2014 | 00:01
آخر تحديث 06-04-2014 | 00:01
No Image Caption
تستحق إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، خصوصاً وزير خارجيته، الثناء للاعتقاد أن اعتماد المنطق والتفكير السليم والمبتكر قد يؤدي بمرور الوقت إلى تطبيق حلّ إقامة دولتين في حرب اليهود والعرب المستعرة منذ مئة سنة.
 Jeffrey Goldberg يبدو أن المحاولة الأميركية الأخيرة لحمل الفلسطينيين والإسرائيليين على التفكير بمنطق لن تنجح، ولا شك أن المفاوضين الأميركيين أقدموا أحياناً على خطوات غير مدروسة وأخطؤوا في حساباتهم خلال مفاوضات السلام التي قادها وزير الخارجية الأميركي جون كيري، وسيتسنى لنا وقت طويل لتفصيل ما حدث والتدقيق فيه، ولكن علينا تذكّر نقطتين بالغتي الأهمية في الوقت الراهن.

أولاً، تُعتبر خطوات الإسرائيليين والفلسطينيين غير المدروسة وحساباتهم الخاطئة (قصر نظرهم) أكثر أهمية، وثانياً، تستحق إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، خصوصاً وزير خارجيته، الثناء للاعتقاد (بطريقة أميركية صرفة ترمي إلى إيجاد الحلول) أن اعتماد المنطق والتفكير السليم والمبتكر قد يؤدي بمرور الوقت إلى تطبيق حلّ إقامة دولتين في حرب اليهود والعرب المستعرة منذ مئة سنة.

أضف إلى ذلك نقطة ثالثة بالغة الأهمية أيضاً: ربما لم تصل هذه المسألة إلى نهايتها بعد، ربما يدرك رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الذي أشاد به أوباما واعتبره الرئيس الفلسطيني الأكثر اعتدالاً الذي قد نحظى به، أن قراره السعي لنيل اعتراف دولي بدولة فلسطينية خيالية لا يُشكّل الطريقة الأذكى لتأسيس دولة فلسطينية فعلية، هذا إذا افترضنا أنه يرغب في إقامة دولة فلسطينية في جزء من أرض شعبه، وربما يعي عباس أيضاً أن الاعتراف بشكل من الأشكال بأن من حق الشعب اليهودي المطالبة بدولة له في جزء على الأقل من أرض أجداده قد يحفّز الوسط السياسي الإسرائيلي الكبير ويدفعه إلى القبول بنوع التنازلات التي يريد عباس أن تقدّمها إسرائيل.

أو ربما يفهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن إدمان بلده على مستعمرات الضفة الغربية، خصوصاً تلك المطلة على مدن فلسطينية، لا يدمّر سمعة إسرائيل الدولية فحسب، بل يقود أيضاً إسرائيل حتماً نحو مستقبل شعبين في دولة واحدة، منهياً بذلك حلم إقامة ملجأ للأغلبية اليهودية في عالم أساء إلى اليهود طوال ألفي سنة.

لا شك أن إقدام عباس ونتنياهو على خطوات أساسية (لا داعي أن تكون شبيهة بما اتخذه نيلسون مانديلا، لأننا بذلك نطلب منهما الكثير، بل يكفي أن يعربا بحذر عن رحابة صدرهما) يساهم في تخطي الريبة المتبادلة التي تغرق، على ما يبدو، المحاولة الأخيرة لإحلال السلام، من المؤكد أن كيري رجل موهوب، إلا أنه لا يستطيع تغيير طبيعة هذين القائدين. يُعتبر نتنياهو، كما أشار أوباما، قائداً سياسياً ذكياً وماهراً، لكنه يبدو عاجزاً عن فهم نظرة الفلسطينيين المعتدلين إلى جهود حكومته المتواصلة لاستعمار الضفة الغربية، التي تُشكّل جوهر الدولة الفلسطينية المستقبلية، كذلك يخرج عباس بدوره من هذه العملية وهو يبدو أقل أهمية من المعتاد.

أملت منذ فترة بعيدة أن يرى قائد فلسطيني ما ديفيد بن غوريون، مؤسس إسرائيل، كمثال يُحتذى به، فقد بنى بن غوريون جهاز دولة واقتصادها قبل أن يبني الدولة بحد ذاتها، كذلك قبِلَ بهبة دولة لم يبدُ آنذاك أنها قابلة للحياة أو أن من الممكن الدفاع عنها، لكنه نجح في النهاية في تحقيق هدفه.

يريد عباس (بخلاف رئيس الوزراء الفلسطيني المستقيل سلام فياض) أن يمنحه المجتمع الدولي دولة فلسطينية كاملة وتامة، نتيجة لذلك، سعى إلى نيل العضوية في 15 منتدى دولياً، ما يُعتبر أحد أسباب انهيار المفاوضات الوشيك، فيظن عباس واهماً أن عضوية عدد من المنتديات الدولية تعني أنه يحكم بلداً، لكن نيل الدعم المعنوي من بوليفيا وتايلند والنرويج ومالاوي لا يؤدي إلى إنشاء دولة، فإسرائيل وحدها تستطيع المساهمة في ولادة دولة فلسطينية.

يؤكد كيري أن الوقت "ما زال مبكراً" لإصدار حكم الإعدام على عملية السلام، ولكن لا تلوح في الأفق أي إمكانات لتحقيق تقدّم، بدأت هذه النسخة من عملية السلام السنة الماضية مع تعهد إدارة أوباما بالتوصل إلى صفقة سلام في غضون أشهر، ولكن عندما تبيّن أن هذا مستحيل، بدّلت الإدارة مسارها، محاولةً إقناع كلا الطرفين بتوقيع اتفاق إطار عمل يحدد المسائل التي ستتناولها المفاوضات لاحقاً، لكن هذه المناورة أخفقت أيضاً.

لاحظنا أخيراً أن الإدارة الأميركية تعمل على تعويم فكرة إطلاق سراح جوناثان بولارد، محلل استخباراتي سابق عمل في البحرية الأميركية وهو مدان بالتجسس لإسرائيل، مقابل بعض الحراك الإسرائيلي في مسيرة السلام، ولكن كما كتبتُ أخيراً، تبدو هذه الخطوة غير أكيدة عموماً ومن المستبعدة أن تؤدي إلى أي تقدّم في المفاوضات. وكما أشار أندرو إكسوم وآخرون، لمَ يقدّم وسيط في خلاف تنازلات لأحد الطرفين؟ فعلى الطرفين في هذا الخلاف تقديم التنازلات لبعضهما. ذكر أوباما أن الولايات المتحدة لا يمكن أن ترغب في تسوية سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين أكثر من هذين الطرفين نفسيهما، لكن فقاعة بولارد (التي تبددت على ما أفترض) تشير إلى أن كيري يرغب أكثر من اللازم في توصّل المفاوضات إلى تسوية.

ولكن مع بدء هذا الفصل الأخير من مسيرة السلام، استخففت قليلاً بكيري، على غرار كثيرين (مشيراً إلى رغبته المفترضة في الفوز بجائزة نوبل للسلام)، لكني نادم على ذلك اليوم، صحيح أن الكثير من الأخطاء ارتُكب، فهل يمكن لأحد لوم رجل يسعى وراء السلام؟

back to top