السجن والإبداع (4): {الهانم} شاهندة مقلد: السجن يكسر أصحاب المبادئ المرتعشة

نشر في 09-07-2014 | 00:02
آخر تحديث 09-07-2014 | 00:02
No Image Caption
تحول اسمها واسم قريتها إلى عنوان أزمة كبرى وعقدة لازمت الرئيس الراحل أنور السادات، اسمها شاهندة مقلد واسم قريتها كمشيش، هي الفلاحة «الهانم» التي بدأت مع زوجها صلاح حسين مسيرة طويلة من قريتها التي كانت ترزح تحت وطاة الإقطاع، ثم اكملتها وحدها بعد اغتيال زوجها... في المسيرة العسيرة كشفت تناقض السياسات في حقبة السبعينيات مع ثورة يوليو بالانحياز إلى الإقطاع ورغم فداحة ما دفعته من ثمن، أكدت رضاها عن مسيرتها ومتابعتها حتى الآن، تقاوم أشكال الظلم والاستبداد كافة.
أنت وقرية كمشيش قصة كفاح طويلة، حدثينا عن تلك الرحلة.

تجربتي السياسية ممتدة إلى أكثر من نصف قرن، هي عمر ثورة يوليو في قريتنا كمشيش التابعة لمحافظة المنوفية، فقد انفجرت ثورة الفلاحين ضد عائلة الفقي رمز الإقطاع، وشارك فيها والدي ضابط البوليس وزوجي الشهيد صلاح حسين، ولما جاء السادات إلى الحكم أطلق في 15 مايو 1971 حملة أمنية عاثت فساداً وتحطيماً في كمشيش، وصدر قرار بطرد 25 فلاحاً من القرية خارج نطاق محافظة المنوفية بحجة خطورتهم على الأمن، وكنت منهم، وتم إبعادنا، وكان معي خمسة من الفلاحين من بينهــم الفــــلاح الفصيـــح عبد المجيد الخولي، ورفعنا دعوى لعودتنا، فحكمت المحكمة حكمها الرائع بعودتنا إلى محافظة المنوفية عام 1975 وهو العام نفسه الذي اعتقلت فيه للمرة الأولى.

 

لماذا اعتُقلتِ وما التهمة الموجهة إليك؟

كانت التهمة الموجهة إلي الانتماء إلى تنظيم ما يسمى باليسار الجديد، وفي الطريق إلى السجن في سيارة الترحيلات، كنت السيدة الوحيدة وسط مجموعة من الرجال، من بينهم الزميل أبو العز الحريري. بعد رحلة طويلة وصلت إلى سجن القلعة وأُدخلت إلى غرفة صغيرة مظلمة وجدت فيها صافيناز كاظم، وكانت التهمة الموجهة إليها المشاركة في تأسيس حزب {العمال الشيوعي المصري}، الكاتب الصحافي صلاح عيسى، الفنان التشكيلي عز الدين نجيب، ومجموعة من اليساريين. كانت التهم عبثية والمحاكمات عبثية، وتنظيم اليسار الجديد هو وهمي  وأكذوبة أمنية وأحد ألاعيب أمن الدولة.

كيف خرجتِ من السجن؟

بعد سجني على ذمة القضية خمسة أشهر، برأتني المحكمة من هذه التهمة العبثية. في الحقيقة، أن هذا كان عقاباً لي، وتصفية حسابات معي لدورنا عائلتي ووالدي وزوجي وأنا، في مساندة ثورة فلاحين كمشيش ضد ظلم عائلة الفقي الإقطاعية واستبدادها.

وسط هذا الحصار كيف فكرت في دخول البرلمان؟

عام 1976، بعد خروجي من السحن واجهت حملة شديدة على كمشيش وعليّ أنا شخصياً، وروّج رجال السادات أن أهل كمشيش يرفضونني ويكرهوننا زوجي وأنا، بسبب المتاعب مع الأمن التي جلبناها لهم، إلا أن أهالي القرية والقرى المجاورة اجتمعوا بي وطلبوا مني الترشح في انتخابات مجلس الشعب لثقتهم بقدرتي على تمثيل دائرة مركز تلا، وكانت تضم 48 قرية من بينها ميت أبوالكوم قرية السادات، فقررت الترشح من دون أدنى أمل في الفوز بأصوات الدائرة، وركزت اهتمامي على أصوات قريتي كمشيش لأرد بشكل عملي على إدعاءات رجال السادات. فعلاً، حصلت على 99% من أصوات كمشيش، فكان بمثاية ردّ اعتبار لي ولطمة لنظام السادات، طبعاً خسرت الانتخابات ولم أدخل البرلمان .

ما ظروف اعتقالك الثاني؟

 بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد عام 1978، اشتدت المعارضة فأدركت أن الأمن لن يتركني، هربت إلى الإسكندرية لمدة تسعة أشهر وبعدها عدت إلى كمشيش، وقُبض عليّ يوم عيد ميلادي، وسط أقربائي وأصدقائي، وسُجنت في سجن شبين الكوم في غرفة صغيرة كئيبة رهيبة لا تزيد على مترين في مترين، بقيت فيها بشكل انفرادي ثلاثة أشهر، وهي إحدى أصعب الفترات التي عشتها لولا صلابتي وإيماني بأنني لا أنكسر، وهو العنوان نفسه الذي وضعته دار نشر ألمانية لسيرتي الذاتية {أنا أبداً لا أنكسر}.

واعتقالك الثالث؟

اتُهمت بالانتماء إلى الحزب الشيوعي المصري، وبأنني مسؤولة عن النشاط النسائي فيه، فيما في الحقيقة لا أعرف هذا الحزب أصلا، وتقرر حبسي 45 يوماً، عبثاً حاول المحامي الإفراج عني. إلا أن رئيس النيابة أبلغه أنه لا يستطيع الإفراج عني بالذات لأنني محبوسة بأمر خاص من رئاسة الجمهورية، لأن كمشيش أصبحت عقدة السادات، وكان زملاؤه في مجلس قيادة الثورة يعيرونه بها لذلك انتقامه مني كان شديداً.

واعتقالك الرابع؟

كنت ضمن اعتقالات سبتمبر 1981 مع فريدة النقاش داخل السجن، من ثم انضمّت إلينا صافيناز كاظم ومجموعة من بينها: لطيفة الزيات ونوال السعداوي، ثم نُقلت المجموعة ومعها صافيناز، وبقينا فريدة وأنا وحدنا، بعدها خرجت فريدة وبقيت وحدي في السجن. بعد اغتيال السادات أفرج مبارك عن المعتقلين باستثناء أبوالعز الحريري ونبيل الهلالي وأنا، فخرجنا  في آوخر 1981.

مسيرة عسيرة وثمن فادح، هل ثمة شعور بالندم لديك؟

فخورة بحياتي ومسيرتي وانتمائي إلى قريتي كمشيش، وهي مدرستي التي تعلمت فيها أنني لا أستطيع العيش بمعزل عن الناس، لست من النخبة ولا أحب هذا المصطلح، وارتبط بالناس على الدوام. تعلمت في مدرسة كمشيش ونجحت في برلمان كمشيش. آمنت بقضية ودفعت ثمناً فادحاً، فقدت الزوج وكنت في السابعة والعشرين من عمري، وفقدت ابني وسيم الذي تُوفي في الغربة وأنا في السجن من دون أن أراه. لست نادمة بل أنا راضية عن مسيرتي النضالية المتصلة التي لم تنقطع فيها يوماً معركتي لأجل وطني وشعبي.

{أصبح الصبح... فلا السجن ولا السجان باقي»، أشهر بيت شعر عرفه العالم العربي منذ أكثر من نصف قرن، كتبه شاعر السودان الكبير محمد الفيتوري، يستدعيه، دوماً، مبدعون جربوا ظلام الزنازين وقدموا تجارب إبداعية رغم القيود والقضبان.

back to top