فهد العسكر... صوت حي رغم الغياب (1-2)

نشر في 20-07-2014 | 00:02
آخر تحديث 20-07-2014 | 00:02
تفرد بأفكاره الجديدة وتميز بشعره الحديث

لا يبرح الشاعر فهد العسكر ذاكرة المشهد الثقافي والفني في الكويت رغم مرور أكثر من 60 سنة على رحيله، كونه مادة خصبة للباحثين والفنانين في نتاجهم الأدبي والفني.
الشاعر فهد العسكر شَغل عصره وشُغل به، احتفل بنفسه وبغزله وبوصفه، ولم يلهه ذلك عن قضايا مجتمعه، فأسهم فيها بقصائد شتى، وهو من فحول شعراء العرب من خليجها إلى محيطها. هكذا قال نقاد الأدب ومؤرخوه، وهكذا يشهد ما بقي لنا من شعره، كتب في معظم فنون الشعر، في الوصف والمدح والهجاء والرثاء والغزل والحكم والمناسبات.

مازال صوت العسكر حياً ، واضحاً وجلياً، لتبدأ قصيدته مرحلة جديدة في بنيتها العامة وتحمل الهموم، فاستطاع من يجيد شعره ايجاد أجوبة على استفهامات حول مرحلة، كان الصراع فيها في ذروة لحظاته.

 مولده وحياته

من الصعب، بل من المتعذر، أن نحدد، بشكل قاطع، اليوم الذي ولد فيه شاعرنا العسكر، فقديماً لم تكن الكويت تسجل تواريخ مواليدها، وكان المصدر الرئيس لمعرفة تاريخ الميلاد، الأحداث المتوافقة مع ميلاد أحدهم، ولأن شاعرنا لم يولد أثناء حدث مثير فإن تاريخ ميلاده بقي غامضاً.

في هذا الصدد، ذكرت والدته أنه مولود في السنة الأولى من حكم الشيخ سالم المبارك، وهذا يعني أنه ولد عام 1917، في حين شقيقه خالد، قال إن والده اصطحب فهداً معه إلى الهند عام 1925 وكان عمره آنذاك 6 سنوات، ما يشير إلى أن تاريخ ميلاده هو عام 1919

 وفي رواية أخرى، قال المربي الفاضل عبدالله النوري: {كان فهد العسكر تلميذاً عندي في المدرسة المباركية والأحمدية عام 1922، أي ولادته كانت عام 1910، لذا نجد اختلافاً بيناً في تحديد تاريخ ميلاده، حسب هذه الروايات التي ذكرناها، وإذا كان لنا أن نقول إنه ولد سنة كذا، فبين العام 1910 والعام 1919.

نشأة دينية

 استقرت أسرة العسكر في الكويت بعد هجرتها من قلب الجزيرة العربية، جده هو محمد بن عبدالله بن علي بن عسكر، من أهل مدينة الرياض، والده صالح العسكر نشأ متديناً وأصبح أماماً لمسجد الفهد قرب مسقف الجوعان. إضافة إلى تدريسه القرآن الكريم، أنشأ مدرسة صغيرة لتعليم القرآن، وكان له ثمانية أولاد غير فهد، هم: عبدالرزاق وعبدالعزيز وابنتان من زوجته الأولى، محمد وعيسى وفهد وخالد وابنة واحدة من الزوجة الثانية.

درس فهد العسكر في المدرسة المباركية عام 1922، ومن ثم في المدرسة الأحمدية في الكويت، وكان من أساتذته الشاعر محمود شوقي الأيوبي، والشيخ عبدالله النوري، والأستاذ سيد عمر عاصم.

أقبل فهد على قراءة دواوين الشعر القديمة ودواوين الشعراء المحدثين، وقراءة الكتب والمجلات الأدبية التي كانت تصل إلى الكويت في تلك الفترة.

إجادة الشعر

استطاع الشاعر فهد العسكر أن يجيب بشعره عن سؤال مرحلة كان الصراع فيها في ذروة لحظاته، فيقول:

أنا إن مت، أفيكم يا شباب

شاعر يرثي شباب العسكر

بائسا مثلي عضته الذئاب

فغدا من همه في سقر

طرح في قصيدته مسألة الموت، ويدخلنا في عناصر مثل الأرض، الجسد، الجرح... وعلاقات أخرى، وكان حين يجد نفسه وحيداً يستدعي حبيبته بقصيدة باكية تحمل صدى لانكسار عميق:

يا مي والأحلام شاردة

رحماك رديها لمفتقر

وفي أشهر قصائده المغناة {شهيق وزفير} (1946)، يبث ليلى أحزانه:

ليلى تعالي زوديني

قبل الممات وودعيني

ليلاي لا تتمنعي

رحماك بي لا تخذليني

حين يخاطب الأنثى المعنوية التي يتغزل بها في شعره، تغلبه هذه المسحة التشاؤمية المأساوية، وتطبع شعره بطابعها، فهو في هذه الحالة لا يرى إلا من خلف عدسات زجاجية مصبوغة بالسواد، فتجيء أبياته معبرة عما يعتمل في نفسه من حيرة واضطراب وما يمثل من عزلة وانكفاء، وهو إلى كل ذلك راغب في الموت مؤمل فيه، يعلم أن عمره أقصر من عمر زهر الياسمين.

المدرسة  الشعرية

 شهادات أدبية

 

كتب أدباء وشعراء وباحثون في نتاج الشاعر الراحل، وقدموا تشريحاً نقدياً يتتبع مسيرة قصيرة في العمر ثرية بالإبداع.

كتب عبدالمحسن عبدالقادر الحمود: {تعرفت إلى العسكر عام 1941، بعدما كنت شغوفاً بقراءة أشعاره وحفظها، وكانت عندي رغبة ملحة في معرفة فقيدنا الشاعر فهد، بعدها أبديت هذه الرغبة للصديق الأستاذ عبدالله الحاتم، الذي تربطه علاقة صداقة وثيقة بالمرحوم فهد، وبعدها أخذني عبدالله الحاتم إلى- قهوة نويدر- فتحدثت معه وانسجمنا بسرعة بعدما وجدني شديد الاعجاب بقصائده، وكيف أني أروي قصائده قبل تعرفي إليه، وطالت جلستنا، واقترح فهد أن نذهب إلى مقهى- بو ناشي- في ساحة الصفاة، وأكملنا السهرة هناك إلى وقت متأخر من الليل، ومن ذلك الوقت أصبحنا أصدقاء، نتزاور، ونرى بعضنا البعض دائماً».

 أما عبدالمجيد شكري فقال: {فهد العسكر... شاعر برز اسمه في سماء حياة الكويت الأدبية والاجتماعية، عاش صراعاً مريراً مع مجتمعه بسبب أفكاره وأسلوب حياته، لكنه تابع النضال والمسيرة، معلناً الحرب على كل من تصدى له وكان سلاحه الكلمة التي لم يتخلَّ عن استخدامها في الدفاع عن أفكاره}.

لم يدخر العسكر جهداً في تجسيد صراعه المرير شعراً، فكان له رصيد كبير من القصائد التي تتضمن تفاصيل حياته اليومية ومعاركه مع الآخرين، إلا أن نتاجه الشعري ضاع معظمه، وبقي النذر اليسير في صدور رواة شعره من أصدقائه وتلاميذه ومحبيه.

  بدوره، يتذكر الشيخ عبدالله النوري: {كان الشاعر فهد العسكر تلميذاً عندي في المدرسة المباركية والمدرسة الأحمدية، وعلى ما أذكر بدأت دراسته عندي في 1922، في حين أن ولادته على ما أظن كانت عام 1910... ترك المدرسة في سنة 1930 ولم أره بعد ذلك، حتى كانت حفلة المولد النبوي سنة 1933 فألقى قصيدة في المدرسة المباركية هزت مشاعر الناس، وأخذت بألبابهم، وكان من نتيجة ذلك أن ظهر العسكر شاعراً له مكانته}.

back to top