ما معنى استياء روسيا من كوريا الشمالية؟

نشر في 31-12-2013 | 00:01
آخر تحديث 31-12-2013 | 00:01
No Image Caption
 Stephen Blank  الأمر الواضح هو أن شيئاً لم يمنع بيونغ يانغ من التسلح نووياً، ففي غضون ذلك أصبح الوضع الإقليمي أكثر خطورة مع تنامي إمكانات كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية ومع تورط الصين في صدام مع اليابان والولايات المتحدة.

يبدو أن قرار كيم يونغ أون الأخير بطرد عمه جانغ سونغ ثايك ومسؤولين بارزين آخرين بطريقة وحشية يرتبط بخلاف عالي المستوى بشأن علاقات كوريا الشمالية مع الصين. نتيجةً لذلك، قد نشهد ارتفاعاً في حدة التوتر بين بيونغ يانغ وبكين، لكن الصين ليست حالة معزولة في هذا المجال، فلم يلحظ معظم المراقبين أن كوريا الشمالية نجحت، حتى قبل قرار الطرد، بتهميش روسيا، ويبدو أن تلك النزعة لا ترتبط بالسياسات المحلية في جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية.

لم يفعل كيم يونغ أون شيئاً لدعم الاتفاقيات القائمة بين روسيا وكوريا الشمالية بعد أن نجح والده كيم يونغ إيل في إقرارها في عام 2011 مع الرئيس الروسي آنذاك ديمتري ميديفيديف، فعُقدت تلك الاتفاقيات نتيجة مبادرة روسية نجمت عن الأزمات التي شهدها عام 2010، لا سيما إقدام كوريا الشمالية على قصف جزيرة يونبيونغ فضلاً عن ضرب سفينة "تشيونان" الكورية الجنوبية. أعلن المسؤولون الروس في سبتمبر 2010 أن المنطقة أصبحت على عتبة الحرب، وقد أدركوا أن اندلاع الحرب سيؤدي إلى تضرر المصالح الروسية الاستراتيجية الحيوية والمادية الملموسة، لكن لم تملك موسكو أي ورقة ضغط على كوريا الشمالية وكان نفوذها ضئيلاً في كوريا الجنوبية.

بلغت المبادرة الروسية الدبلوماسية ذروتها في الاتفاقيات التي عُقدت في أغسطس 2011 بين ميدفيديف وكيم يونغ إيل، فأعلنت كوريا الشمالية عن استعدادها للتفكير باحتمال إنشاء سكة حديد عابرة لكوريا ومرتبطة بسكة الحديد العابرة لسيبيريا، فضلاً عن بناء خط أنابيب للغاز يكون عابراً لكوريا ويرتبط بمنشآت غاز روسية. يمكن أن تفرض كوريا الشمالية بعد ذلك رسوماً على مرور الغاز في أرضها، وقد تستغل ذلك الغاز في نهاية المطاف كخيار بديل محتمل للطاقة النووية مستقبلاً. حبذت كوريا الجنوبية الفكرة لأنها تسمح لجمهورية كوريا بالاستثمار في كوريا الشمالية من دون التخلي عن العقوبات والسياسات السابقة التي أعلنتها، ولأنها تخفف حدة التوتر بين البلدين. في غضون ذلك، منح ذلك الاتفاق بعض الأمل لروسيا من أجل تحديث الموقع الروسي الهامشي في المحادثات السداسية تزامناً مع اكتساب ورقة ضغط على الكوريتين وتخفيف التوتر السائد. حتى إن روسيا أعفت دولة كوريا الشمالية من ديونها كجزء من الاتفاق.

لكن خلال السنتين اللاحقتين، لم نسمع من كوريا الشمالية ما يمكن أن يحرز تقدماً إضافياً استناداً إلى تلك الاتفاقيات من عام 2011، وتعكس أفعال روسيا الأخيرة، مع أن الكثيرين لم يلحظوها، استياءها من حكومة كوريا الشمالية. خلال قمة "التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ" في بالي، ثم مجدداً في سيول في نوفمبر 2013، أعلن الرئيس فلاديمير بوتين استعداد روسيا لبناء خط أنابيب غاز تحت الماء، على أن يمتد من روسيا إلى كوريا الجنوبية مباشرةً، رغم ارتفاع الكلفة. بعبارة أخرى، يبدو أن بوتين مستعد لتجاوز كوريا الشمالية، كما أنه عرض على كوريا الجنوبية، وليس الشمالية، جميع أنواع الفرص الاستثمارية، بما في ذلك الدخول في مشاريع مشتركة حول سكة الحديد الروسية من ميناء راجين-سنبورغ في كوريا الشمالية إلى بلدة خاسان الروسية. كان لافتاً ألا يذكر بوتين شيئاً عن مشاركة كوريا الشمالية، ما يشير بكل وضوح إلى استياء روسيا من جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية. عدا تلك المؤشرات الضمنية لكن الواضحة، عبّر المعلقون الروس عن انزعاجهم من كوريا الشمالية بشكل أوضح. ادعى وزير الخارجية السابق إيغور إيفانوف أن روسيا قد تلعب دوراً مهماً في التسوية داخل كوريا عبر تطوير علاقات اقتصادية مع كوريا الجنوبية وليس كوريا الشمالية. كذلك كتب المحللون الروس، من أمثال ألكسندر زيبين من معهد الدراسات الكورية في الأكاديمية الروسية لمركز علوم الشرق الأقصى، أن كوريا الشمالية تصرفت في الماضي من دون مراعاة المصالح الروسية وأن الأمر نفسه يتكرر مع برامجها النووية والصاروخية. تولّد هذه المعطيات أزمات تشبه بحدّتها أزمة الصواريخ الكوبية (وهو مؤشر خطير بالنسبة إلى أي محلل روسي). في ظل الوضع الراهن، قد تؤدي سياسات كوريا الشمالية إلى "أكثر التطورات غير المتوقعة". يعتبر زيبين أيضاً أن كوريا الشمالية لا تزال تهتم بإثبات وجود "خيار موسكو البديل عن الولايات المتحدة وحلفائها وعن الصين أيضاً"، ما يشير إلى أنه يظن أن روسيا تلتزم بالأهداف الكورية التي تختلف عن خطط الولايات المتحدة والصين معاً. لذا حذر بيونغ يانغ من أن "درجة الدعم والتفاهم التي يمكن أن تتوقعها جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية من روسيا يجب أن تتوقف بشكل مباشر على جاهزية بيونغ يانغ للتشاور مع موسكو بشأن المسائل التي تؤثر مباشرةً في مصالحنا الأمنية". يشير هذا التحذير طبعاً إلى استياء موسكو لأن كوريا الشمالية لا تمنح روسيا حق النقض أو حتى ورقة ضغط على قراراتها، سواء كانت تلك القرارات تؤثر في مصالح روسيا الأمنية والحيوية أو لا تؤثر.

تصبح نزعة كوريا الشمالية مقلقة أكثر من أي وقت مضى بالنسبة إلى موسكو عندما تعتبر أن المحادثات السداسية العقيمة تواجه أصلاً وضعاً أمنياً هشاً ومفككاً على شبه الجزيرة الكورية. لا تزال موسكو تشعر بالقلق أيضاً بسبب غياب أي تقدم على مستوى استئناف المحادثات السداسية. في أكتوبر 2013، حذر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف جميع الأطراف من "استعراض العضلات" في كوريا وحثّ على استئناف المفاوضات بأسرع وقت ممكن.

تشير هذه المعطيات كلها إلى حدوث تغيير ملحوظ في السياسة الروسية التي بذلت قصارى جهدها للتواصل مباشرةً مع كوريا الشمالية بعد عام 2010 خوفاً من تجدد أعمال العنف على شبه الجزيرة الكورية. في هذا السياق، أطلقت موسكو مبادرة دبلوماسية تجاه كوريا الشمالية في عام 2011 وكانت ترتبط بهذين الاقتراحين. في ديسمبر 2013، وقّع بوتين مرسوماً لتوسيع العقوبات على كوريا الشمالية ووضع الدبلوماسيين الكوريين الشماليين تحت "مراقبة مشددة".

هاتان السنتان اللتان شهدتا محاولات للتواصل المباشر تركتا روسيا من دون ورقة ضغط على كوريا الشمالية. اليوم بدأت روسيا، وربما الصين، تحصدان نتائج سياستهما التي كانت تقضي بمقاومة الضغوط الأميركية على جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية وتقديم الحوافز لها مقابل استئناف المحادثات السداسية. ربما لا يملك أي من الطرفين النفوذ الكافي أو ربما أصبح استقرار كوريا الشمالية بحد ذاته مسألة مثيرة للجدل الآن كما قال عدد من المعلقين غداة طرد كبار المسؤولين من السلطة. لا يمكن أن نبدأ بتكهن دوافع سياستها الخارجية طبعاً، لكن جاء قرار الطرد ليزيد الوضع تعقيداً. الأمر الواضح هو أن شيئاً لم يمنع بيونغ يانغ من التسلح نووياً. في غضون ذلك، أصبح الوضع الإقليمي أكثر خطورة مع تنامي إمكانات كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية ومع تورط الصين في صدام مع اليابان والولايات المتحدة.

يبدو أن تطور الوضع في كوريا قد يزيد التوتر في شرق آسيا (تنامي نفوذ الصين يثير قلق الأطراف الخمسة الأخرى في المحادثات، ولا تزال كوريا الشمالية قادرة على تطوير برامجها النووية والعسكرية من دون حسيب أو رقيب). قد يساهم ذلك في شرح جهود روسيا لاستعادة أي نفوذ يمكن أن تفرضه على واحدة من الكوريتين على الأقل.

في غضون ذلك، يبدو أن أحداً لا يعلم السبب الذي يدفع كوريا الشمالية إلى التصرف وكأنها تستطيع أن تعادي الصين، حتى روسيا الأضعف منها، من دون مواجهة العواقب. ولا أحد يعرف المنافع التي يمكن أن يحصدها النظام من هذا السلوك. لا تُعتبر روسيا بأي شكل أهم لاعب في المحادثات السداسية، لكن تشير خطواتها الأخيرة إلى أنها بدأت تخشى الوضع الاستراتيجي السائد في كوريا وأن عام 2014 قد يكون عاماً خطيراً على شبه الجزيرة الكورية.

back to top