قراء أحلام مستغانمي وكويلو

نشر في 28-11-2013 | 00:02
آخر تحديث 28-11-2013 | 00:02
في كل مرة يجري نقاش بيني وبين بعض الفتيات على مواقع التواصل الاجتماعي حول القراءة، أول سؤال يوجه إليّ: هل قرأت كتاب «ذاكرة الجسد» لأحلام مستغانمي و{الخميائي» لباولو كويلو؟!
لكثرة ما طرح عليّ هذا السؤال، بت أتوقعه في أي مناسبة وفي أي لحظة، وأصبح كمن يتناول  «وليمة المجدرة» في الصباح والمساء وعند الظهر، وقبل النوم وقبل السفر وفي النزهة، وفي القطار وعلى شاطئ البحر، كأن الثقافة الكونية باتت تختصر بهذين الاسمين في ربوع المشرق العربي.

والحال أنه رغم مواظبة الصديقات الافتراضيات على طرح أسئلة عن أحلام مستغانمي والبرازيلي كويلو، إلا أنني لم أتحمس يوماً أو لحظة لقصد المكتبة وشراء كتبهما، ولم أفكر في اقتناء أي كتاب لهما، كأن أذنيّ استهلكتهما من كثرة الأسئلة عنهما، أو كأني على عداوة مع الكتب التي تلقى رواجاً وتحظى بشعبية بين الناس.

 لا أحبّذ القراءة التي تتبع نجوم الأدب والشعر والأكثر شعبية والأكثر قراءة ورواجاً، وحتى الكتب التي تحصد الجوائز تصبح عندي موضع شك وريبة، خصوصاً في المرحلة الأخيرة من تنامي الجوائز، وتنامي الانتهازيين الذين يكتبون مقالات طويلة في مديح لجنة تحكيم هذه الجائزة أو تلك بغرض الفوز.

الأرجح أن القراءة بالنسبة إليّ تتعلق بالمزاج قبل كل شي، وأن أتبع مزاجي فأمارس بذلك نوعاً من الاستبداد في انتقاء ما أحب قراءته، خصوصاً أنني أميل إلى متابعة الكتب التي تتسم بفلسفة ما، وفيها أسئلة وجودية ومعرفية تنمي تفكيري، وأغلب الكتب التي أهتم بها قد لا تعجب جمهور مستغانمي ولا قراء كويلو ولا حتى أنصار أمين معلوف...

لم أقرأ كويلو من خلال كتاب خاص ولا تابعت أحلام مستغانمي على الـ «فايسبوك» أو عبر حفلات توقيع كتبها، لكن يصادف أن أقرأ لهما مقاطع عابرة منشورة عبر الإنترنت أو الجريدة، فآخذ فكرة عن أسلوبهما الذي لا يحرك فيّ ساكناً ولا يشدني بأي شكل من الأشكال.

 وربما يكون عزوفي أو هروبي من قراءتهما أنني قرأت كثيراً جبران خليل جبران والشاعر السوري نزار قباني في مرحلة المراهقة إلى حد التخمة، فتشربت منهما إلى درجة لم يعد بإمكاني تحمل أي جديد يشبههما. وكل شيء قرأته في الطفولة والمراهقة ابتعدت عنه في مرحلة الشباب كما ابتعدت عن كل شيء مدرسي ومنهجي فيه كثير من الأخلاقيات لا أحبّها ولا أتحمس لها، من أشعار أحمد شوقي إلى قصص محمود تيمور وميخائيل نعيمة وحتى المتنبي وبدر شاكر السياب وبعض الشعراء العالميين مثل نيرودا ...

 ليس لدي موقف من أي كاتب أو روائي أو شاعر، لكن على وجه العموم، أبحث عن المعرفة من خلال القراءة إلى جانب المتعة وتزجية الوقت، وقد أقرأ صفحة الإعلانات في الجريدة وأحيانا صفحة الوفيات وربما كتب السحر، ولكن ما يحصل أن البعض أسرى «الماركة الثقافية أو الأدبية» في كل شيء.

 صارت أحلام مستغانمي ماركة أدبية فلا بدّ من متابعتها، سواء كتبت نصاً جيداً أو رديئاً، سواء كتبت نصاً أو رواية، وفي هذا الإطار أقول أيضاً، إنه خلال فترة عملي قبل سنوات في مجال الصحافة الفنية، عندما أسأل أي فنانة: أي كاتب تقرأين؟ تفكر قليلا  وتقول: باولو كويلو، إلى درجة صرت أظن أنهن ينسقن مع بعضهن في هذا الجواب المريب، فاستنتجت أن القارئ ليس بالضرورة أن يقرأ الأكثر رواجاً، أو يعرف أحلام مستغانمي.

النقطة الأهم ليست في جوهر روايات مستغانمي أو في قرائها ومعجبيها، سواء كانوا من الفايسبوكيين أو العاديين، بل في أن بعض الكتاب والشعراء الذين يوجهون نقداً قاسياً للكاتبة، ويحاولون التقليل من أهميتها، يعملون في السر ليلا ونهارا لترويج كتبهم ومؤلفاتهم بأي ثمن، بل بعضهم تخلى عن أسس في الكتابة وبدأ يحاول تدوين نصوص تتماشى مع السوق ومتطلبات الجمهور.

هؤلاء الذين يدعون العزلة والزهد وأحياناً احتقار الجمهور، وجدوا أنفسهم، في لحظة، كأنهم يكتبون للفراغ وليس ثمة من يهتم بهم في زمن الاستهلاك الجماهيري والجوائز، أحد الشعراء مثلاً، أمضى عمره ينتقد محمود درويش وشعره الذي يلتف حوله الجمهور، والشاعر نفسه، وفي «يقظة متأخرة، قدم أمسية شعرية تضمنت شعراً غرامياً، ووظف من يكتب عنه كيف حبس أنفاس الجمهور في القاعة للاستماع إلى كلماته العاشقة.

ما أكتبه في هذه المقالة القصيرة هو مجرد إشارات عابرة عن أحوال القراء والكتاب في العالم العربي، بين قراء هم أسرى أسماء محددة في الثقافة، وكتّاب يقفون في حيرة أمام الجمهور، يحسدون أحوال مستغانمي لكنهم في تفكيرهم يزدرون الجمهور والقراء.

back to top