«إكسير الشباب» و«التيراهرتز» والدم الصناعي اختراقات طبية مستقبلية!

نشر في 08-04-2014
آخر تحديث 08-04-2014 | 00:02
عشرة مجالات تداعب خيال العلماء لـ«عالم بلا أمراض»

يعتبر مجال الطب والعلوم الطبية بوجه عام من أكثر المجالات تطورا، فكل يوم تطالعنا عشرات المنجزات الطبية سواء على المستويات الجراحية أو الدوائية، وليس هذا فحسب، فحتى يومنا هذا ما زال المتخصصون يكشفون المزيد والمزيد من الأمراض ومتلازمات الأعراض، لعل من أبرزها مؤخرا أنفلونزا الطيور والخنازير، الأمر الذي سيظل يشكل دافعا قويا للسعي الحثيث وراء إيجاد علاج ووقاية من هذه الأمراض الخطيرة.
ويمكن لمن يريد أن يقرأ شكل المستقبل على الصعيد الطبي أن يرى بعض النجاحات الطبية التي تنبئ بأن المستقبل قد يحمل تطورات مبهرة في مجال الخدمة الصحية، وإن كان العلماء لا يزالون بحاجة إلى دراسة عميقة لهذه النجاحات بهدف استيعاب أبعادها ومدى قدرتها على علاج كثير من الأمراض المزمنة والمشكلات الطبية المستعصية الأخرى، وفيما يلي نسلط الضوء على هذه المشكلات:
 د. ساجد العبدلي أولا- الخلايا الجذعية:

تعتمد فكرة الخلايا الجذعية على استخدام خلايا غير متخصصة، وتحويلها إلى خلايا متخصصة «كخلايا الكبد، أو الرئة أو حتى الطحال»، وذلك باستخدام قدرتها الفريدة على الانقسام الميوزي والميتوزي، ويعقد العلماء على الخلايا الجذعية آمالا كبيرة في علاج الكثير من الأمراض المزمنة والخطيرة.

ويبدأ تكوين الخلايا الجذعية بتكون الزيوت «اللاقحة» وهو نتاج إخصاب حيوان منوي سليم لبويضة ناضجة، لتتكون البويضة المخصبة لاحقا من خلية واحدة قادرة على التشكل لأي نوع معين من الخلايا المتخصصة لأي نسيج من أنسجة الجسد المختلفة، حيث تبدأ تلك الخلية بالانقسام إلى عدد من الخلايا التي لها القدرة الكاملة على التخصص أيضا، والتي تقوم بدورها بالانقسام المتكرر لتتكون الخلايا المتخصصة، كالخلايا التي تشكل مكونات الدم، أو الأخرى التي تتميز إلى أنسجة عضلية وهكذا.

ويمكن الحصول على الخلايا الجذعية من مصادر متعددة لعل أهمها: الأجنة المجهضة، والحبل السري أو المشيمة أو السائل الأمنيوسي لجنين حي، كما يمكن الحصول عليها من النخاع الشوكي للأطفال والبالغين.

وتتكون الخلايا الجذعية من نوعين هما:

• الخلايا الجذعية الجنينية: وهي التي تتكون في مراحل الأولى من نمو الجنين البشرى، وهي التي تتميز بالقدرة على التطور والتشكل إلى سائر أعضاء الجسم المختلفة وأنسجته.

• الخلايا الجذعية البالغة: وهي التي توجد في النخاع الشوكي للأطفال والبالغين، والتي تمتلك القدرة على تعويض الجسم بما يفقده من خلايا متخصصة.

ويمثل التحدي المستقبلي بخصوص هذا الشأن في إيجاد طريقة لإنجاح «التمايز العكسي»، أي إعادة خلايا الدم المتخصصة إلى أصلها وهو الخلايا الجذعية غير المتخصصة، والتي يمكن لاحقا استخدامها لتشكيل خلايا أولية لأعضاء الجسم المختلفة، ثم حث هذه الخلايا على الانقسام ليتكون في النهاية عضو كامل سليم.

وعلى الرغم من أن نتائج الكثير من التطبيقات العلاجية الحالية للخلايا الجذعية مشجعة فإنها ما زالت في طور التجربة وتظل بحاجة إلى سنوات كثيرة قبل أن تنتقل إلى مرحلة التطبيق الفعلي، وذلك لأن التجارب أظهرت حصول انتكاسات صحية لبعض حيوانات التجارب على المدى الطويل في كثير من هذه التقنيات العلاجية، ولذلك لا بد من التأكد بأن شيئا مشابها لن يصيب الإنسان.

ثانيا: النانو تكنولوجي

تعتمد تقنية النانو تكنولوجي أو تقنية الصغائر على استخدام وسائل وتقنيات طبية جديدة لا متناهية في الصغر تقاس بالنانومتر، أي جزء من مليون من الملليمتر، حيث تهدف هذه التقنية إلى إعادة ترتيب الذرات التي تتكون منها المواد، وبالتالي تغيير طبيعتها وماهية استخدامها.

ويتم استخدام النانو تكنولوجي عن طريق توصيل جرعات الأدوية أو الإشعاع أو الحرارة أو أي مواد أخرى إلى خلايا معينة مستهدفة دون المساس بالخلايا الأخرى السليمة. كما هي الحال في علاج الأورام السرطانية، حيث يمكن تسليط الإشعاع على الخلايا المسرطنة، وحماية الخلايا المجاورة السليمة من الآثار السلبية لهذا الإشعاع.

وتهدف الرؤية المستقبلية للنانو تكنولوجي في صنع روبوتات إلكترونية في حجم الذرة يمكنها الإبحار داخل جسم الإنسان لتصوير أجزاء معينة منه، أو لإجراء عملية جراحية دون عمل شق جراحي، أو الدخول بهدف علاج جلطة دموية في مكان ما بداخل الجسم أو علاج نسيج معتل أو ما شابه. كما يأمل العلماء استخدام هذه التقنية في توصيل العلاج الكيماوي للخلايا المسرطنة فقط لا غير، مع حماية الخلايا السليمة من آثار العلاج الكيماوي السلبية. وكذلك يأمل العلماء استخدام تلك التقنية لصنع ما يشبه الغراء العضوي، والذي يستطيع علاج كسور العظام خلال دقائق، ليصبح مكان الكسر سليما معافى كأن شيئا لم يكن وذلك في غضون دقائق معدودة.

ثالثاً: الطابعة البيولوجية

اكتشف بعض الباحثين طريقة جديدة تعتمد على رسم صورة لعضو ما ثم طباعتها باستخدام طابعة بيولوجية ثلاثية الأبعاد، ثم إعادة بناء هذا الرسم ثلاثي الأبعاد وترميمه بأنسجة حية، وتحفيزه في بيئة مناسبة، وزرعه من جديد في الجسم. وتعد هذه التقنية الجديدة من بين مجالات البحوث الطبية الواعدة ببزوغ عصر جديد في مجال الخدمة الصحية، وبالأخص في مجال صناعة الأعضاء البشرية في المختبرات، الأمر الذي من شأنه أن يقلل من وقت الانتظار الطويل لدى المرضى المحتاجين إلى زراعة أعضاء بشرية، كالقلب والكلية والكبد والبنكرياس.

وفي السنوات القليلة الماضية استطاع الباحثون تصنيع مثانة ومجرى بول وقصبة هوائية تم زرعها في أجساد مرضى خلال تجارب سريرية، لكن ظل التحدي الأكبر هنا هو مدى استجابة الجسم لهذه الأعضاء وتقبلها دون قيام الجهاز المناعي بطردها، لذلك تهدف الرؤية المستقبلية لهذه التكنولوجيا إلى تطويع بيولوجية الخلية لتصبح أكثر قدرة على الاندماج في الجسم وللتقليل من احتمالات رفض الجسم لها.

رابعا: بصمات الأصابع

تتكون بصمات الأصابع وتتحدد معالمها والشخص لا يزال جنينا في بطن أمه، وتحديدا في الشهر الثالث من الحمل، ولا يمكن أن تتبدل وتتغير بمجرد تكونها، كما أن لكل شخص بل لكل إصبع بصمة خاصة لا يمكن أن تتشابه حتى في حالات التوائم المتماثلة، لذا فقد استخدمت منذ قديم الأزل في الكشف عن مرتكبي الجرائم، لكن الجديد في هذا الشأن يتمثل باتجاه العلماء لدراسة تلك البصمات لكشف نمط شخصية صاحبها، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك وقاموا بدراسات ليتمكنوا من خلالها في تحديد علامات بعض الأمراض الخطيرة بصورة مبكرة، مما يفسح لهم المجال بالقضاء على هذه الأمراض قبل انتشارها واستحالة علاجها. حيث قاموا بقياس ردود الفعل الكهروكيميائية الدقيقة، والتي تنتج عن ملامسة الأصابع لمواد كيميائية وهرمونية تشبه تلك التي يفرزها الجهاز المناعي بمجرد شعوره بوجود جسم غريب مسبب لمرض ما من تلك الأمراض الخطيرة.

وتهدف الرؤية المستقبلية لهذه التكنولوجيا إلى التنبؤ بالأمراض الخطيرة كالأورام السرطانية قبل حتى حدوث الإصابة، وذلك باستخدام بصمات الأصابع، وتعريضها لمواد تشبه هرمونات المناعة، لاختبار ردود أفعالها، وبناء عليه يتم تحديد عما إذا كان هذا الشخص عرضة للإصابة بالأورام السرطانية أم لا، وطبعا لا بد من عمل خريطة جينية بهدف فلترة النتائج، للوصول إلى أدق الاحتمالات الممكنة.

خامساً: الدماء الصناعية

تشير الإحصاءات الطبية العالمية إلى أن عدد الأشخاص الذين يتبرعون بالدماء في تناقص تدريجي، وفى نفس الوقت فإن الحاجة إلى الدماء في ازدياد مطرد، لدرجة أن كثير من العمليات الجراحية يتم تأجيلها بسبب نقص كميات الدماء المتاحة، ناهيك عن الكثير من مصابي الحوادث الذين يفقدون حياتهم بصورة يومية في أقسام الطوارئ بالمستشفيات نتيجة لعدم توافر كميات من الدماء تكفي لإسعافهم وإنقاذ حياتهم.

ونتيجة لهذه المشكلة الخطيرة فقد عكف العلماء على إيجاد الحلول، فظهرت عملية نقل الدم الذاتية المعروفة باسم «التبرع الذاتي»، وتعتمد تلك التقنية على معالجة المريض بهرمون يحفز على إنتاج العناصر الدموية وخلايا الدم الحمراء قبل إجراء العملية الجراحية بأسابيع، ثم جمع هذه العناصر لاحقا، ليقوم المريض باستخدامها إن اقتضت الحاجة أثناء إجراء العملية الجراحية.

لكن عيب هذه التقنية أنها تحتاج إلى أسابيع وربما أشهر، مما يجعلها غير مناسبة في الحالات الطارئة والتي لا تحتمل الانتظار، وتهدف الرؤية المستقبلية لهذه التقنية إلى إيجاد محفزات يمكنها إنتاج العناصر الدموية المطلوبة خلال دقائق على أقصى تقدير.

وبينما ينهمك العلماء في محاولة تطوير تقنية التبرع الذاتي، اتجه علماء الجينات والوراثة إلى تقنيات الهندسة الوراثية لإنتاج الدم الصناعي من خلال تعديل جينات بعض الحيوانات المشابهة للمحتوى الوراثي للإنسان، فقاموا من خلال تكنولوجيا الاستنساخ والتعديل الوراثي بإنتاج عناصر دموية من الخنازير والأبقار والنعاج، وظهرت الاعتراضات الكثيرة على هذه التقنية بدعوى أن هذه الطريقة محفوفة بالمخاطر نتيجة لاحتمالية انتقال الفيروسات الحيوانية إلى الإنسان، لذا فقد قام العلماء باستخدام الخلايا الجذعية غير المتخصصة في إنتاج الدماء، لكن تلك التقنية لا يزال الكثير من الغموض والمعوقات التي يحاول العلماء التغلب عليها يشوبها.

وفي اتجاه آخر في نفس السياق قام العلماء بمحاولة استكشاف محتوى بروتيني مشابه لما هو موجود في الدماء البشرية من النباتات، وقد تكللت جهودهم بالنجاح إلى حد كبير من الناحية النظرية، فقد وجدوا بغيتهم في أحد أنواع نبات البرسيم، حيث إن محتواه البروتيني مشابه للمحتوى البشري بنسبة تقارب ثمانين في المئة. وتهدف الرؤية المستقبلية لهذه التقنية إلى إيجاد مكونات تعويضية يمكن إضافتها للحصول على محتوى بروتيني من نبات البرسيم مكافئ للمحتوى البشرى بنسبة مئة في المئة.

سادساً: الراباميسين

اكتشفت مادة «الراباميسين» لأول مرة في تربة جزيرة نائية في أقصى جنوب المحيط الهادي، واستخدمت تلك المادة في تثبيط الجهاز المناعي في حالات الأمراض المناعية علاوة على مرحلة ما بعد زراعة الأعضاء للوقاية من رفض الجسم للعضو المزروع حديثا.

لكن جاءت الدراسات الحديثة لتضع ذلك العقار بمثابة إكسير الشباب، فبعد اختبارات معملية شديدة التعقيد على فئران التجارب، اكتشف العلماء أن مادة الراباميسين تحفز الجسم على إطلاق بروتين معين، ينطلق في الجسم بصورة عادية في حالة الجوع الشديد، حيث تقوم هذه الآلية بإعطاء الأوامر إلى خلايا الجسم بالتوقف عن تبديد الموارد المتاحة في صنع خلايا الجسم، وأن تركز كامل طاقتها على إبقاء الخلايا الموجودة حية، والعمل على إطالة عمرها.

قديما اعتبر العلماء أن عملية الشيخوخة عملية معقدة يصعب التحكم فيها أو حتى إبطاؤها، لكن أتت تلك المادة السحرية لتنسف هذا المعتقد الذي صمد لقرون، إلا أن الموضوع لا يزال بتلك البساطة، فالراباميسين ليس كله إيجابيات، حيث يحتوي على سلبيات خطيرة أهمها أنه يقمع ويضعف من مستوى أداء وكفاءة الجهاز المناعي، كما أنه لم يثبت بعد الآثار السلبية المحتملة لو تم إعطاء العقار في مرحلة سنية أبكر من الشيخوخة.

تهدف الرؤية المستقبلية لهذا العقار في فصل ميكانيكية التثبيط المناعي للعقار عن ميكانيكية مكافحة الشيخوخة، ليتم إعطاء العقار في صورة كيميائية تهدف إلى إطالة عمر الخلايا دون المساس بالجهاز المناعي.

سابعاً: مسارات الألم

الألم معاناة، لا تفرق بين كبير أو صغير، وتهدف العلوم الطبية بشكل عام إلى منح كل إنسان حياة خالية من المرض أو الألم؛ لذا فقد ظهرت مسكنات الألم كخطوة أولية، لكن مع انتشار حالات الأورام السرطانية بمستوياتها المتعددة وقفت تلك المسكنات عاجزة عن تخفيف آلام هذا النوع من المرضى.

ونتيجة لذلك ظهرت تقنيات أحدث تهدف إلى القضاء على الألم، فقام العلماء بابتكار تقنية التعامل المباشر مع العصب سواء بالكي أو التبريد، لكن تلك التقنية لاقت بعض الاعتراضات نتيجة لتعرض نسبة كبيرة من هذه الأعصاب للتلف أو التدمير، مما استدعى البحث عن حلول جديدة وجذرية في مسألة القضاء على الألم.

قام فريق من العلماء نتيجة لذلك باستخدام التردد الحراري في بعض الآلام المزمنة مثل آلام العصب الخامس، مع عمل جرح تنقيطي للعصب بغية تعطيل مسار الألم، لكنهم وجدوا أن تلك التقنية ذات تأثير مؤقت قد يمتد إلى عامين على أقصى تقدير، ليعود الشعور بالألم مرة أخرى، كما أنها لم تثبت كفاءة تامة في التغلب على مستويات الألم المرتفعة كما هي الحال في مرضى الأورام السرطانية.

تهدف الرؤية المستقبلية إلى الوصول إلى تقنية توليد مجال مغناطيسي في المكان المصاب لعمل حاجز كيميائي مكان العصب الذي يحمل الألم دون المساس بالوظائف الحركية والحسية لهذا العصب، لتصبح هذه التقنية علاجية وليست تدميرية. كما يجرى بعض العلماء أبحاثا تهدف إلى زرع أجهزة خاصة تشبه القسطرة في مواضع معينة في الحبل الشوكي، وذلك كي تقوم بإحداث مجال كهربي على الحبل الشوكي فيما يشبه الحث الكهربي، لغلق وتعطيل مسارات إشارات الألم إلى المخ، وبالتالي لا يشعر المريض بأي نوع من أنواع الألم.

ثامناً: الكبسولة الاستكشافية

أكثر الأعراض المرضية شيوعا هي آلام البطن بمختلف أشكالها، وأكثر العقاقير انتشارا واستهلاكا في العالم هي عقاقير البطن وأدوية سوء الهضم وخلافه، وعلى الرغم من التطور العلمي الهائل فإن مهمة تشخيص أوجاع البطن قد تصعب على الكثيرين من حيث المبدأ، فكثيراً ما لا تشير منطقة الألم إلى مكان العلة، كما أن الشكوى قد تكون بفعل منشأ باثيولوجي أو أكثر، وبالتالي يتوجب على الطبيب دائما البحث عن أكثر من سبب لشكوى وحيدة، وهو ما قد يغفل عنه البعض، ليستمر المريض في معاناته ومرضه.

ومن المعلوم أن الجهاز الهضمي في الغالب ليس سوى أنبوب طويل يبدأ من الفم وينتهى بفتحة الشرج، يتغير ويتحور حسب وظيفته، فالفم تجويف به اللسان ليتذوق الطعام ويساعد على البلع، كما أنه يحوي الأسنان والضروس بهدف تقطيع الطعام وطحنه، ليأتي من بعد الفم البلعوم، وهي القناة المشتركة بين الجهاز الهضمي والتنفسي، ليأتي بعد ذلك المريء، وهو عبارة عن أنبوب عضلي طويل ليكون بمثابة ممر يمر به الطعام ليعبر فتحة الفؤاد، وهي الصمام الواقي الذي يمنع رجوع الطعام من المعدة إلى المريء مرة أخرى، ثم يلي ذلك المعدة، ويمكث فيها الأكل حوالي 4 ساعات، حيث عملية الهضم الاساسية، ثم الإثني عشر، مرورا بالأمعاء الدقيقة، ثم الغليظة انتهاء بفتحة الشرج.

ويعتبر المنظار الجراحي أحدث ما توصل إليه الطب في هذا الشأن، حيث توفر تلك التقنية عناء الجراحة التقليدية بمشكلاتها وتعقيداتها سواء على المريض أو الطبيب المعالج، وخصوصا أنها لا تستلزم الشق الجراحي المعتاد، بل مجرد فتحتين في الغالب وثلاث في حالات نادرة، لا تتخطى الواحدة منها 1 سم، والتي يمكن إخفاء آثارها لاحقا ببعض الغرز الجراحية التجميلية.

يعكف العلماء حاليا على تطوير ما أسموه بـ»الكبسولة الاستكشافية»، وهي عبارة عن كبسولة طبية يبتلعها المريض، لتكشف للطبيب كل ما بداخل الجهاز الهضمي، عن طريق إرسال صور حية دقيقة، مما يسهل للطبيب معرفة طبيعة المشكلة وحجمها، وبالتالي التوصل للعلاج اللازم بكل سهولة.

وتهدف الرؤية المستقبلية لهذه التقنية إلى ابتكار كبسولة استكشافية قادرة على التقاط صور حية علاوة على صور مقطعية داخلية، على أن تكون تلك الكبسولة مصنوعة من مواد عضوية طبيعية، حتى لا تسبب أي تقرحات أو متحسسات بالقناة الهضمية، والتي يعانيها أغلب مرضى الجهاز الهضمي بصفة عامة.

تاسعاً: ترددات التيراهرتز

ظلت ترددات التيراهرتز حتى وقت قصير أمرا غامضا في مجال الكهرومغناطيسيات، مما دفع الكثير من العلماء إلى التعمق فيها أملا في فهم خواصها، وتطويعها في مجالات قد تفيد الإنسان، وتحسن من مستوى ورفاهية حياته.

وبعد طول دراسة أكد العلماء أن الترددات التيراهرتزية تشبه إلى حد كبير الأشعة السينية «أشعة إكس» التي تستخدم في تصوير العظام، لكن الفارق أن تلك الترددات تخلو من أي مشكلات صحية كما هي الحال في الأشعة السينية، علاوة على دقتها المتناهية في رصد الصور الملتقطة وتحليلها.

كل تلك المعطيات شجعت العلماء على التعمق أكثر سعيا إلى إيجاد مكتشفات طبية أخرى، ولاسيما في مجال الأمراض المستعصية، وقد توصل الباحثون إلى قدرة الأشعة التيراهرتزية على كشف الأورام السرطانية الجلدية، وذلك نتيجة لكثرة السوائل داخل النسيج السرطاني، فإذا ما تعرضت تلك الأورام السرطانية لحزمة من الأشعة التيراهرتزية، فإنها تظهر أغمق لونا، لكن صادفتهم بعض المعوقات، حيث وجدوا أن سوائل الجسم الطبيعية تتصرف كدرع واق، مما يؤدي إلى إعاقة تلك الترددات من النفاذ إلى داخل أنسجة الجسم بحثا عن أي أورام داخلية. أي أن تلك الترددات يمكنها رصد سرطانات الجلد المختلفة بصورة مبكرة، في حين أن تلك الترددات لا تزال عاجزة عن رصد أي نوع آخر بسبب سوائل الجسم التي تعمل كدروع واقية تمنعها من النفاذية.

تهدف الرؤية المستقبلية لهذه التقنية إلى تطوير تلك الترددات وتطويع خواصها الكهرومغناطيسية للكشف المبكر عن جميع أنواع الأورام السرطانية، مما يعطى مجالا للقضاء عليها قبل انتشارها في أنسجة الجسم المختلفة.

عاشراً: الشرائح الحسية

على الرغم من التطور العلمي الرهيب فإن المخ وتشريحه وماهية فسيولوجيته لا تزال أمرا يقف العلماء حائرين أمامه، ولا تزال الأبحاث العلمية مستمرة بهدف كشف أسراره وخباياه. لكن تظل مسألة الشلل الدماغي الرباعي الناتج من تعرض المخ لصدمة مباشرة أمرا يمثل المأساة، فحقيقة أن يفقد المرء القدرة على تحريك أطرافه الأربعة مع توقف الوظائف الحسية والحيوية لهو أمر غاية في الصعوبة. ومن هذا المنطلق فقد تشكلت لدى العلماء الرغبة المحمومة في التعرف على مناطق الخلل في المسار العصبي لمثل هذه الحالات، سعيا إلى إعادة القدرات الحركية والحسية لمصابي الشلل الرباعي.

وبعد طول دراسات أكد العلماء أن هذه المسارات العصبية تفقد قدرتها الوظيفية نتيجة خلل في السيال العصبي الكهربي الذي يستحث الخلايا العضلية الطرفية للقيام بوظائفها المعتادة. وهنا قام العلماء بتطبيق بعض التيارات الكهربية المحدودة المقاربة في الشدة للسيال العصبي البشري، مما استحث الخلايا العضلية لتقوم ببعض الحركات العشوائية. لكن ظلت عشوائية الحركات أمرا سلبيا، علاوة على أن التيار الكهربي المتولد قد يسبب في بعض الأحيان تلفا للألياف العصبية، مما استدعى العلماء إلى إجراء المزيد من التجارب بهدف تطوير مضخات التيار المحدود، وإضافة منظم لتثبيت شدة التيار الكهربي المولد للسيال العصبي كي لا تتضرر الألياف العصبية على المدى البعيد للاستخدام.

تهدف الرؤية المستقبلية لهذه التقنية إلى إنتاج شرائح إلكترونية ذات دوائر كهربية ومستشعرات حسية دقيقة، ليتم زرعها بالمخ في حالات الشلل الرباعي.

وختاما، تظل هذه التقنيات الواعدة مبعث أمل يعول عليه العلماء الكثير في علاج الأمراض المزمنة والصعبة ولا سيما الإيدز والأورام السرطانية وفيروس الكبد الوبائي، وليظل حلم «مستقبل دون أمراض» يداعب خيالهم.

back to top