الحسبة والجبّة

نشر في 21-11-2013
آخر تحديث 21-11-2013 | 00:01
 بدر سلطان العيسى كنت في زيارة لتونس في السنوات الأخيرة لحكم الحبيب بورقيبة وبصحبة زوجتي "أم أيمن" لحضور مؤتمر شركات التأمين العربية، حيث كنت أمثل شركات التأمين الكويتية، وفي اليوم الذي ذهبت فيه جميع وفود الشركات العربية لمقابلة الحبيب بورقيبة في المونستير ذهبت وزوجتي إلى التسوق في سوق تونس القديم، وكان أول ما شاهدته ولفت نظري مجموعة من القفاطين التونسية الجاهزة، وقد أعجبني أحدها، وسألت البائع عن سعر الجبّة ولم يفهم عليّ ما أردت، فأشرت إلى إحدى الجبب فقال تقصد القفطان، قلت نعم... ونحن في الكويت نطلق عليه "الجبّة"، وأضفت دون قصد مني: "ما في الجبّة غير الله"، وهي كلمة كان يرددها الحلاج وهو سائر في الطرق.

ولمن لا يعرف الحلاج، فهو الحسين ابن منصور الحلاج، أشهر علماء المعتزلة، وقد تصوَّف وكان يسير في الأسواق ويردد جملته الشهيرة لمن يحييه "ما في الجبّة غير الله"، وكان يردد لمن يعترض طريقه قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله".

قد تمت محاكمة الحلاج على قوله "ما في الجبّة غير الله"، واستمرت محاكمته سبع سنوات، أما القاضي فقد ظل خلال هذه السنوات السبع يحاول أن يتصيد على الحلاج زلّة أو خطأ ينطق به، لكنه فشل في ذلك.

القاضي، الذي قام بمحاكمة الحلاج، فقيه مشبوه اسمه أبوالحسين ابن الأشناني، وكان يفتتح جلسة المحاكمة بقوله تعالى: "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفون من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم"، (سورة المائدة - 33).

وبافتتاح جلسات المحاكمة بهذه الآية الكريمة يكون القاضي قد أدان الحلاج سلفاً دون أن يستمع إلى دفاعه، وقد استمرت المحاكمة فترة سبع سنوات، حاول فيها القاضي أبوالحسين إثبات تهمة الزندقة والتعدي على الشرع، لكنه فشل في ما أراد، وفي آخر الأمر حكم على الحلاج بالإعدام وقطع الرقبة بالسيف.

و"الحسبة"، لمن لا يعرف، تجيز لمن كان أن يرفع عليك قضية بتهمة التعدي على الدين الإسلامي، ويأخذك إلى القضاء لمحاكمتك لرأي تكون أنت قد أطلقته أو أبديته، قد يكون مخالفاً لرأي ذلك الآخر أو مخالفاً لرأي المدعين بفهم الدين ومحتكري تفسير الآيات القرآنية، وحسب المفهوم الذي قد لا يستند، في واقع الأمر، إلى صحيح الدين الإسلامي. فإذا تم أخذك أو جرَّك إلى قاضٍ أشبه بالقاضي الذي حاكم الحلاج، فإنه سيحكم عليك بغرامة مالية وقد يحكم عليك بالسجن.

أما أنا... وبعد أن رويت حكاية الحلاج إلى بائع الجبّة في تونس، فقد حصلت على الجبّة بدون ثمن، وقد خسر البائع ثمنها، وهو اثنا عشر ديناراً تونسياً، وكسب معلومة قد تكون عنده أثمن من قيمة الجبّة.

back to top