لا يمكن لأوباما قيادة المحادثات التجارية من الخلف

نشر في 11-12-2013 | 00:02
آخر تحديث 11-12-2013 | 00:02
No Image Caption
إذا كان أوباما سيتقدم بجدول أعمال تجارة القرن الحادي والعشرين الذي وضعه فعلاً، فعليه أن يكون على استعداد لتفكيك إجراءات الحماية الأميركية التي تعود إلى حقبة القرن التاسع عشر. وذلك يعني إنفاق رأسمال سياسي على معارك مع جماعات الضغط المحلية القوية في الولايات المتحدة.
بفعل المصادفة التاريخية، تتزامن الذكرى العشرين لاتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا) مع أزمة بشأن الرعاية الصحية في الولايات المتحدة. وهذ المرة حول البداية المضطربة لقانون أوباماكير. في عام 1993، كانت الأزمة حول خطة الرعاية الصحية لهيلاري كلينتون. وعندما جاء وقت الحسم، اختار بيل كلينتون "نافتا" - التي دخلت بأعجوبة من خلال الكونغرس، بينما انهار قانون الرعاية الخاص بهيلاري.

والآن يرغب الرئيس باراك أوباما أيضا في تمرير أجندة تجارية كبيرة. لكن ليس من الواضح بأي حال من الأحوال، أن لديه شهية كلينتون لاتخاذ المخاطر اللازمة لإنجاز الصفقات المهمة. الاستمرار في الدوران حول الموضوع على رؤوس أصابع قدميه لا يرجح له أن يفيده لفترة طويلة.

على الورق، كانت تطلعات أوباما عالية، إذ تعتبر محادثات الشراكة عبر المحيط الهادي TPP ونظيرتها للشراكة التجارية والاستثمار عبر المحيط الأطلسي TTIP معاً، أكثر الأجندات طموحاً في مجال التجارة الأميركية منذ "نافتا" وجولة الأوروجواي في التسعينيات من القرن الماضي.

وقد أُقِرت الاتفاقيتان الأخيرتان خلال المراحل الأولى من توسع الأعمال الأميركية الأكثر قوة منذ الحرب العالمية الثانية. وتأتي المحادثات التجارية اليوم وسط انتعاش فاتر تماماً وانخفاض في دخول الطبقة المتوسطة في الولايات المتحدة. وعلى النقيض من المكسيك، حيث يتم الاحتفال بذكرى "نافتا" دون خجل، لم يشعل أحد في واشنطن أي شموع.

المسار السريع

وعقبة أوباما الأكثر إلحاحاً توجد في "كابيتول هيل". ويأمل المفاوضون في آسيا وأوروبا في أن يحصل من الكونغرس في الأسابيع المقبلة على سلطة التفاوض ضمن المسار السريع، التي بدونها من غير المرجح أن تتقدم المحادثات مسافة بعيدة. وموقف أوباما الحالي هو تجنب ذكر المسار السريع على أمل أن مثل هذا التكتم سيجعل من السهل الحصول على موافقة الجمهوريين. وكما هو متوقع، معظم الأعضاء الديمقراطيين معارضون. وقد تكون السلبية مسار أوباما الأكثر حكمة، خاصة مع تراجع شعبيته في استطلاعات الرأي، حيث علِقت نسبة الاعتراض عليه عند 55 في المئة. لكن السلبية لن تجعله يقطع مسافة بعيدة. فالقيادة من الخلف ليست استراتيجية للتفاوض مع البلدان الأخرى.

لتحقيق الغايات يجب أن تتوافر لديك الإرادة في الوسائل. وإذا كان أوباما سيتقدم بجدول أعمال تجارة القرن الحادي والعشرين الذي وضعه فعلا، فعليه أن يكون على استعداد لتفكيك إجراءات الحماية الأميركية التي تعود إلى حقبة القرن التاسع عشر. وذلك يعني إنفاق رأسمال سياسي على معارك مع جماعات الضغط المحلية القوية في الولايات المتحدة - مع أن مخزونه منخفض بشكل خطير. ويرغب شركاء الولايات المتحدة في اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي، مثل فيتنام وماليزيا وأستراليا ونيوزيلندا، في كسر الحواجز الأميركية المرتفعة على المنسوجات، والملابس، والألبان، والسكر. ولاتزال الولايات المتحدة تفرض حصص استيراد شحيحة على هذه القطاعات، بينما قفزت التعريفة عالياً لتصل إلى 66 في المئة على الأحذية.

الصادرات

كذلك قامت معظم اقتصادات الشراكة عبر المحيط الهادئ ببناء جدران لإبعاد خدمات الأعمال الأميركية - وهو مجال أميركا الأقوى الذي تتمتع فيه بميزة نسبية. ووفقاً لتقرير أعده تيد ألدن، من مجلس العلاقات الخارجية، بلغ معدل التعريفة المعادلة على صادرات شركات الخدمات الأميركية 66 في المئة في الصين و44 في المئة في المكسيك، مقارنة بـ8 في المئة و5 في المئة على التوالي فقط على السلع الأميركية. والصين ليست جزءا من الشراكة عبر المحيط الهادي. وسيكون لأوباما أمل ضئيل في تحسين وصول صادرات الخدمات الأمريكية إلى منطقة المحيط الهادي الآسيوية، إذا لم يكن باستطاعته تقديم تنازلات كبيرة في المقابل. وحتى كلينتون تراجع في التصدي لجماعات الضغط في صناعة المنسوجات والسكر الأميركية.

والوصول إلى صفقة جيدة مع أوروبا يتطلب من أوباما أيضاً المخاطرة بمواجهات حاسمة في الوطن، على الأغلب مع حزبه. فقد أوضح الديمقراطيون الليبراليون الشعبويون، ومن ضمنهم إليزابيث وارن، وهي عضو مجلس الشيوخ عن ولاية ماساشوسيتس، أنهم سيعارضون صفقة خدمات مالية مع أوروبا، إذا كانت تنطوي على التخفيف من إصلاحات وول ستريت ضمن قانون دود فرانك. وهذا بدوره يشجع أوروبا على الإصرار على موقفها بشأن سلامة الغذاء، ولديها بالفعل معايير أكثر صرامة من الولايات المتحدة.

استياء ألماني

والأمر نفسه ينطبق على الخصوصية. والعامل غير المساعد هنا هو أن ألمانيا، اللاعب الأوروبي الأساسي، لاتزال تشعر بالاستياء بسبب تسريبات إدوارد سنودِن، لاسيما الوثيقة المسربة التي تشير إلى أن الهاتف الخليوي لأنجيلا ميركل ظل عرضة للتنصت منذ عام 2002، أي قبل ثلاثة أعوام من توليها منصب المستشارة. وهنا مرة أخرى، لن يحقق أوباما أي شيء ما لم يحتل موقعاً على الخطوط الأمامية. إن تهميش الخصوصية، وسلامة الغذاء، والخدمات المالية من شأنها سلب أي اتفاق من فاعليته.

ويحذر مسؤولون من أن الموعد النهائي غير الرسمي في منتصف عام 2014 لإتمام مفاوضات شراكة التجارة والاستثمار عبر المحيط الأطلسي، من المحتمل الآن أن يؤجَّل إلى عام 2015. ولحظة الحقيقة في محادثات المحيط الهادي قد تكون أقرب.

وعلى الجانب الإيجابي، رأي الولايات المتحدة أكثر واقعية في هذه الأيام بشأن الحلول الوسط فيما يتعلق بالعولمة. فعلى عكس المخاوف من الآثار السلبية لـ"نافتا"، التي أخرجتها عن مسارها عام 1993، يبدو أن الأميركيين اليوم سلَّموا أمرهم بشكل محبط للاندماج العالمي.

انعزال أميركا

ووفقاً لاستطلاع للرأي أجراه الأسبوع الماضي مركز بيو للأبحاث ومجلس العلاقات الخارجية، قال 52 في المئة من المشاركين إن على الولايات المتحدة "أن تهتم بشؤونها الخاصة على المستوى الدولي" - وهو أعلى مستوى من الانعزالية منذ طرح هذا السؤال لأول مرة قبل نصف قرن. لكن نسبة لافتة للنظر تبلغ 77 في المئة قالت إن تعزيز التجارة الدولية سيكون جيداً بالنسبة للولايات المتحدة. لذلك فالخلفية موجودة وما على أوباما سوى المضي قدماً.

والقبول الشعبي لا يعني بأي حال شيكاً على بياض، فقد أبرزَ استطلاع الرأي أيضاً وجود فجوة هائلة بين الأميركيين العاديين والأعضاء الألفين الذين ضمهم مجلس العلاقات الخارجية في الاستبيان – وهم أفضل شريحة تمثل النخبة في الولايات المتحدة. ففي حين قال أكثر من 80 في المئة من الأميركيين إن "حماية الوظائف" ينبغي أن تكون الأولوية الرئيسية لأميركا، وافق 29 في المئة فقط من أعضاء المجلس على ذلك. وحتى يتمكن الرئيس من تسويق الاتفاقيات التجارية الكبيرة خارج نطاق واشنطن، يحتاج إلى إقناع الأميركيين بأنهم سينتفعون منها.

* إدوارد لوس | Edward Luce

back to top