تقرير اقتصادي : صانعو أزمة البورصة... يستنجدون بالدولة لإنقاذهم

نشر في 03-07-2014 | 00:08
آخر تحديث 03-07-2014 | 00:08
No Image Caption
هناك حاجة إلى تطوير آليات التداول لا إلى إنقاذ الشركات المفلسة
الشركات التي تنادي اليوم بتدخل الدولة لضخ الأموال لإنقاذها هي التي نمّت ثقافة الإفراط في الاقتراض، لا بغرض الاستثمار الحقيقي أو شراء الأصول المدرة، بل لتجميل سعر السهم وشراء أسهم الخزينة وتوزيع الأرباح النقدية لتعويض الأرباح غير المحققة.

تنامت خلال الفترة الماضية دعوات العديد من الشركات المالية والاستثمارية إلى ضرورة تدخل الدولة لحل أزمة البورصة، حتى بلغ بعضها مبلغ طلب الدعم المالي من الدولة لتلافي أزماتها وديونها، فضلاً عن طلب التنشيط الوهمي للسوق لرفع وتضخيم قيمة أصولها، سعيا للخروج من أزماتها عبر تسويق دعاية تطوير البورصة ورعاية مصالح صغار المستثمرين.

المشكلة أن أكثر من يدعو اليوم في التقارير الاقتصادية والجمعيات العمومية للشركات إلى تدخل الدولة مالياً هم أكبر المتسببين سابقاً في أزمة البورصة من خلال سلوكيات باعت الوهم للمتداولين عبر تضخيم لأرباح غير محققة عبر التقييم المبالغ فيه للأصول، إلى جانب الرهان على الإقفالات اليومية والشهرية، وتأسيس «تجارة شنطة» لشركات لا عمل لها أصلاً، حيث كان تأسيسها بغرض بيعها في الاكتتاب وبعلاوة إصدار باهظة لا تتناسب مع وضع الشركة، ولا أصولها أو إيراداتها وأرباحها، إذ كانت الشركات وقتها تبيع رخصة الإدراج بعد عام في البورصة لمساهم جشع أو ساذج.

وبلغ الاستهتار بهذه الشركات خلال ربيع البورصة حداً لا يوصف، لدرجة سمحت لمجموعات قابضة تمتلك شركات بأن تقود المؤشرات إلى الصعود دون اي معايير حقيقية للاستثمار، فكان لدى المجموعة ما بين 4 إلى 5 شركات، ترتبط جميعها بـ»شرباكة» معقدة من الملكيات، فالشركة (أ) تمتلك وتستفيد من صعود سهم (ب)، وعندها لا بد ان تحظى شركات (ج) و(د) بمنافع تعود على شركات اخرى، وهلمّ جرا، وهذه عملية خطيرة، لأن الرهان هنا ليس على الأداء والأرباح والنشاط، بل على ورق يعتمد على ورق.

زمن السكرة

هذه الشركات التي تنادي اليوم بتدخل الدولة وضخ الاموال لانقاذها هي التي نمت ثقافة الافراط في الاقتراض، لا بغرض الاستثمار الحقيقي او شراء الأصول المدرة بل لتجميل سعر السهم وشراء اسهم الخزينة وتوزيع الارباح النقدية لتعويض الارباح غير المحققة، فضلاً عن اغراق السوق بأسهم المنحة، وزيادات رأسمال لا يعلم المساهمون غرضها، وغير ذلك من الأدوات التي كان اهل السوق يطربون لها في زمن «السكرة» لتأتي ساعة الحقيقة على الجميع، وتتهاوى امبراطوريات الورق ذات الاسعار المتضخمة، بل والمتورمة احيانا ليتطور الأمر إلى خارج قاعة التداول، ما بين شركات أفلست عملياً او أخرى تصارع على شفير الإفلاس.

قد يقول البعض: «ما الضرر في تدخل الدولة لانقاذ السوق وشركاته المدرجة... الم تتدخل الولايات المتحدة الاميركية في اعادة هيكلة جنرال موتورز وطرحت لاحقا عملية التيسير الكمي؟».

ربما يكون التدخل الأميركي استثنائيا لغرض معين، فمثلا: كم تدفع جنرال موتورز سنويا للضرائب الأميركية، وكم تدفع شركاتنا مجتمعة؟ وكم توظف جنرال موتورز من العاملين؟ وكم توظف شركاتنا؟ وهذا ينسحب ايضا على برنامج التيسير الكمي الذي استفادت منه شركات دافعة للضريبة، وتساهم في خفض نسبة البطالة في المجتمع الأميركي.

المطالبات بتطوير البورصة ودعمها يجب ان تبقى ضمن الإطار السليم الذي يحقق المصلحة العامة، وليس مصلحة مجاميع معينة، فبورصة الكويت فيها نواقص كثيرة تجعل التداول يجنح نحو الأداء الفردي اليومي، وهو ما يؤدي الى نمو اثر المتلاعبين في السوق مثل شح الأدوات المالية، فالسوق الكويتي حتى الآن لا يتعامل بالبيع على المكشوف أو الشراء المستقبلي، ويخلو من وجود صانع سوق معترف به رسمياً يؤدي أعماله بشكل قانوني، ليتدخل في حال حدوث اختلالات في أداء السهم، ويكون هذا الصانع معتمداً ومعروفاً للجميع.

دورة حقيقية

كذلك يجب ان يكون الضغط في اتجاه دعم الانفاق الرأسمالي على المشاريع لإيجاد بيئة عمل تسمح للشركات ذات النشاط التشغيلي بأن تحقق العوائد المالية بطريقة سليمة، بحيث تكون هناك دورة اقتصادية حقيقية ما بين شركات تعمل وأخرى تمول وثالثة تورد وهكذا، وبالتالي تتجه قوى السوق كالعرض والطلب نحو هذه الأسهم بلا توجيه، ودون إضاعة لأموال الدولة، في مغامرات مالية غير محسوبة.

الضغط الذي يجب ان يمارس كذلك هو الدور الذي يفترض أن تلعبه الهيئة في تسويق البورصة لدى المستثمرين الاجانب من حيث محاولة استقطاب أكبر سيولة ممكنة من الخارج، وهو ما تفعله بورصات الامارات وقطر بشكل واضح، فمن مهام أي بورصة التركيز على استقطاب الأموال من الخارج عبر تسويق الفرص المتاحة، فضلاً عن إدراج الشركات غير المحلية.

عندما تترقى ثلاث بورصات خليجية، هي أبوظبي ودبي وقطر، إلى مستوى الاسواق الناشئة قبل نحو شهرين، حسب تصنيف مورغان ستانلي (MSCI) فهذا يعني انها نجحت في ان تضع من القواعد والمعايير ما يتيح لها استقطاب المزيد من الاموال الاجنبية، والاهم هو اضفاء تقاليد مهنية اكثر على التعاملات بما يتوافق مع مستوى هذه الاسواق وتقاليدها المهنية في حين لا نزال في الكويت نتحدث بمصلحية مفضوحة عن الدعم الحكومي وضخ الاموال كلما واجهت شركاتنا ازمة حتى وان كانت من صنع يدها.

المعيب أن من فشل في تخريب قانون هيئة أسواق المال يأتي اليوم ليسوق فكرة انقاذ البورصة او بشكل ادق انقاذ شركاته من اموال الدولة، دون ان يقدم الحل الحقيقي المتمثل في تطوير البورصة وانعاش الاقتصاد واطلاق المشاريع الحقيقية.

back to top