أوباما ونتنياهو يسيران نحو الحرب

نشر في 23-11-2013
آخر تحديث 23-11-2013 | 00:01
يرغب أوباما في اتخاذ كل التدابير الممكنة لاستغلال الفرصة المتاحة (بعد انتخاب الرئيس الإيراني الجديد المعتدل روحاني) كي يُخرج إيران من عزلتها ويقيم علاقات دبلوماسية، وإن حذرة، مع هذه الأمة الكثيرة التقلب بعد 35 سنة من القطيعة.
 ناشيونال إنترست يجد الرئيس أوباما نفسه في موقف ضعيف. فقانون الرعاية الصحية الذي وضعه يسلبه قوته السياسية، ويولد حالة من التوتر الحاد بين أنصاره الديمقراطيين في الكونغرس. كذلك تراجعت شعبيته إلى حد لم يسبق له مثيل. وتعرضت ثقة الأميركيين به لضرر كبير، كما يُظهر استطلاع أخير للرأي أجري في جامعة كوينيبياك. أما رأسماله السياسي فيتراجع.

وفي هذا الوضع السياسي الحرج يواجه أوباما تحدياً جديداً سيمتحن تصميم الرئيس وشجاعته. فإذا أراد أن ينقذ جهوده البالغة الأهمية للتوصل إلى اتفاق مع إيران خلال المفاوضات بشأن برنامجها النووي، فعليه أن يواجه مباشرة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو واللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة.

وإذا لم يفعل ذلك فسيعطل الكونغرس جهوده، وستضيع فرصة التوصل إلى حل سلمي، وسترتفع احتمالات خوض حرب مع إيران على نحو ينبئ بالسوء. لكن يبدو أن هذا بالتحديد ما يريده نتنياهو: عرقلة المحادثات بين إيران وما يُطلق عليها مجموعة (5 + 1) لأنه يعتبر أن هذا الاتفاق الأولي المتواضع "سيئ وخطير".

يبدو الخلاف في العمق أكثر شدة. فيرغب أوباما في اتخاذ كل التدابير الممكنة لاستغلال الفرصة المتاحة (التي برزت مع انتخاب الرئيس الإيراني الجديد المعتدل حسن روحاني هذه السنة) كي يُخرج إيران من عزلتها ويقيم علاقات دبلوماسية، وإن حذرة، مع هذه الأمة الكثيرة التقلب بعد نحو 35 سنة من القطيعة.

ويسعى أوباما إلى تحقيق هذا الهدف من خلال تبنيه بحسن نية موقفاً يقبل بتخصيب إيران المحدود لليورانيوم لأهداف سلمية، مقابل التزام هذه الأمة بالتخلي عن أي خطط نووية عسكرية. كذلك يعلم أوباما أنه إذا استطاع تحقيق ذلك (وهذا احتمال مستبعد)، فسيتفادى حرباً تعتبر ممكنة بوضوح إن لم تكن مرجحة.

يعتبر نتنياهو هذه النتيجة ساذجة وغير مقبولة. فهو يريد إبقاء إيران معزولة ومحاصرة وضعيفة، تماما كما هي اليوم في ظل العقوبات المفروضة عليها (وبسبب بعض السياسات العدائية التي تعتمدها إيران نفسها). والأفضل من ذلك، في رأيه، أن تنشب حرب بين الولايات المتحدة وإيران تدمر هذه الأخيرة كقوة إقليمية كبرى تسعى لكسب النفوذ والمكانة البارزة وتتحدى إسرائيل في الشرق الأوسط.

نتيجة لذلك، سعى نتنياهو طوال سنوات لدفع التطورات نحو الحرب. وها هو اليوم يعمل على تقويض جهود أوباما الرامية إلى تفادي حرب مماثلة. لذلك تبنى هذا الموقف من المفاوضات: لا تخصيب من أي نوع. يعتقد نتنياهو، بالاستناد إلى التجارب السابقة، أنه يستطيع ممارسة الضغوط وتحريك القوى داخل الأوساط السياسية الأميركية ليضمن إخفاق محاولة أوباما الهشة للتقرب من إيران. ويبدو رئيس الوزراء الإسرائيلي مستعدا للمخاطر بمواجهة قطيعة مع إدارة أوباما بغية تحقيق أهدافه، لأنه يظن أن هذا الخطر ليس كبيرا.

لا ترغب الولايات المتحدة في خوض حرب جديدة في الشرق الأوسط. وهذا ما تؤكده الحوادث التي شهدناها بعد أن أعلن أوباما خططا في وقت سابق من هذه السنة لتقديم المساعدة العسكرية للثوار السوريين الذين يقاتلون قوات الرئيس السوري بشار الأسد. لكن أوباما سيواجه مقاومة شرسة من القوى الموالية لإسرائيل وحلفائها في الكونغرس، إذا حصر مناوراته في الأوساط السياسية في واشنطن. لذلك عليه أن يطرح هذه المسألة أمام الشعب الأميركي بطريقة ذكية، واضعاً ثقته في حكمة الناخبين وقدرتهم على رؤية الأمور من منظار واسع.

ولتحقيق هذه الغاية، عليه قبل مؤتمره الصحافي المقبل (الذي يُفترض أن يكون قريباً) أن يطلب من وزير خارجيته جون كيري أن يدلي بتعليق مثير للجدل عن جهوده في الشرق الأوسط، حتى يضمن أن يسأله الصحافيون عن هذه المسألة. عندئذ، يجب أن يقدم أوباما جواباً مثل:

"أكن الاحترام والإعجاب لنتنياهو. فهو يقود شعباً أبياً وشجاعاً. ويستمد كل الأميركيين تقريباً الإلهام مما حققته إسرائيل منذ ولادتها قبل 65 سنة. وكما ذكرتُ في مناسبات عدة، يبقى التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل راسخاً وثابتاً. لكنني الرئيس المنتخب للولايات المتحدة الأميركية، ومن واجبي أن أحدد ما هي المصالح القومية الأميركية. وأعتقد اليوم أن مصلحة الولايات المتحدة القومية تقتضي السعي للتوصل من خلال المفاوضات مع إيران إلى اتفاق لا يبعد ذلك البلد عن تطوير أسلحة نووية فحسب، بل يرجعه إلى مجتمع الأمم بطريقة تحسِّن فرص إحلال الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط. هذا ما أحاول تحقيقه من خلال هذه المفاوضات الحساسة. ولست الوحيد الذي يسعى لذلك. فيشارك في هذه الجهود قادة دول كبرى عدة (مع أننا ما زلنا نحاول استمالة الفرنسيين)، وهم مقتنعون بأن هذا قد يكون أملنا الأفضل والأخير لحل هذه القضايا التي تدفعنا نحو حالة من التوتر الشديد وربما الحرب.

هل يمكننا النجاح؟ لا أعلم. لكنني متأكد من أننا لن نجيب عن هذا السؤال إن لم نمضِ قدماً في جهودنا هذه. لذلك أسفت حين لاحظت أن نتنياهو يعمل جاهداً على زعزعة الدعم الذي تحظى به هذه الجهود بين ممثلي الشعب هنا في واشنطن. فتهدد مساعيه ومساعي بعض مسؤوليه وحلفائه هنا في واشنطن بزعزعة الجهود الدقيقة التي نبذلها لعقد اتفاق، حتى قبل أن نتمكن من تقييم احتمال نجاحنا. ولا شك في أن أي خطوات في الكونغرس لتشديد العقوبات الإيرانية في هذه المرحلة الدقيقة ستعوق جهودنا.

لا أريد أن تتورط الولايات المتحدة في حرب أخرى في الشرق الأوسط. وأعتقد أن الشعب الأميركي يرفض ذلك أيضاً، في ظل غياب تهديد واضح لمصالح الولايات المتحدة القومية. هدف جهودي تفادي خطر يهدد المصلحة القومية الأميركية، وتجنب بالتالي احتمال أن ننجر إلى حرب مماثلة. قد لا ننجح. وقد تفرض علينا مصالح الولايات المتحدة والعالم أن ننفذ عملاً عسكرياً لاحقاً. ولكن كما رددت مراراً، لاتزال كل الخيارات مطروحة على الطاولة للتأكد من أن إيران لن تطور أسلحة نووية.

لكن يجب أن نعمل جاهدين لتفادي أمر مماثل. ولهذا السبب، أحض الأميركيين في أرجاء البلد المختلفة على التعبير عن مشاعرهم حيال هذه المسألة لأعضاء مجلس الشيوخ والكونغرس. إذا أرادوا أن تتواصل هذه العملية بصدق ودأب فعليهم أن يعلِموا واشنطن بذلك. وإن كانوا يؤيدون الجهود الرامية إلى تفادي الحرب، يجب أن يقفوا ويعبروا عن رأيهم. لا ترغب قوى كثيرة في واشنطن، على ما يبدو، في أن تأخذ في الاعتبار مشاعر الشعب عموماً. لذلك أحث الشعب على التعبير عن رأيه لواشنطن، كي يتضح لكل السياسيين والمسؤولين ما يريده الشعب الأميركي وما هو موقفه.

في هذه الأثناء، سأبذل قصارى جهدي، بالتعاون مع قادة الأمم الأخرى المعنية بهذه المسألة، لأضمن تواصل هذه الجهود وانتهاءها بالنتيجة التي يخبئها لها القدر".

لا شك في أن كلمات مماثلة يدلي بها الرئيس الأميركي ستُحدد بكل وضوح ما إذا كانت مصالح إسرائيل والولايات المتحدة قد انقسمت حول السياسة المتبعة في التعاطي مع إيران. كذلك سيحرص خطاب مماثل على عدم ترك المصالح الأميركية بين أيدي النخب السياسية في واشنطن وأعضاء الكونغرس الذين اعتادوا لعبة جمع التبرعات ووطأة مجموعات الضغط، بل ستعتمد على الشعور العام في أنحاء البلد المختلفة وعلى الحكم المدني والحكمة الجماعية. وقد نكتشف عندئذٍ ما إذا كان نتنياهو صادقاً في ادعائه أنه يستطيع دوماً التلاعب بالأعمال الأميركية كما يحلو له، كلما رغب في ذلك.

روبرت دبليو ميري

back to top