الروبوتات في مواجهة الكوارث
تنافس 17 رجلاً آلياً في فلوريدا وقضت مهمّتهم بإزالة الركام واختراق الجدران وتسلق السلالم. جرى الاختبار لأجل استعمال الروبوتات خلال السيناريوهات الكارثية المستقبلية. لكن لا تزال أقدامها البشرية الشكل ضعيفة بعض الشيء، بحسب {شبيغل}.
في البداية، يكون الروبوت {أطلس} معلّقاً بصنارة وكأنه قطعة لحم هامدة وتتدلى أطرافه المعدنية الجامدة من جذع جسمه. لكن سرعان ما يعود الروبوت الذي يزن 150 كيلوغراماً إلى الحياة فجأةً. فيبدأ النظام الهيدروليكي بالأنين ويومض ضوء برتقالي على رأس الروبوت وتدور ماسحة الليزر التي تشبه علب القصدير في وجهه، ثم تنثني الركبتان ببطء فيما يضع {أطلس} بحذر قدميه المسطحتين على الأرض.لكن في هذه المرحلة يتخبّط الجهاز. يقوم {أطلس} بثلاث خطوات بحركة بطيئة إلى أن يبلغ منحدراً. وراء جدار زجاجي، يراقب الباحثون الروبوت وهو يفحص العائق بجهاز الليزر.
أخيراً، يأخذ {أطلس} مجازفة ويخطو خطوة لتسلق المنحدر ثم تليها خطوة ثانية وثالثة. لكنه يخطو الخطوة الرابعة في زاوية ملتوية على نحو خطير ويزيد الثقل على قدمه غير الثابتة ويسقط. يتم تشغيل كابل السلامة لحماية الروبوت أثناء السقوط، ثم يعود {أطلس} في النهاية ليصبح مجرد غرض جامد مُعلَّق بصنارة.هل تبدأ أي حقبة جديدة بهذا الشكل؟ هذا ما يظنه الباحثون الذين يعملون على مشروع {أطلس}.قيد الاختبارذلك الروبوت من ابتكار شركة {بوسطن دايناميكس} (Boston Dynamics) التي اشترتها شركة {غوغل} حديثاً. لا يزال قيد الاختبار ولكنه شهد انطلاقته الكبرى، حيث أثبت ما يستطيع فعله خلال مسابقة في فلوريدا. لا يمكن أن تحصل هفوات محرجة مثل زلة قدم هناك.يقول جيسي هوردوس، مدير مشروع {فريق ViGIR} (المصطلح جمع لكلمتَي {فرجينيا} وألمانيا} باللغة الإنكليزية لأن الخبراء الألمان من جامعة دارمشتات التقنية جزء من الفريق): {الأخطاء جزء من عملية التعلّم}.يقول أوسكار فور ستريك (49 عاماً): {المسابقات تُلهمنا وهي تجبرنا على معالجة مشاكل ملموسة}. حضر الخبير الألماني في مجال الروبوتات معسكراً تدريبياً في مستودع في ضواحي كريستيانبورغ في ولاية فرجينيا الأميركية.كانت كارثة محطة الطاقة النووية في فوكوشيما، اليابان، هي التي أطلقت {تحدي الروبوتات}. استاء المصممون أمام عجز الروبوتات أثناء تجولها في أنحاء مبنى المفاعل الملوث بالإشعاعات. فيما كانت تنحرف عشوائياً وسط البخار، تعطّلت الأسلاك وفقد مشغّلو الأجهزة اتصالهم مع الروبوتات.كان ما حصل مخجلاً، لذا قررت {وكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدمة} (“داربا}) التابعة للحكومة الأميركية عدم السماح بتكرار ما حدث. فجمع الخبراء لائحة من ثماني مهام يجب أن تبرع فيها الروبوتات مستقبلاً كي تتمكن من تنفيذها على أكمل وجه عند وقوع الكوارث.بدت المهام المطلوبة في تلك الظروف (مثل إغلاق الصمامات والربط بين الخراطيم والتخلص من الركام) بسيطة نسبياً، لكنها كانت مفرطة بالنسبة إلى أي روبوت تقليدي. خلال المسابقة، اتضح إلى أي حدّ نجحت أبرز فِرَق العالم في تعليم تلك القدرات للآلات التي ابتكرتها.سيارات بلا سائقتنافست الأجهزة المستنسخة من روبوت {أطلس} خلال مسابقة في حلبة بالقرب من ميامي. تساهم الفِرَق المتنافسة في إعداد برنامج لتحليل بيانات المجسات والسيطرة على ما مجموعه 28 طرفاً.اجتمعت 10 ابتكارات من مختلف الباحثين والشركات مع سبعة روبوتات من طراز {أطلس} على خط البداية. تشمل رواد فضاء آليين ورشيقين، وروبوتات بأشكال بشرية لها عضلات وعيون جاحظة، وآلات أخرى تشبه الحشرات. جذب الحدث انتباه كثيرين كما حصل في تجارب أداء الممثلين للجزء المقبل من ثلاثية Star Wars.شعرت الفرق بالقلق بسبب الجدول المزدحم. يقول ستريك: {حصلنا على رجلنا الآلي في الصيف الماضي. وكان من الصعب علينا أن نجهّزه قبل موعد التحدي}.خلال أول تحدٍ للروبوتات نظّمته وكالة {داربا} الذي حصل منذ 10 سنوات، كان التحدي يقضي بعبور حلبة مليئة بعوائق مع مركبات مؤتمتة بالكامل في صحراء موهافي. تعثّر عدد من المنافسين على خط البداية، بينما اصطدم معظم المشاركين الآخرين بالأسيجة أو السدود بعد قطع بضعة أمتار، وكانت المحركات لا تزال تهدر. لم تقترب ولو مركبة من خط النهاية.لكن لم تكن الصحراء مجرد موقع للسباق حيث يمكن أن تتجول السيارات بلا سائق. طبعت تلك التجربة بداية قصة نجاح تقنية لافتة. بعد مرور سنة، نجحت خمس مركبات في قطع مسار تفوق مسافته المئتَي كيلومتر. طور الفائز منذ ذلك الحين سيارة لصالح {غوغل} وقد سبق وقطعت أكثر من 800 ألف كلم من دون التعرض لأي حادث على الطرقات الأميركية.حقبة جديدةتأمل وكالة {داربا} هذه المرة بأن يوفر التحدي حافزاً للقطاع كله. سيكون إتمام المهام في المرحلة الراهنة {صعباً لكن غير مستحيل} بحسب تصريح مدير برنامج وكالة {داربا}، جيل برات، في مجلة IEEE Spectrum، حيث ذكر أن الحدث شكل التحدي المناسب «لإحراز تقدم في هذا القطاع». بحسب برات، مثلما أوشكت السيارات بلا سائق على دخول حقبة جديدة منذ عقد من الزمن، دخلت الروبوتات الآن حقبة معاصرة حيث ستتولى الآلات عدداً جديداً من المهام.حتى الآن، كانت الروبوتات تُستعمل في المقام الأول ضمن قطاعها، حيث تؤدي أجهزة ضخمة وبشعة وقوية ومكلفة مهمات عالية التخصص. تفصل الحواجز بين الآلات والبشر. لا تتشارك شيئاً مع الآلات الذكية البشرية الشكل كتلك التي تظهر في أفلام هوليوود.لكن بدأ يظهر الآن نوع جديد من الروبوتات في مختبرات البحث والتطوير. ستكون هذه الآلات أصغر حجماً وأخف وزناً وأكثر مرونة وستكون مصمَّمة كي تصبح شريكة حقيقية للبشر في المصانع. تجفل عند لمسها وتجعل أطرافها مرنة وغير محصورة. أسس الباحثون في دارمشتات شركة اسمها Bionic Robotics بهدف إنتاج روبوتات رخيصة لاستعمالها في عمليات التصنيع. لكن سبق واتخذت الشركة الأميركية المنافِسة، Rethink Robotics، خطوة إضافية. تعلّم الروبوت {باكستر} الذي ابتكرته تشغيل آلة صنع القهوة.تشبه الروبوتات التي يتم تطويرها اليوم مبتكريها إلى حد كبير، علماً أنهم لم يستوحوا اختراعاتهم من أفلام الخيال العلمي بل استندوا إلى اعتبارات عملية. لطالما فكر المصممون باحتمال استعمال الروبوتات في البيوت وتقديم خدمات التمريض في المنازل.وكلما أصبحت الآلات جزءاً من حياتنا اليومية، تزداد منافع شكلها البشري. الأزرار ومقابض الأبواب والأدوات مصمَّمة كي يستعملها البشر، ما يعني أن الآلة المُعدّة لاستعمال هذه الأغراض يجب أن تشبه البشر قدر الإمكان.السير مثل البشرلا يزال {أطلس} يتحرك ببطء شديد لأن جسمه يتبع توازناً ثابتاً. هذه المقاربة تسهّل السيطرة على حركة الروبوت، لكنّها تستنزف الوقت أيضاً.الشخص البشري يمشي بطريقة مختلفة. يسمح لجسمه بأن ينحني إلى الأمام ويلقي بثقله دوماً خلال الخطوة التالية. يعمل المهندسون في دارمشتات على تعليم «أطلس» هذا الشكل من التحرك.تبدو المهمة التالية جيدة نسبياً، إذ يعدّل الروبوت ذراعه مع إصدار صوت طنين ويدير معصمه إلى أن يبلغ الزاوية الصحيحة. ثم يمسك أخيراً بآلة حفر بيده. يوضح زميل ستريك، ستيفان كولبريشر (33 عاماً): {هذه العملية ليست سهلة بقدر ما تبدو عليه. لا تستطيع الآلة أن تتمايل أثناء الحفر. كذلك، يجب أن تتمكن أصابع الروبوت من الضغط على الزر بشكل صحيح}.يشمل اختبار آخر، وهو الأكثر إثارة بين الاختبارات، تحديات إضافية. في هذا الاختبار، يُفترض أن يركب {أطلس} في سيارة {باغي} ويقوم بمناورات بالمركبة لتجاوز مسار مليء بالحواجز. خلال تجربة المحاكاة، يتضح أن الروبوت قد ينزلق على المقاعد البلاستيكية الناعمة. لمقاومة هذه الحركة، يجب أن يتمسك {أطلس} بهيكل السيارة المعدني أثناء قيادتها.عين على المنافسةللتذكير بالأخطاء، يتم تشغيل فيديو من دون توقف في المعسكر التدريبي. يرصد الروبوت فيما يحاول الإمساك بآلة الحفر ويقفز في الهواء ثم يسقط. وقع الحادث لأن المبرمجين لم يضبطوا أحد المعايير كما يجب، ما جعل الآلة تظن أنها تمسك بوزن ثقيل جداً في يدها، فحاولت بعد ذلك استعادة التوازن عبر تلك القفزة اليائسة.يراقب المهندسون في دارمشتات نجاحات منافسيهم بقلق. سبق وأثبتت شركة «شافت» اليابانية أن آلتها الحمراء تستطيع أن تتجاوز جميع الاختبارات بنجاح. ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن «غوغل» اشترت أيضاً الشركة اليابانية المبتدئة كجزء من خطة أوسع لتعزيز انخراطها في عالم الروبوتات. لكن أعتبر فريق «أطلس» من فلوريدا وآلة «فالكيري» التابعة لوكالة «ناسا» (وهي تشبه تلك الآلات التي تظهر في الأفلام) من المرشحين الأوفر حظاً أيضاً. وفي النهاية، سجل روبوت «شافت» 27 نقطة وفاز بالمركز الأول، متغلباً على عوائق كثيرة.استقلالية مشتركةتخلى باحثون كثيرون عن فكرة الروبوتات المستقلة بالكامل. يركزون الآن على مفهوم {الاستقلالية المشتركة} التي تعني أن الروبوت يجب أن يطلب المساعدة إذا وجد صعوبة في إتمام مهمة معينة. يتوقع ستريك تطوير مراكز اتصال للروبوتات مستقبلاً، حيث يساعد فريق الدعم التقني البشري جيشاً من الخدم الآليين على التكيف مع أفخاخ الحياة اليومية. يُسمح للباحثين بالتواصل مع آلاتهم خلال التحدي في فلوريدا. لكن سيبقى تبادل البيانات محدوداً وغير مكتمل، وهذا الوضع وارد خلال الكوارث الحقيقية طبعاً.في حالات كثيرة، لا تستفيد الآلات البشرية الشكل من مساعدة البشر. خلال تدريب للروبوتات في كريستيانبورغ، كان {أطلس} لا يزال أخرقاً نسبياً وراح يلوّح بذراعيه من دون سبب وتردد حين وضع قدماً أمام الأخرى أثناء المشي. تبين أن كل حركة يحاول المهندسون تعليمها للروبوت {أطلس} تكون معقدة، وحتى أبسط الحركات البشرية.تقضي إحدى المهام في {تحدي فلوريدا} بقطع مسافة غير مستوية. بالنسبة إلى روبوت بساقين، يشكّل كل اصطدام أو تشقق أو عتبة تحدياً صعباً. يفحص الروبوت بلا كلل السطح بكاميراته وماسحات الليزر لاحتساب المكان الذي يجب أن يضع فيه قدمه. لكن حتى بعد القيام بذلك، لا يعرف ما إذا كان السطح مطاطياً أو رملياً أو ناعماً.تجنب الأعطالخلال الاختبار الميداني، اكتشف الباحثون أن الروبوت، بذيله الهيدروليكي الضخم، لا يتّسع وراء المقود. يجب عليه الآن أن يجلس في مقعد الركاب وأن يمسك بالمقود ويضغط على دواسة الوقود أثناء تحريك ساقه حول ذراع نقل السرعة.يقول كولبريشر: {أحياناً تنشأ المشاكل بسبب أشياء تافهة}. على سبيل المثال، كان السلم الذي يجب أن يتسلقه {أطلس} ملتوياً بزاوية حادة لا تسمح للروبوت بالإمساك بالدرجات من دون الانحناء إلى الأمام. لمعالجة هذه المشكلة، حصل المصمّمون على إذن من وكالة {داربا} لمنح {أطلس} يداً بديلة. بدل استعمال الأصابع الموجهة بحذر، سيتكل الروبوت على صنارة بسيطة.رغم تعدد الأعطال، يشعر الخبراء في دارمشتات بالتفاؤل نظراً إلى خبرتهم في التعامل مع التحديات التي تظهر خلال عمليات تشغيل الروبوتات يومياً. كذلك يقدمون أفضل أدائهم دوماً في المسابقات.يتوقع كولبريشر ما سيحصل قائلاً: {ستواجه فرق كثيرة المشاكل أثناء ضبط معداتها في الموقع. وهكذا لن يبقى لها وقت طويل لتجهيز كل شيء والانطلاق}.