سورية جرح أكبر

نشر في 10-05-2014
آخر تحديث 10-05-2014 | 00:01
 عبداللطيف مال الله اليوسف ما الضير في أن تحتل إيران سورية؟ ألم نهيئ لها من قبل احتلالها للعراق؟ ولماذا ننكر على إيران رغبتها في الاحتلال؟ وهل الاحتلال مقصور على الدول الاستعمارية التقليدية ذات الحضارة المتقدمة المتوحشة؟

وإلا كيف احتلت إثيوبيا وهي التي تنتمي إلى العالم المتخلف أرض الصومال الغربي (أوغادين)، أليس لأن الأرض العربية هي مشروع احتلال متعارف عليه عالميا وحديقة واسعة بلا سياج؟ فإذا لم يكن الأمر كذلك إذاً كيف تجرأت إرتيريا (التي انفرد العرب برعاية ثورتها ماديا وسياسيا وعسكريا) على احتلال جزر حنيش اليمنية عند مدخل البحر الأحمر؟

لا يمكن لأمة أن تتقدم وتفرض هيبتها على الآخرين ما لم تقر بأخطائها وبخاصة ما نجم عنها من أوضاع كارثية كانسلاخ أجزاء منها أو انضواء الأجزاء الأخرى وتبعيتها لقوى إقليمية وعالمية، وها نحن نبحث عن شيء نبرر به تفسخ هذه الأمة، وهو أن قدرها عند الأمم والشعوب، فنبدأ باعترافنا بأخطائنا التي أدت إلى ما نسميه سيطرة إيران على سورية.

إيران التي خرجت من حربها مع العراق منكسرة منهوكة القوى، وتواجه في داخلها حركات معارضة مسلحة تفتك بنسيجها الاجتماعي، وتواجه حرباً اقتصادية شنها عليها الغرب منذ بداية ثورتها، أي منذ ما يزيد على الثلاثين عاماً تكون على هذه الدرجة من الصلابة، بحيث تستوعب كل ما تعرضت له وتكون قادرة على الاستحواذ على الآخرين مثل العراق وسورية؟

لا بد أن العيب والخلل يكمن فينا نحن فنتحول عكس ما سبق إلى ماهية الأسباب التي دفعت بسورية لأن ترتمي طائعة مختارة في أحضان إيران، فنقول وبجرأة الباحث عن الحقيقة إن العرب هم الذين تخلوا عنها بعد أن خدعوها عند تحديد أهداف حرب أكتوبر 1973 عندما اعتمدت خطتان إحداهما خاصة بالجبهة المصرية، وهي لتحريك أوضاع جامدة على الأرض والأخرى خاصة بالجبهة السورية، وهي لتحرير الأرض المحتلة بعد هزيمة يونيو 1967، نعم لقد خدعنا سورية حينذاك وحطمنا ثقتها فينا بسبب قيادة سياسة استمرأت الكذب والخداع منذ اليوم الأول لثورة يوليو 1952 واعتمدتهما ديدنا ومنهاجا صبغت بهما تاريخ قيادتها لمصر في السلم والحرب على حد سواء، هذه القيادة السياسية المتقلبة تأثرت بها قراراتها فانعكست هذه على أوضاع الجبهتين المصرية والسورية انعكاسا مدمرا تجسد في عمليات الإبادة لهذين الجيشين بعد تحقيقهما انتصارات كبيرة في بداية الحرب، إن ما حدث لجيوشنا العربية في عام 1973 حدث للجيوش الألمانية بقيادة عبقريات عسكرية ميدانية في الحرب العالمية الثانية، فقد أبيدت جيوش بقيادة فون باولس وفون رايخناو وفون توما على الأراضي الروسية بسبب قيادة سياسية جاهلة بقواعد الحرب متمثلة بأدولف هتلر، وفشلت بذلك عملية بربروسا لغزو الاتحاد السوفياتي وهزيمة الفيلق الألماني بقيادة أروين رومل أمام الجيش البريطاني الثامن بقيادة برنارد مونتغمري في معركة العلمين على الأرض المصرية مثلما حدثت خدعة الخطة المزدوجة، حدثت عملية تجاوز سورية عند إجراء المفاوضات، فقد انفردت مصر بالتفاوض مع إسرائيل وازرة وزر أخرى ونقض عهد يتلو نقض عهد، وتركت سورية بأرضها المحتلة وحيدة أمام عدو أخفقنا ونحن مجتمعون في دحره وانفض الجميع من حولها، بل إن البعض منا ناصبها العداء لأنها تمسكت باستعادة ما اغتصب منها ورفضت شروط مفاوضات محتل كلنا يعرف مكره، هنا تقدمت إيران المنكسرة المنهوكة والغريبة في محيطها الإقليمي لتلتقي بسورية المنكسرة والمنهوكة والغريبة في محيطها العربي، غريبان التقيا تجمعهما غربتهما "وكل غريب للغريب نسيب"*.

كل الدلائل ترجع استمرار الحرب في سورية لأن القوى العالمية التي أوقدت نارها لا تزال ترغب في استعار أوارها، فقد طال أمد الصراع العراقي الإيراني ثمانية أعوام كانت القوى الكبرى من خلالها تدعم أي الجبهتين يعتريها الضعف والوهن والوضع في سورية لا يشذ عن ذلك، وبخاصة بعد فشل مؤتمر جنيف اثنين وبعد تقديم النظام السوري رشوته للغرب بتسليمه لمخزونه من السلاح الكيميائي، فاطمأن هذا الغرب على سلامة إسرائيل، وما دام هذا قد حدث فلتستمر هذه الحرب حتى يعم الخراب كامل الوطن السوري الحضارة والثقافة والاكتفاء وحتى يتمزق إلى دويلات طائفية وعرقية أو حتى تجف المنابع المادية والبشرية لهذه الحرب أيهما أقرب.

* ملاحظة: وكل غريب للغريب نسيب

(عجز بيت شعر لأمرؤ القيس)

back to top