مصر حادفة يمين

نشر في 29-10-2013
آخر تحديث 29-10-2013 | 13:01
 باسم يوسف في معظم الصراعات السياسية في العالم نجد أن الأقطاب المتصارعة تكون على طرفي النقيض من حيث الأيديولوجية، وعادة تصنف هذه القوى من خلال مفهوم واسع على أساس يمين ويسار، الولايات المتحدة مثال صارخ على ذلك، فلديك الحزب الجمهوري، وهو تجسيد واضح لليمين السياسي، فهو محافظ اجتماعياً ودينياً، وكعادة أحزابنا الدينية هنا، فالكثير من مرشحيهم يستخدمون النصوص المقدسة من الإنجيل، ويصفون أنفسهم بالمتدينين، بل في بعض المناطق تؤيد بعض الكنائس بشكل واضح هؤلاء المرشحين، وفي نفس الوقت هو الحزب الذي خرج منه جورج بوش الأب والابن وريغان وجماعة المحافظين الجدد مثل كارل روف ورامسفيلد وغيرهما، وهو الحزب الذي قاد الهيستريا التي عاشتها أميركا من خلال الحرب على الإرهاب، وهو الحزب الذي يتشدق بالأمن القومي، ويغرق في نظريات المؤامرة ويعتبر الجميع أعداء، من أول الأمم المتحدة كلها إلى بعض البلاد مثل فرنسا، لأنها عارضت غزو العراق في البداية، فشن نواب الحزب الجمهوري هجوماً غاشماً على الفرنسيين، وتمت إهانتهم في الكونغرس، بل واقترح بعضهم تغيير اسم البطاطس المقلية المعروقة باسم "فرنش فرايز" إلى "فريدوم فرايز" أو بطاطس الحرية.

هم يعتبرون أن معظم الدول تتآمر عليهم، ولا يثقون بأحد، والكثير من قياداتهم مثل بوش الابن وسارة بالين لم يستخرجوا جوازات سفر إلا حين ترشحوا لمناصبهم (خسرت سارة بالين السباق مع ماكين ضد أوباما وجو بايدن).

الحزب الجمهوري يعتبر بالنسبة إلى الكثيرين رمزاً للعنصرية وعدم التعايش، ليس فقط بسبب عنصريته تجاه العرب والمسلمين بل أيضاً ضد السود ومن هم من أصل لاتيني وضد كل من هو ليس أبيض البشرة ومسيحياً.

اليمين الأميركي هو كل ما يمثل مساوئ الرأسمالية من سيطرة رأس المال وتدليل الشركات الضخمة على حساب المواطنين البسطاء، ويقف بشدة مع تخفيف الضرائب على الأغنياء، ويشوه خطة التأمين الصحي وخطة زيادة الضرائب على الأغنياء التي يتبناها أوباما، لأنها خطط ليست في مصلحة شركات التأمين الصحي وعمالقة الصناعة في أميركا.

على الجانب الآخر، هناك اليسار الأميركي الذي يسمى بالليبرالي، ولا يمكن أن نصفه بتيار ملائكي لكن أي شيء يقارن بالحزب الجمهوري يعتبر إنسانياً بجانب سياساته التي تتبناها القناة اليمينة الشهيرة فوكس نيوز.

في مصر، وبعد الثورة تباينت الفروق السياسية فكان لدينا تيار يميني واضح، وهو التيار الديني الذي تشابه مع الحزب الجمهوري في تزمته الديني (مع اختلاف المجتمع هنا وهناك)، وتشابهت قنوات التيار الديني مع قناة فوكس نيوز في نشر الكراهية والعنصرية والتكفير، واعتبروا أن كل من يأتي بأفكار مستنيرة عن الحريات والمساواة هو شيوعي مثلما يعتبر هنا صنيعة غربية وصهيونية.

حتى ما كان يتميز به التيار الديني من مساعداته الاقتصادية للفقراء على مدى عقود طويلة في ظل فشل الدولة، حتى هذا الدور التكافلي توارى خجلاً بعد وصولهم إلى السلطة، وأثبتت السياسات الاقتصادية للإخوان أنهم لا يقلون رأسمالية عن نظرائهم في الحزب الجمهوري بأميركا.

على الجانب الآخر كان هناك التيار المناوئ للسلفيين والإخوان، التيار الذي يسمى بالعلماني أو الليبرالي، ومن المفترض أنه التيار الذي يمثل كل ما هو ضد التيار اليميني، المحافظ، العنصري، الغارق في نظريات المؤامرة.

بعد سقوط الإخوان كان من المفترض أن ننعم بكل مميزات النعيم الليبرالي، سواء في الإعلام أو في السلطة، لكن بدلاً من ذلك رأيت في الإعلام والسلطة حتى بين أصدقائي (الإليت) الذين يعتبرون أنفسهم ليبراليين شيئاً مغايراً تماماً.

هؤلاء الليبراليون الذين يتفاخرون بإجادتهم اللغات الأجنبية والسفر للخارج وارتدائهم آخر صيحات الموضة الغربية، هؤلاء يصدقون نظريات المؤامرة بل وينشرونها، هؤلاء ينقلون من مواقع الإنترنت اليمينية المتطرفة ويصدقون "فوكس نيوز" لمجرد أنها تهاجم الإخوان، ولا يدرون أن هؤلاء اليمينيين يحملون نفس قدر الاحتقار لهم لمجرد أنهم عرب.

هؤلاء "الليبراليون" يظنون أن العالم يتآمر علينا، ويصدقون أن أوباما قادم من عائلة إخوانية، ويروجون لترهات أخرى لمجرد وجودها على الإنترنت، لكنهم يتجاهلون ما يتردد على هذه المواقع من لغة عنصرية للعرب والمسلمين.

قلة فقد من رجال أعمالهم يقومون بمشروعات مهمة لمساعدة الفقراء، لكن الغالبية العظمى التي تدعي الليبرالية رأسماليون يمينيون مثلهم مثل الإخوان والسلفيين.

يقول مدعو الليبرالية والمدنية إنهم ضد الفاشية الدينية ومع حرية الرأي، لكنهم عند اللزوم سيستخدمون الآيات القرآنية والأحاديث ليبرروا الهجوم على أعدائهم، ويطعنون في شرفهم بنفس الاتهامات التي يستخدمها التيار الديني، فهذا الشخص شاذ أو كافر ويمكن كمان "يهودي"، وهي الشتيمة المفضلة لكلا الطرفين، فأعداء الإخوان يروجون أن حسن البنا من أصل يهودي، وأنصار الإخوان يسنون أسلحتهم على ممثلة لمجرد أن والدها يهودي وأسلم، ثم يتشدق الطرفان بمبادئ الإسلام السمحة وطبيعة الشعب المصري المتدين بطبعه.

ربما يكون هناك يساريون، ربما يكون هناك ليبراليون فعلاً في مصر، وربما يكون هناك فعلاً من يحارب من أجل حقوق العمال والمستضعفين، ويناضلون من أجل برامج التنمية والتكافل الاجتماعي، لكن هؤلاء ملعونون من الطرفين فإن لم يكونوا كفرة فهم خونة أو كما أجمع الطرفان عملاء ينفذون أجندة غربية صهيونية.

أستطيع أن أتفهم تعصب التيار الديني وجنوحه ناحية اليمين المتطرف، ففي النهاية هذا هو مكانهم الأيديولوجي الصحيح، ولا أستطيع أن ألومهم فهم على الأقل متسقون مع أفكارهم، لكنني لا أستطيع أن أفهم هذا التيار المدعي لليبرالية والحرية، لكنه في النهاية تيار لا يقل تطرفاً عن التيار الديني، ربما نستبدل الذقن بمكياج تقيل حبتين، ربما نستبدل المسواك بكأس من المارتيني، ربما نستبدل السروال والثوب القصير ببدلة أرماني، لكن التطرف واحد واليمين واحد.

ينشر باتفاق خاص مع «الشروق» المصرية

back to top