«داعش» بين مصالح المالكي وأطلال المصالح العربية

نشر في 18-01-2014
آخر تحديث 18-01-2014 | 00:01
 أنس محمود الشيخ مظهر من سخرية الأحداث الشرق أوسطية أن تنقلب (المفترض) أجندات الدول فيها من طويلة الأمد إلى مصالح وقتية لحكومات أو شخصيات كما حصل في الاستقطابات الإقليمية حول الأزمة السورية مؤخرا، فمن استغلال لوجود مجاميع إرهابية داخل الثورة السورية من طرف إقليمي، ونفي مستمر لوجودها من الطرف الآخر، إلى إظهار الاستعداد للقيام بحرب إقليمية ضدها من طرف، والبدء بها من الطرف الآخر.

فطوال الثورة السورية ورغم استفحال أمر التنظيمات الإسلامية المتشددة فيها استمرت الدول العربية وتركيا في نفي وجودها أو التقليل من تأثيرها، في حين عمدت حكومتا بشار الأسد وإيران إلى تغذية هذه التنظيمات لإجهاض أي تعاطف دولي معها يفضي إلى إسقاط نظام بشار الأسد.

وقد برز موقف الحكومة العراقية في الوقوف على الحياد (رسميا) ودعم نظام بشار الأسد بالمقاتلين والأسلحة عبر الأجواء العراقية عملياً؛ ولعدم وجود نظرة وطنية شاملة للحكومة العراقية وطغيان الأنا السياسية حتى على حساب المصالح الفئوية، فقد طرح المالكي فكرة شن حرب إقليمية على الإرهاب للحصول على البركات الأميركية لبقائه في السلطة لولاية ثالثة، وقد كانت هذه الدعوة إضافة للتفاهمات الأميركية الإيرانية الأخيرة كافية لقلب موازين الصراع كلها رأسا على عقب في المنطقة.

إن كان المالكي قد أطلق هذه الدعوة متطلعا إلى ولاية ثالثة فإن دعوته هذه كانت تفتقر إلى الجدية اللازمة في القضاء على هذه التنظيمات بما يتلاءم مع التوجهات الجديدة لإيران في خلق ترتيبات معينة مع الولايات المتحدة في هذه الحرب.

لقد تزامنت حملة المالكي في صحراء الأنبار لتعقب الجماعات المرتبطة بالقاعدة مع البدء بحرب حقيقية ضد هذه التنظيمات من الطرف الإقليمي الآخر (المتمثل بالدول العربية وتركيا) في جبهتين، فقد بدأ الجيش الحر فعلياً بشن حرب شعواء على تنظيم داعش الإرهابي في سورية، وبدأت مواجهات دامية في العراق بين العشائر السنية وتنظيم داعش لسحب البساط من تحت أرجل المالكي في مهمته هذه.

من الصعب التنبؤ بنتائج هذا المخاض الإقليمي الأخير، إلا أنه يلخص التقلبات السياسية في منطقتنا، وسهولة تغير المواقف من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال دون وجود رؤى سياسية طويلة الأمد، وكي نحاول فهم ما يحصل علينا أن نلخص الأسباب التي تقف وراء هذه المعادلة الجديدة من وجهة نظر الفرقاء فيها كما يلي:

- لقد أدركت الدول العربية وتركيا أن استمرار وجود هذه التنظيمات سيؤدي إلى حتمية بلورة تنسيق معلن أو غير معلن بين الحكومات الشيعية في المنطقة من جهة، وأميركا والغرب من جهة أخرى. وعليه فإن المبادرة ببدء هذه الحرب من قبلها ستؤدي إلى إجهاض هذا التقارب الأميركي الإيراني.

- رغم تعامل الإدارة الأميركية بشكل غير مباشر مع ورقة القاعدة في المنطقة سابقا بحسب ما تقتضيه مصلحتها فإن الانشقاقات التي حصلت للقاعدة في سورية وفقدان مركزية القرار أعطت انطباعاً أميركا في صعوبة توجيه هذه المنظمة مستقبلا؛ مما يشكل تهديداً حقيقياً للمصالح الأميركية والإسرائيلية في المنطقة، وعليه فالحرب عليها أصبحت من ضرورات الرؤية الأميركية أكثر من أي مرحلة سابقة.

- أما بالنسبة إلى موقف المالكي، والموقف الإيراني بطبيعة الحال، فعلى الرغم من إطلاقه دعوة الحرب الإقليمية على الإرهاب فإنها لم تعن القضاء على هذه التنظيمات الإرهابية بقدر ما عنت أهدافاً سياسية مؤقتة شرحناها سابقاً، فأي حرب حقيقية على هذه التنظيمات وبوجود هذا التأييد الدولي الكبير لها ستحقق نصراً ساحقاً عليها في العراق وسورية، تلقي باستحقاقات جديدة على سياسات المالكي تجاه الثورة السورية، وتستوجب عليه تغيير مواقفه حيالها، وكذلك إزاء تعامله مع الشارع السني في العراق. فوجود سورية ثائرة خالية من التنظيمات المتشددة ووجود عراق خال من التنظيمات الإرهابية يستوجب على المالكي تأييد الثورة السورية من جهة، والتعامل بإيجابية مع مطالب الشارع السني المنتفض منذ أكثر من سنة من جهة أخرى، الأمر الذي يتعارض مع الأجندات الإيرانية المفروضة على المالكي أو المختارة من قبله.

وهكذا فإن أي حديث عن حرب إقليمية يقوم بها المالكي أو إيران على الإرهاب لن يكون سوى مهزلة سياسية لها مقتضيات مؤقتة لن تفضي إلى القضاء على التنظيمات هذه، وعلى الدول العربية وتركيا أن تقوم بهذه المهمة بشكل أكثر فعالية والعمل على دعم الجيش الحر في سورية والعشائر العراقية في الأنبار للقضاء وبشكل كامل على هذه التنظيمات، فكل المؤشرات تدل على أنها صنيعة النظامين السوري والإيراني وبموافقة عراقية عبر المالكي.

* كردستان العراق – دهوك

back to top