ألمانيا استسلمت وتم إنقاذ اليورو... يبدو ذلك!

نشر في 14-02-2014
آخر تحديث 14-02-2014 | 00:02
حكم القضاء في برلين ينقذ أوروبا من تجدد الأزمة إعلان البنك المركزي الأوروبي الأولي لسياسة شراء السندات في منتصف عام 2012، من دون شك، نقطة تحول في أزمة اليورو، حيث عمل على منع تكاليف الاقتراض لإيطاليا وإسبانيا من الارتفاع إلى مستويات لا تطاق.
لقد استسلمت ألمانيا وتم إنقاذ اليورو. يبدو ذلك، وكأنه تفسير الأسواق لصدور الحكم القضائي الأسبوع الماضي من قبل المحكمة الدستورية الألمانية، على سياسة البنك المركزي الأوروبي في «القيام بكل ما يلزم» لإنقاذ العملة الموحدة، لكن حكم القضاة تلخص أساساً فيما يلي: «لا يعجبنا ما يفعله البنك المركزي الأوروبي. ونعتقد أنه غير قانوني، على أنه لا يمكن إلا لمحكمة العدل الأوروبية فحسب، أن تنقض هذا البرنامج».

وحيث إنه من المستبعد جداً على المحكمة الأوروبية قبول مثل هذه الدعوة، فإن البنك المركزي الأوروبي سيكون قادراً على الحفاظ على سياسته في التعاملات النقدية المباشرة، وبشكل أساسي الوعد بأن يكون مشتري الملاذ الأخير للسندات التي تصدرها بلدان منطقة اليورو. لو نقضت المحاكم الألمانية سياسة البنك المركزي الأوروبي في الأسبوع الماضي، لكنا رأينا حالة من الفوضى في الأسواق، لكن بدلاً من ذلك، ساد الهدوء.

إعلان البنك المركزي الأوروبي الأولي سياسة شراء السندات في منتصف عام 2012، من دون شك، نقطة تحول في أزمة اليورو، حيث عمل على منع تكاليف الاقتراض لإيطاليا وإسبانيا من الارتفاع إلى مستويات لا تطاق. الآن، قد يميل البنك المركزي الأوروبي إلى المضي قدماً إلى ما هو أبعد من ذلك. مع خطر الانكماش الذي يخيم على أوروبا، يتعرض البنك لضغوط لإطلاق النسخة الأوروبية من التيسير الكمي، وتقليد حكومات الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا في ذلك.

سياسة غير قانونية

ماريو دراجي، رئيس البنك المركزي الأوروبي، الذي يشعر بالحذر من ردة الفعل في ألمانيا، اقترح حتى الآن بأن مثل هذه السياسة ستكون غير قانونية، ولكن بما أنه يعلم الآن أن من المرجح للمحاكم الألمانية أن تحيل أي قرار من هذا القبيل إلى محكمة العدل الأوروبية التي تشتمل على مؤيدين للتكامل الأوروبي، ربما يقرر أن يكون أكثر جرأة قليلاً.

حكم المحكمة له آثار سياسية عميقة. يبدو أن ألمانيا بشكل أساسي قد قبلت بذلك، وعلى الرغم من أن اليورو هو العملة في ألمانيا، إلا أن إدارته لا تخضع للرقابة من قبل المؤسسات الألمانية. وحيث إن ممثل ألمانيا في مجلس البنك المركزي الأوروبي يمكن التغلب عليه بسهولة، بأغلبية الأصوات من قبل أعضاء مجلس الإدارة الآخرين من بقية بلدان أوروبا، يشعر الألمان المناهضون للتكامل الأوروبي، أنهم محاصرون بالهزيمة.

في المقابل يجب على مؤيدي التكامل الأوروبي أن يكبحوا جماح هتافاتهم، فقد يدفعون ثمناً سياسياً باهظاً لانتصارات من هذا النوع. التكاليف يمكن أن تكون تقويضاً متواصلاً لشرعية المشروع الأوروبي واليورو في ألمانيا، التي تعتبر أكبر دولة في الاتحاد الأوروبي، وأقوى اقتصاد فيه.

اثنتان من المؤسسات الأكثر احتراماً في ألمانيا هما البنك المركزي الألماني والمحكمة الدستورية، أعلنتا الآن على الملأ اعتراضاتهما الشديدة على السياسات التي تدعم اليورو.

«طعنة في الظهر»

على أنه طالما كان الاقتصاد الألماني قوياً، فمن غير المرجح أن ينفر مثل هذا التذمر السياسة الألمانية السائدة، ولكن عندما تتعقد الأمور، لأنها حتماً ستتعقد في مرحلة ما، تم وضع الأساس الفكري لنظرية «طعنة في الظهر» التي من شأنها أن تفسر مشكلات ألمانيا، بالرجوع إلى الأعمال غير المشروعة والمسرفة في المؤسسات الأوروبية.

في البلدان الأوروبية التي تعاني بالفعل من الناحية الاقتصادية، فإن ردة الفعل السياسية ضد الاتحاد الأوروبي واليورو آخذة منذ الآن في الارتفاع. وتظهر استطلاعات الرأي للاتحاد الأوروبي أن شعبية الاتحاد تراجعت في البلدان الأساسية مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا. هنري جواينو، وهو مستشار مقرب من نيكولا ساركوزي عندما كان رئيساً لفرنسا، كشف في الفترة الأخيرة في مقابلة تكهن فيها على نحو كئيب «يمكن لأخطاء السياسة النقدية تدمير المجتمع».

الانتخابات الأوروبية في مايو ستشكل اختبار قوة للأطراف المناهضة للاتحاد الأوروبي عبر القارة. من المرجح أن يندمج الاستياء من ضعف الاقتصاد واليورو، مع ردة الفعل العنيفة المتنامية ضد حرية تنقل الأشخاص داخل الاتحاد الأوروبي. لقد تبيّن هذا في استفتاء جرى مطلع الأسبوع تم فيه رفض تلك السياسة في سويسرا، وهي ليست عضواً في الاتحاد الأوروبي، ولكنها جزء من منطقة حرية الحركة.

الانتخابات الأوروبية

نتائج الانتخابات الأوروبية في مايو من المرجح أن تكون بمثابة الصدمة، حيث إن الأحزاب المعادية لأوروبا أو القريبة من كونها أحزاباً عنصرية، مثل الجبهة الوطنية الفرنسية، تقترب من الفوز في فرنسا وهولندا واليونان والمملكة المتحدة والنمسا. مثل هذه النتائج العجيبة قد تزعزع استقرار الأسواق، وستجعل من الصعب على السياسيين من التيارات الوسطية تقديم التنازلات المطلوبة دائماً للحفاظ على استمرار اتحاد أوروبا.

ورداً على سيناريو يوم القيامة هذا، يمكن للمتفائلين المؤيدين لأوروبا أن يشيروا إلى أنه، حتى لو حققت الأحزاب المناهضة للاتحاد الأوروبي مكاسب كبيرة، فستبقى هناك أغلبية مأمونة مؤيدة لليورو ولوجود الاتحاد الأوروبي داخل البرلمان الأوروبي، حين تجتمع أحزاب يمين الوسط ويسار الوسط معاً.

وفي الوقت الذي تتعافى فيه الاقتصادات بشكل تدريجي، يمكن أن تنحسر قدرة القوى المناهضة لأوروبا. في نهاية المطاف، لن ينجو اليورو فحسب، بل سيخرج معززاً بقوة من الأزمة، باعتبار أن المؤسسات الرئيسية، لاسيما البنك المركزي الأوروبي، ستكتسب الصلاحيات التي ستحتاجها لإنجاح الأمر.

هذه هي بالتأكيد إحدى الطرق التي يمكن للأشياء أن تنجح من خلالها، ولكن هناك أيضاً تفسير مختلف وأكثر قتامة أجده أكثر إقناعاً، ومفاده أن الأزمة الاقتصادية أضرّت باليورو، بشكل خطير. لقد جردت المشروع من الدعم والشرعية وكشفت عن عيوب تصميم العملة الموحدة. لايزال أكبر عيب هو عدم وجود ميزانية مركزية كبيرة، واتحاد مصرفي للتحويل من النوع الذي يجعل العملات الفدرالية الأخرى، مثل الدولار، ناجحة.

هذا الضعف يمكن علاجه من خلال خلق شيء أكثر قرباً إلى دولة أوروبية، لكن الأزمة قوّضت بشكل عميق المشاعر المؤيدة لأوروبا التي ستكون ضرورية لبناء الولايات المتحدة الأوروبية. حتى في ألمانيا، التي دعمت تاريخياً المثال الأوروبي، أعلنت المؤسسات الأكثر احتراماً في البلاد أن ما يحصل، ليس من العدل وغير قانوني.

نتيجة لذلك نجد أن اليورو عالق باقتصاد متعثر، ومؤسسات غير مناسبة، ومساندة ضعيفة. من وجهة نظري، هذا لا يُعدّ وصفة للنجاح في الأمد الطويل.

* جديون راشمان | Gideon Rachman

فايننشال تايمز

back to top