هل يستطيع أوباما تجنب التوقعات بتراجع النفوذ الأميركي؟

نشر في 06-11-2013
آخر تحديث 06-11-2013 | 00:01
يجب أن نعرف ما إذا كانت أحداث الشهرين الأخيرين التي أحرجت إدارة أوباما هي مجرد جروح سطحية يمكن مداواتها بسهولة أو مؤشرات على حدوث ضرر دائم في الدور الأميركي القيادي للمجتمع الدولي.
 ناشيونال إنترست الانقلاب المفاجئ في الموقف من سورية، والإهانة العالمية الناجمة عن إغلاق خدمات الحكومة الأميركية، والتداعيات المستمرة نتيجة الكشف عن نشاطات وكالة الأمن القومي، والتصريحات القوية الصادرة من الرياض عن إقدام المملكة العربية السعودية على إعادة تقييم علاقتها بالولايات المتحدة... هذه العوامل كلها رسخت الخطاب الذي يعتبر أن الولايات المتحدة بدأت تفقد قدرتها على رسم الأجندة العالمية. بسبب انتشار الفكرة التي تؤكد تراجع قوة الرئيس باراك أوباما، عمدت مجلة "فوربس" إلى تخفيض مكانته إلى المرتبة الثانية على لائحة أقوى رجال العالم، مقابل تفوق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وحلوله في المرتبة الأولى، وقد حل الرئيس الصيني شي جين بينغ في المرتبة الثالثة بعده، لكن يجب أن نعرف ما إذا كانت أحداث الشهرين الأخيرين التي أحرجت إدارة أوباما هي مجرد جروح سطحية يمكن مداواتها بسهولة أو مؤشرات على حدوث ضرر دائم في الدور الأميركي القيادي للمجتمع الدولي.

يتعلق أحد أبرز المؤشرات الفورية بمعرفة ما إذا كانت زيارة الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف ستُعاد جدولتها أو ستُلغى نهائياً بعد تعليقها غداة الكشف عن عمليات التجسس (وما إذا كان عرض شركة "بوينغ" ببيع طائراتها المقاتلة إلى سلاح الجو البرازيلي أصبح مستبعداً بشكل دائم، علماً أن هذه الخطوة اعتُبرت قبل بضعة أشهر مؤشراً على تقارب الروابط الأمنية بين الولايات المتحدة والبرازيل). يتعلق مؤشر مهم آخر بمدى استعداد ألمانيا أو فرنسا أو إسبانيا لقطع تعاونها الاستخباري علناً مع الولايات المتحدة. في هذا الملف، ذكر زميلي جون شيندلر أن وسائل الإعلام على جانبَي الأطلسي أمعنتا في نشر الفضائح، لكن "يتجه رؤساء أجهزة الاستخبارات الألمانية الآن إلى واشنطن... لعقد اجتماعات مع البيت الأبيض ووكالة الأمن القومي بهدف تخفيف وطأة الفضيحة". لكن موقف البرازيل يبدو أقل إيجابية: أصبح عرض "بوينغ" "معلقاً" الآن، ولم يتم تحديد أي تاريخ جديد لمقابلة روسيف وأوباما.

يتعلق الاختبار المقبل الذي ستواجهه إدارة أوباما بقدرتها على عقد اتفاق أمني ثنائي مع أفغانستان من شأنه أن يوفر مكانة قانونية للقوات الأميركية كي تبقى في ذلك البلد بعد عام 2014. يرتبط الطلب الأميركي الأساسي بمنح طاقم الجيش الأميركي الحصانة من أحكام القانون الأفغاني، فضلاً عن خضوعه للمحاكمة في الولايات المتحدة إذا أُدين بجريمة معينة (يواجه هذا الطلب حتى الآن رفضاً من الجانب الأفغاني). بما أن مسألة مماثلة أحبطت الخطط الأميركية بإبقاء قوة ثانوية في العراق بعد عام 2011، يسهل التشكيك بقدرة فريق أوباما على إقناع الرئيس الأفغاني حامد كرزاي بقبول الصفقة. حددت الولايات المتحدة في البداية تاريخ 31 أكتوبر كمهلة نهائية لعقد الاتفاق، لكن سرعان ما تخلت عن ذلك التاريخ من دون تحديد مهلة جديدة.

عدا العناوين الرئيسة الفورية عن تأجيل الزيارات وإلغاء التنسيق الثنائي، تبرز مؤشرات عدة على المدى الطويل لقياس ما إذا كانت أحداث عام 2013 قد سببت تراجعاً ثابتاً في النفوذ الأميركي حول العالم.

يتعلق المؤشر الأول بقدرة الولايات المتحدة على تحديد أجندة لعمل حلف الأطلسي (الناتو) بعد الانسحاب من أفغانستان. لم يكن اجتماع وزراء الدفاع الأخير في بروكسل واعداً جداً. بعد انتهاء المهمة في أفغانستان، ماذا ستكون الخطوة المقبلة؟ أشار ريتشارد ويتز في وقت سابق من الأسبوع إلى وجود عنصرين استراتيجيين يمكن أن يعززا أهمية حلف الأطلسي خلال القرن الحادي والعشرين (الأمن الإلكتروني والدفاع الصاروخي) ولكنهما ليسا محط نقاش جدي. ونظراً إلى خيبة الأمل التي طبعت تجربة أفغانستان وأنهت الرؤية الأميركية بنشوء "حلف أطلسي عالمي" يستطيع تنفيذ مهام استطلاعية في أي جزء من العالم، يبقى أن نعرف ما إذا كانت الولايات المتحدة تستطيع على الأقل إعادة تحديد معنى حلف الأطلسي وتوسيعه كي يشمل القطب الشمالي وجنوب الأطلسي. ستكون قمة حلف الأطلسي بين رؤساء الدول في عام 2014 اختباراً للقدرة الأميركية على إعادة رسم العلاقة الأمنية عبر الأطلسي.

يرتبط المؤشر الثاني بمصير تقدم المحادثات مع الاتحاد الأوروبي بهدف إنشاء "الشراكة التجارية والاستثمارية عبر المحيط الأطلسي". أدى إغلاق خدمات الحكومة إلى تأجيل الجولة الثانية من المحادثات، وتولّد فضائح وكالة الأمن القومي مصاعب إضافية. علّقت مفوضة شؤون العدل في الاتحاد الأوروبي، فيفيان ريدينغ، على الموضوع قائلة: "كي تنجح أي مفاوضات واعدة ومعقدة، لا بد من وجود ثقة بين شركاء التفاوض". في غضون ذلك، أصبح اتفاق التجارة الحرة بين كندا والاتحاد الأوروبي جاهزاً، ومن خلال منح كندا القدرة على اختراق السوق الأوروبية بشكل شبه كامل، يبدو أن اتفاق الاتحاد الأوروبي "يغطي" على اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية.

يتعلق المؤشر الثالث بمصير الاقتراح الذي عرضته إدارة أوباما لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ: "الشراكة عبر المحيط الهادئ". بسبب التشكيك في قابلية تنفيذ المشروع، بما في ذلك قدرة أوباما على كسب موافقة الكونغرس الأميركي العدائي، حاول بعض المشاركين في "الشراكة عبر المحيط الهادئ" التعويض عن خسارتهم المحتملة عبر المشاركة أيضاً في مناقشات لإنشاء "الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة" التي تحظى بدعم الصين وتستثني الولايات المتحدة.

يتعلق المؤشر الأخير بمدى استعداد المملكة العربية السعودية ودول أخرى منتِجة للطاقة لتغيير طريقة تحديد سعر النفط العالمي. في الوقت الراهن، يقضي المعيار السائد باستعمال الدولار الأميركي، لكن برزت دعوات إلى تسعير مصادر الطاقة ودفع كلفتها باليوان الصيني. على المدى القصير، لن تضر تلك الخطوة بالمصالح الأميركية، عدا جرح كرامة البلد على المستوى المالي. لكن طالما تحدد الحكومة في بكين، وليس الأسواق الدولية، القيمة النهائية لعملة اليوان، سيتردد مصدّرو الطاقة في حمل كميات كبيرة من العملة التي يمكن أن تتغير قيمتها بسبب نزوات الدولة الصينية، لكن قد يؤدي هذا الوضع إلى توسيع نطاق تداول اليوان لأن الدول التي تقبل هذه العملة لدفع ثمن الطاقة تستطيع في المقابل استعمال مخزون عملة اليوان لدفع ثمن مشترياتها من السلع والخدمات الصينية، أو دفع التكاليف إلى الأطراف الثالثة التي ستستعمل بدورها اليوان لتسوية ميزان مدفوعاتها مع بكين.

سيؤدي هذا الوضع، بنسبة معينة، إلى تخفيض الحاجة إلى الدولار الأميركي وتراجع الطلب عليه، ولا شك أن هذا الأمر سيشكل لطمة نفسية موجعة في وجه واشنطن. كانت المملكة العربية السعودية ودول أخرى مصدِّرة للنفط في الخليج العربي من أقوى الداعمين لتفوق الدولار دولياً في الماضي، لذا سيعكس أي تحول نحو استعمال اليوان استياءً متزايداً من سياسات واشنطن ومخاوف على قيمة الدولار على المدى الطويل، فضلاً عن اعتراف صريح بتزايد نفوذ الصين. سبق أن استنتج بعض المسؤولين السعوديين العاملين في مجال النفط أن مستقبل المملكة يتوقف بشكل متزايد على إقامة روابط جديدة مع الصين.

إذا عاد أوباما من قمة حلف الأطلسي، بعد سنة، مع ضمان التزام الحلف برؤية فاعلة بشأن الأمن العابر للأطلسي في حقبة ما بعد أفغانستان، فسيعني ذلك أن مفاوضات "الشراكة التجارية والاستثمارية عبر المحيط الأطلسي" و"الشراكة عبر المحيط الهادئ" بدأت تعطي نتائج ملموسة، وأن الدولار سيبقى قوياً باعتباره ركيزة أسواق الطاقة العالمية، وهكذا ستكون أحداث هذه السنة التي سببت موجة قلق عارمة مجرد انتكاسات عابرة ومصادر إلهاء ضئيلة، وإلا سيَثبت استنتاج مجلة "فوربس" بأن أوباما أصبح رئيساً ضعيفاً مع اقتراب نهاية ولايته. يجب أن يركز فريق الأمن القومي الذي يعمل لدى أوباما خلال الأشهر المقبلة على منع تحوّل السيناريوهات المذكورة أعلاه إلى وقائع ملموسة تحققها الولايات المتحدة بنفسها.

* نيكولاس غفوسديف | Nikolas Gvosdev ، هو المحرر السابق لمجلة National Interest ومعلّق بارز في شؤون السياسة الخارجية في وسائل الإعلام المطبوعة والمرئية والمسموعة، ويعمل راهناً في "كلية الحرب البحرية الأميركية".

back to top