سليمان العسكري: الكويت تشهد صراع أفكار لا فتنة

نشر في 29-06-2014 | 00:02
آخر تحديث 29-06-2014 | 00:02
● النظام الدكتاتوري وسيطرة الفرد عودة إلى التخلف

يتحفظ رئيس تحرير مجلة «العربي» السابق الدكتور سليمان العسكري عن استخدام كلمة فتنة، مفضلاً لفظ صراع الأفكار حول ما يجري في المشهد الكويتي راهناً، مؤكداً أن الصراع السني- الشيعي استخدم كوقود لتمزيق المنطقة وأن ثمة أنظمة عربية أدَّت دوراً مهماً في صناعة مجموعات دينية مقاتلة. كذلك يشير إلى أن التنظيمات التي تنتهج العنف والقتل محكوم عليها بالفشل، مؤكداً أن غياب المجتمع المدني أسهم بشكل فاعل في انتشار الإرهاب.
ويرى العسكري في حواره مع «الجريدة» أن العودة إلى الدكتاتوريات هي عودة إلى التخلف، معتبراً أن المنظومة التعليمية العربية متخلفة وأن الإعلام ومناهج التربية على طرفي نقيض. في ما يلي نص الحوار.
ما أسباب ظهور الفتنة في المجتمع؟

يعني تعبير “الفتنة” أمراً جللاً كبيراً، وما يجري على الساحة المحلية هو صراع واختلاف في الرأي ضمن حدود وضوابط لا تزال تحكم الوضع، ولم تصل الى حدود الفتنة، إنما مرحلة متقدمة من صراع الأفكار والرؤى في المجتمع الكويتي ستؤثر على تشكيله وفي مستقبله. لكن علينا أن نفهم بأن هذا الحراك السياسي الذي أخذ أحياناً شكل العنف هو محصلة لسياسات نُفذت على مدى عشرات السنين فأدت الى بروز قوى اجتماعية وأفكار ومطالب جديدة أوصلت إلى المرحلة التي نعيشها الآن بحراكها الذي يراه بعض المراقبين أنه جديد على المجتمع الكويتي، بينما ما نشاهده هو نتاج وحصاد تلك السياسات وما أفرزته من قيم وتكتلات تمثلت في تجزئة الولاءات من الوطن الموحد الى ولاءات ترتد الى القبيلة والمذهب والطائفة، بديلا وملجأ عن الوطن.

ما الذي يشكّل الخطر الأكبر في هذا الواقع؟

القوى الخارجية التي وجدت فرصتها في تغذية هذا الانقسام لتحقيق مصالحها وطموحاتها وتدعيم نفوذها في البلاد، وذلك من خلال قوى هامشية أغدقت عليها المال والدعم السياسي.

ما يجري هنا ليس معزولا عن مؤثراته الخارجية والأحداث من حولنا خليجياً وعربياً،  فالأحداث الكبرى لا تنبع من فراغ بل هي نتاج لمقدمات وأسباب تسبقها وتهيئ لها. الواقع الغربي المعاصر سياسياً هو نتاج مرحلتين الأولى مرحلة الاستعمار الغربي المباشر (بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وحتى إسبانيا) ومرحلة تالية هي ما أطلق عليها مرحلة الاستقلال والدولة الوطنية والتي قادتها أنظمة عسكرية أو شبه عسكرية.

 هذه المرحلة فشلت وعجز حكامها عن فهم الواقع الوطني والدولي، وساسوا شعوبهم بأساليب ووسائل مرحلة المستعمر، لكن بشعارات وطنية، فتفردت السلطة بالثروة والجاه، وقبضت بيد من حديد من خلال السجون والتعذيب والقتل لكل من حاول أن يقول لا، وجاءت الثروة البتروليه لتزيد من تسلط هؤلاء الحكام وطغيانهم، كما يحصل في العراق وليبيا والجزائر وحتى في اليمن والسودان.

هل أسهم فشل حلم القومية العربية في نمو التيارات الإسلامية ومحاولة تحقيق حلم دولة الخلافة؟

علينا أن نعي أن القوى السياسية في مرحلة الاستعمار الغربي تشكلت تحت تيارين رئيسين عريضين: تيار قومي وطني وعروبي يسعى إلى التحرر من الاستعمار ويحلم بإقامة دولة عربية موحدة حديثة، متأثرة بأفكار حركات الإصلاح الديني والفكري في أوروبا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر،  وتيار يعتبر أن الاستعمار سبب سقوط دولة الخلافة في تركيا ويتحمل مسؤولية في ذلك، وناضل تحت مظلة إقامة المجد الإسلامي بإعادة إقامة الدولة الإسلامية.

برحيل الاستعمار وقيام الدولة الوطنية افترق التياران، ووقف الزخم الشعبي وراء الدولة الوطنية الداعية والساعية نظرياً إلى دولة الوحدة العربية، لكن أنظمة الحكم الوطني فشلت في بناء مجتمعاتها وإدارتها، وعمقت الكبت والتسلط على الشعوب، كذلك فشلت في التنمية وهزمت، مراراً، في مواجهاتها العسكرية ضد الاحتلال اليهودي لفلسطين، وأدى هذا الفشل الذريع إلى نمو تيار يدعو إلى الدولة الإسلامية، وإعادة بناء دولة الخلافة، وما يجري اليوم على امتداد البلاد العربية هو امتداد لصراع تلك القوى الوطنية والدينية وإن تبدل بعض أدوات الصراع، سواء النظري الفكري منها أو الوسائل والأدوات المادية.

هل ما نحن فيه الآن من تضارب وتشاحن وانحسار لتيار الإسلام السياسي امتداد لهذه الفتنة أو الصراع كما تسميه؟

تتصارع التيارات السياسية كما كانت تتصارع في السابق، وحتى لحمل السلاح الآن سوابق لدى بعض الحركات الشيوعية واليسارية في جنوب العراق وشماله، وفي ظفار وفي جنوب اليمن (سابقاً) وفي الجزائر والمغرب، وحتى في الحرب الأهلية اللبنانية حملوا السلاح ضد الانظمة الحاكمة أو المتعاونة مع الاستعمار، وحالياً تتبنى قوى أفكاراً ومبادئ متطرفة، وتدافع عنها لتحقق طموحاتها ورؤيتها بقوة السلاح.

تتصارع هذه القوى المختلفة في ما بينها وتحول الصراع الآن من سلمي سياسي فكري إلى عنف وحشي في الشوارع لتدمير المنشآت والقتل على الهوية، وطرحت أفكاراً متطرفة تنفي الآخر وتلغي وجوده بالتكفير والتخوين وحرمانه ليس من حقوقه السياسية، بل من حقه في الحياة.

هذا ما نشاهده الآن في بعض التنظيمات التي تطلق على نفسها إسلامية، كالقاعدة في أفغانستان وباكستان والعراق والشام وليبيا أخيراً، وأنصار الشريعة، وهي في واقع الأمر، تعمل تحت مظلة «تيار الإسلام السياسي»، واختلافاتها مجرد فروع وهوامش، إنما يجمعها حلم إعادة تفريخ الخلافة الإسلامية.

فوضى واضطراب

هل ساهمت القوى الخارجية في استغلال الوضع وخلطت الأوراق؟

نعم تسللت القوى الخارجية إلى داخل العالم العربي والإسلامي في هذه المرحلة من خلط الأوراق، مستفيدة من الفوضى والاضطراب لتمدّدها بإنشاء مجموعاتها لتوظيفها في خدمة مصالحها وأطماعها، وربما وجدت بعض المناطق الاستعانة بهذه التنظيمات لتقاتل نيابة عن جنودها، وأدى بعض الأنظمة العربية أدواراً مهمة في صناعة مجموعات إسلامية مقاتلة، استخدمتها ضد جيرانها أحياناً، وضد معارضيها في الداخل أحياناً أخرى، ولا يمكن فهم الأحداث الآن في العراق وسورية إلا ضمن هذا السياق.

هذا يعني أن التيارات الإسلامية مخترقة من الدول الغربية؟

جزء منها مخترق من الغرب ومن أنظمة عربية وإسلامية أيضاً، وعلينا أن ننظر بإمعان إلى قضية التمويل، فحتى تدرب مجموعة على حمل سلاح متطور في نوعيته وليس بندقية أو مسدساً للاغتيالات، تحتاج إلى وقت وأموال كثيرة وخدمة لوجستية في التنقلات والإخفاء وتزوير الجوازات، فمن أين أتت هذه الأموال؟

مهما قلنا عن التبرعات التي تجلب من الأفراد أو المؤسسات في منطقتنا أو من بعض الأطراف الأخرى في العالم الإسلامي فما نراه على الأرض، منذ سنوات طويلة، من القتال والتحركات إنما تقف خلفه أموال هائلة، فمن يدفع ثمن هذه الأسلحة المتطورة؟ وحتى لو توافرت الأموال من أين تشترى؟

يتحدث الروس والأميركيون والأوروبيون دائماً عن القيود المفروضة على بيع الأسلحة ولكن نفاجأ بأن تنظيم تعداده يفوق عشرة آلاف شخص مدربون يتسللون بكامل أسلحتهم، فجأة، إلى قلب دولة عربية أو إسلامية ويملكون من الأسلحة والذخيرة كميات ضخمة، بل وتتدفق عليهم الأسلحة والأموال باستمرار.

هل تقصد مافيا السلاح والسوق السوداء أم دولاً بعينها؟

مافيا السلاح والسوق السوداء هي دول وأنظمة حاكمة. ثمة دول تدعم وتصرف لخدمة مصالحها، وتقيم تحالفات مع التنظيمات التي تقاتل، وبعضها واع  لمصالح هذه الدول، لكنه يرى أنه تبادل مصالح وخدمات.

 الظاهرة البارزة  أن زعماءهم وقياداتهم القتالية محدودو الفكر والتعليم ولا يفقهون شيئاً في العلاقات الدولية، ويفتقرون إلى رؤية واضحة للعالم الآن، وكيفية إعادة بناء مجتمع، وهذا العالم يتطور يومياً وتغيّر الاختراعات فكر البشرية كل يوم، لكن هم بعيدون تماماً عن هذا الواقع ومجرياته.

نضال سياسي

يجعلنا هذا الواقع نتساءل كيف ترى المستقبل السياسي لهذه التيارات الإسلامية؟

هذه التنظيمات التي تسمى نفسها إسلامية وتعتمد على العنف وإلغاء الآخر، محكوم عليها بالفشل، لأنها لا تملك برنامجاً أو فكراً محدداً في بناء المجتمع وتسيير أموره السياسية والاقتصادية وعلاقاته الدولية، وثمة قوى ذات مصلحة تعمل على تمديد فترة زوال هذه القوى لأنها تستخدمها في التدمير.

 دُمِّر العراق ثم دخلوا سورية  وحرفوا كفاح الشعب السوري المطالب بالحرية والإصلاح ومحاربة الفساد.

يفترض بالنضال السياسي في أي مجتمع تقوية هذا المجتمع، لأن الركود يؤدي إلى فساده، فالحراك السياسي ووجود معارضة تطرح أفكاراً جديدة وتنتقد السلطة، من أبرز الوسائل للإسراع في النهضة وتطور المجتمع، لكن عندما تتخذ هذه القوى من الدين وسيلة للوصول إلى السلطة وتفجر العقول قبل الأجساد، فحتى لو تسلمت السلطة فسوف تتناحر في ما بينها والتاريخ شاهد ويعلمنا الكثير.

كما حدث في أفغانستان عندما تسلموا السلطة مثلاً؟

أنا مندهش لماذا تناسى العرب والمسلمون الصومال، فتجربتها أوضح من أفغانستان، لا سيما أن موقعها استراتيجي، فدمرتها هذه القوى في صراعات داخلية قبلية، ورفعت أعلاماً إسلامية وتحولت إلى عصابات مسلحة وقراصنة، يخطفون السفن ويقتلون ويشيعون فساداً في ظل غياب الدولة. هذا النموذج أشاعوه في العراق وأفغانستان ثم في سورية وليبيا، وثمة محاولات في أكثر من دولة عربية وإسلامية.

ثمة خطة منهجية تسير بخطى منتظمة في سيناريو متكرر؟

صحيح. لا يتذكر العرب ماذا حدث في الصومال للخروج بعبر ودروس، فهم مشغولون بالماضي وغير منتبهين للمستقبل.

يعتبر البعض أن التعددية المذهبية سمحت لمزيد من الفرقة بين المسلمين وبالتالي انتشار الفتن بينهم، فما رأيك؟

استخدمت كوسيلة وأداة جيدة لمشروع الفرقة، لكن التعددية المذهبية، في حد ذاتها، ليست السبب. لنأخذ الخليج كمثال، فقد وجدوا أن سكان الخليج ينتمون إلى مذهبين هما السنة والشيعة، وقامت الثورة الإسلامية في إيران رافعة شعار تصدير الثورة، ليس بمفهوم إنصاف المظلومين والمحرومين، ولكن بهدف نشر المذهب الشيعي وسيادته في الدول السنية، كأداة للنفوذ والهيمنة، وقد وقعوا في الخطأ لأنهم تصوروا أن المذهب الشيعي هو الثوري والسني، هو المذهب الرجعي، واعتبرت كتابات إيرانية أن الثورية في الفكر الشيعي والرجعية في الفكر السني. بالتالي، استخدم هذا الصراع السني الشيعي كوقود لتمزيق نسيج المنطقة، في وقت يبدو فيه العراق بلد التعايش منذ مئات السنين بين السني والشيعي، ويفتخر بعروبته.

 وحتى حزب البعث قبل الحرب العراقية الإيرانية اعتبر حزباً قومياً، يتكون من أعضاء سنة وشيعة سواء على مستوى الكوادر القيادية أو الأعضاء، وربما كان عدد الشيعة فيه أكثر من السنة، حتى في لبنان كانت قيادات الأحزاب الشيوعية واليسارية والقومية تنتمي إلى المذهب الشيعي ولكن حدث الفرز بعد قيام الدولة الاسلامية في إيران.

ماذا عن الكويت، ألم تتأثر في هذا الصراع؟

لم تشهد الكويت مشكلة بين شيعي وسني فالكل كويتي. الصراع الشيعي- السني هو أمضى الأسلحة التي مزقت العراق. على مدى أكثر من ثلاثين سنة يخوض العراق حرباً أهلية قذرة بين سني وشيعي، وقد فرض المحتل الأميركي أنظمة وقوانين دعمت هذا الصراع.

مع الأسف، نقل هذا الصراع السني- الشيعي إلى سورية حيث كانت تتواجد قوى ديمقراطية تضم مسيحيين ومسلمين، سنة وشيعة وعلويين، وأحزاباً معارضة للنظام الديكتاتوري، وكانت تطالب بمزيد من الحريات وبدستور تقدمي ليبرالي، ولكن تحولت سورية خلال ثلاث سنوات إلى بلد مدمر بعدما دخلت إليه قوى متخلفة، ونسيت القضية الأساسية المطالبة بالديمقراطية.

مؤسسات تربوية

برأيك ما دور المؤسسات التربوية المحلية في تكوين نسيج اجتماعي محصن ضد الفتنة والتفتيت؟

من يملك إعادة برمجة مؤسسة التعليم العام والجامعي وتنظيمه من حيث المناهج وتحديث الإدارة لدية سلطة القرار وهي الحكومات القائمة. والسؤال: هل حكوماتنا سواء في الخليج أو خارجه قادرة أو واعية لأهمية هذا الموضوع؟

هل تريد هذه الحكومات بالفعل إصلاح التعليم أم تتعمد أن تظل المنظومة التعليمية على هذا المستوى والشكل؟

أشك أنها متعمدة، وأظن أن حدود تفكيرها ووعيها يؤكد لها أن هذا التعليم فحسب هو المناسب لنا. عموماً، الحديث عن تطوير التعليم ليس ترفاً وحديث تسالي، فالعالم من حولنا أثبت ألا نهضة وتطور ومحاربة للفقر إلا بالبدء بالتعليم.

ولكن ما هو التعليم الذي يؤدي إلى النهضة؟ أشير هنا، للتبسيط، إلى تجربتين معاصرتين: تجربة كوريا الجنوبية في آسيا، وفنلندا في أوروبا. كانتا تعانيان الفقر والتخلف ولا تملكان أي مصادر للثروة، فأصبحتا الآن أحد أكثر الدول صناعة واختراعاً وتقدماً اقتصادياً. فنلندا مثلا لا تملك النفط أو الحديد أو الذرة واقتصادها أفضل من الكويت، ودخلها السنوي أضعاف دخل الكويت من الصناعة، بعدما بدأت تغيير التعليم ونظمه وبرامجه ومناهجه، فأنشأت التعليم الحديث وحمت هذه التجربة. أما كوريا فغيرت كل مناهج التعليم.

لا يعني التغيير تبديل قصيدة بأخرى، فهذا ما يفعله المتخلفون، بينما التطوير في العقلية أن تفهم ماذا سيحدث لك وللعالم بعد عشرين سنة، وماذا تريد، فالمطلوب إعادة البرمجة وإدخال العلوم الحديثة في مناهج التعليم. إذا وجدت إرادة قوية وإدارة تطبق هذه الإرادة وتحميها فأنت في الطريق الصحيح، إنما ما زال الوضع سيئ ويزداد سوءاً، وأظن أن هذا ينطبق على أنظمة التعليم في البلدان العربية، لكن ثمة تفاوتاً في ما بينها في مستوى التخلف.

هل يبدأ الإصلاح من التربية والتعليم؟

ليست لدينا وسيلة أخرى، فالمطلوب إعادة النظر في كل مناهجك التعليمية وتبني مناهج جديدة، يكون العلم عنوانها، وينتهي عصر المدرّس الأوحد الآمر، الذي يجب أن يتحول إلى صديق للطالب ويساعده على التعلم.

هل تعتقد أن الشعوب العربية مهيأة للديمقراطية وتستطيع التعايش معها في الأجواء الراهنة؟

الديمقراطية نظام سياسي حديث وهذا الحراك المسمى بالربيع العربي، بغض النظر عن التدخلات التي حدثت فيه، جاء كانفجار نتيجة للكبت المخزون داخل النفوس سنين طويلة، فنحن نحتاج إلى وقت لتتشكل المؤسسات الديمقراطية وتمارسها عملياً، وأرى أن مرحلة الصراع الديمقراطي هي التي تسرّع مرحلة البناء وتحميها، فالعودة إلى الخنوع إلى الديكتاتوريات وسيطرة الفرد، هي عودة إلى التخلف. تكمن الديمقراطية في أن يحترم كل طرف حرية الآخر وحقوقه، وتتم التسويات بالإقناع والمصارحة والتوافق وليس بالقهر والانفراد بالرأي.

أدى الإعلام بنوعيه الخاص والحكومي دوراً سلبياً في تعميق الفرقة بين الشعوب وتفتيت المجتمعات العربية وإثارة الفتنة، هل توافق على هذه الرؤية ولماذا؟

الإعلام الآن وأدواته الحديثة أكبر تحدٍ في عالمنا العربي والإسلامي، لأن تأثيره أكبر من المدرسة، فالطالب يذهب إلى المدرسة ويحضر مجموعة من الحصص يلقنه فيها المدرسون المعلومات والأفكار، ويخرج متأثراً بما تعلمه، لكن عندما يخرج من المدرسة يتعامل مباشرة ومن دون وسيط، ابتداء من التلفون المحمول بكل برامجه والإنترنت، كل هذه الوسائل وغيرها متاحة للطلاب، وبالتالي تأثير الإعلام أخطر من المدرسة، فهو يؤثر على الأسرة والمجتمع ككل، ومن هنا تأتي خطورته.

ماذا عن سيطرة رجال الأعمال على الإعلام؟

يسيطر رجال الأعمال على الصحافة والتلفزيون لخدمة مصالحهم التجارية ومواقعهم السياسية التي توظف لخدمة تلك المصالح التجارية.

حتى وإن كانت مصالحهم تؤثر سلباً في المجتمع؟

نعم التأثير الغالب سلبي، وتخدم الفضائيات والصحافة في مجتمعاتنا العربية رؤية الحكومات والمصالح المتحالفة معها وتؤثر في الناس يومياً. لكننا نرى الإعلام البعيد عن سيطرة الدول يؤثر على قطاعات جديدة في المجتمعات العربية، لا سيما  الشباب، وبدأ الإعلام الرسمي يقل تأثيره تدريجياً على الأجيال الجديدة.

 ومع تطور التعليم وانتشار الوعي  لدى المواطنين، سيتراجع  تأثير هذا الإعلام، وهذا ما حدث في أوروبا، بينما نعيش حالياً إعلاماً ناقلاً لبرامج قادمة من خارج مجتمعاتنا، كلها تقليد ممسوخ لبرامج دول أخرى، وتراجعت الفنون والآداب، وسيطرت الخرافة وبرامج تفسير الأحلام، فلا الإعلام يخدم العملية التربوية ولا مناهج التربية تصلح الإعلام حتى لا يعيش الطالب في تناقض بين ما يتعلمه وما يراه، فيَحدُث تناقض في تفكيره لا يمكن معه أن ينمو بشكل علمي صحيح ومتوازن.

ما موقف المجتمعات المدنية من الحركات الدينية في الوطن العربي بعد وصم بعضها بالإرهاب وإحداث فجوة مجتمعية كبيرة بينها وبين الناس؟

للأسف، ما زالت مجتمعاتنا العربية تابعة للحكومات، السلطة هي التي تقرر والمجتمعات تسير خلفها حتى لو انتقدتها وتذمرت منها، لكن المجتمعات المدنية تدير نفسها بعيداً عن أجهزة الدولة، وتشكل حراكاً شعبياً جماعياً منظماً، يراقب أداء الدولة وأجهزتها ويكشف عيوبها، للمساهمة في الإصلاح، والمشاركة الإيجابية التي تجعل المواطن لا ينتظر ما تقدمه له الدولة، بل يصبح جزءاً من مجموعة متحركة تشعره بالأمان والاطمئنان والحماية، ولدينا نقابات عمالية واتحادات طلابية وجمعيات نسائية وأحزاب، جميعها أجهزة تطلب معونة الدولة وحمايتها، ولا تذهب إلى الجماهير التي تمثلها  وتثقفها وتوعيها وتنظيمها في كتل فاعلة.

وهذا هو المجتمع المدني الذي يوجه الدولة، وإذا أخطأت يحاسبها. ونتيجة غيابه، استشرت ظاهرة الإرهاب، ونشطت التنظيمات التي تريد أن تدمر من دون أن تقدم البديل، ونمت التجمعات السرية التي تجذب الشباب وتستوعب طاقاتهم وتطلعاتهم لتملأ الفراغ الذي تركته الدولة والمجتمع المدني، وقدمت لهم أفكاراً غيبية تخدرهم عن واقعهم. لذلك على المجتمع المدني تحمل المسؤولية قبل الدولة في مواجهة ظاهرة الحركات الدينية المتطرفة، وكشف أهدافها وأساليبها للناس، وربما العمل على تقويم أفكارها لإعادتها إلى طريق الصواب، لما فيه خدمة الوطن والمواطن.

 الحملة التي تشهدها بعض الدول العربية ضد الارهاب والمنظمات التي تحمل السلاح هي أمنية ولن تنهي التطرف والغلو في الافكار، وهذه مهمة المجتمعات المدنية ودورها في الحراك السياسي الشعبي للتوعية ولدرء المخاطر. هذه الظاهرة لن تنتهي بسهولة ولا بد من خطط وبرامج طويلة الأجل تعتمد على الفكر والثقافة ومناهج التعليم والتحول إلى التفكير العلمي في حياتنا.

back to top