الشاعر فهد العسكر... صوت حي رغم الغياب (2-2)

نشر في 21-07-2014 | 00:02
آخر تحديث 21-07-2014 | 00:02
«كفي الملام» إحدى روائعه التي غناها شادي الخليج

تميز الشاعر فهد العسكر بأسلوب شعري طبع به مسيرته الحافلة بالقصائد، وخرج من مدرسته الشعرية شعراء من الشباب، فهو الذي صقل روح الشعر فيهم وشجعهم على إنشاده، بل استعان به شعراء كثر في تقويم أشعارهم، وكانوا يعرضون عليه قصيدة ينظمونها فينقدها نقداً سليماً مخلصاً.
تمتاز مدرسة فهد العسكر الشعرية والأدبية بالتحرر الفكري والثورة على التقاليد والعادات والسير بالشعر إلى غاياته الحقيقية، وهي الاسهام في ركب التطور والتقدم.

 غنى الفنان شادي الخليج من كلمات فهد العسكر {كفي الملام} لحنها الفنان أحمد باقر.

 وفاته

وفي السنوات الأخيرة من حياته فقد الشاعر فهد العسكر بصره، فزاد ذلك من شدة حساسيته وانطوائه على نفسه، إذ أصيب بعينه ولم يكن لديه المال لمعالجتها، ولم يكن في الكويت آنذاك أطباء مختصون في علاج العيون فظل يعاني إلى أن فقد بصره.

عندما أشتد عليه المرض ولم يعد يقوى على العيش وحده في غرفته شديدة الظلمة التي كان يسكن فيها وتقع في إحدى البنايات بالقرب من {سوق واجف}، أخذه أخوه خالد إلى بيته وأقام عنده ثلاثة أشهر.

 اتصل خالد العسكر بنصف يوسف النصف مدير إدارة الصحة العامة، شارحاً له حالة فهد العسكر الصعبة، فأمر نصف النصف بحجز غرفة خاصة للشاعر في مستشفى الأميري، وعالجه الدكتور أحمد سلامة، فاكتشف أنه في مرحلة متقدمة من مرض الدرن الرئوي.

وفي 15 أغسطس سنة 1951 توفي الشاعر فهد بن صالح بن محمد بن عبدالله بن علي العسكر، ودفن في المقبرة العامة بقرب قصر {نايف}.

 ديوان شعر

 بعد وفاته أحرق جزء كبير من شعره ثم كادت البقية منه أن تندثر لولا أن أصدقاءه ومحبيه الذين كانوا يترددون عليه، جمعوا شعره الذي حفظوه ودونوه، وكان الأديب عبدالله زكريا الأنصاري في طليعة المهتمين بذلك، كرس وقته وجهده وتبنى أو تخصص بجمع أعمال العسكر الشعرية ونشرها، ودوّن سيرته، فأصدر الطبعة الأولى من ديوان الشاعر فهد العسكر (1956)، تضمن قصائد جمعها من قصاصات الصحف في مصر والعراق والبحرين وغيرها من المصادر وتتابعت بعد ذلك الطبعات.

 وفي هذا الديوان قدم لنا صوراً فنية رائعة، وما إقبال الناس على شعره إلا دلالة على قوته وجماله وجودته، رغم أن جل أشعاره اتسمت بالشكوى والوطنية، ولكن يبقى فهد العسكر الشاعر والإنسان له ما لغيره من أقرانه الشعراء، أحاسيس وعواطف وميول وهموم.

 في يونيو 1979 دارت كاميرات الفيديو في البلاتوه (800) بمجمع تلفزيون الكويت وتم تصوير مسلسل» فهد العسكر: الرحلة والرحيل» سيناريو وحوار مصطفى بهجت، إخراج كاظم القلاف، يتكون من ثلاثية هي الأولى من نوعها في عالم المسلسلات العربية، وجسد ثلاثة من الممثلين شخصية الشاعر «فهد العسكر».

تتناول الحلقة الأولى حياة «فهد الصغير» وزيارته إلى الهند مع والده يؤديها الممثل بدر المسباح، الثانية حول صبا فهد وشبابه يمثلها علي البريكي، أما الثالثة والأخيرة فتتناول مرحلة شاعرية فهد العسكر وشطحات خياله وآرائه يؤديها الفنان القدير عبدالرحمن الضويحي.

شارك في العمل أكثر من عشرين فناناً وفنانة منهم: ابراهيم الصلال أدى دور الأب، مريم الصالح أدت دور الأم، خالد العبيد، علي المفيدي، جاسم النبهان، عائشة إبراهيم، أحمد الصالح، محمد السريع، منصور المنصور وعواطف محمد.

عرضت الثلاثية في دورة شهر رمضان في العام نفسه وحققت حضوراً متميزاً خصوصاً أداء الفنان الرائد الضويحي لشخصية الشاعر فهد العسكر.

قالوا عنه

أحمد السيد عمر: {عاصرت فهد العسكر زمناً طويلاً منذ كان في المدرسة المباركية وهو في عباءته (المزوية) و(غترته) الحمراء المسبلة على كتفيه بدون عقال، كذلك عايشته بعدما تخرجت في المدرسة الأحمدية ومن ثم في ثانوية البصرة، حين تغير من شخصية مغرقة في التدين إلى شخصية أخرى مغالية في الانصراف عن الدين.

صهر فهد العسكر آلامه وأشجانه ولواعجه وأمانيه وآماله ورغباته المكبوتة في شعر يتميز بأسلوب سهل ممتنع، يتدفق حيوية ويثير المشاعر، إلا أن سامعي أو قارئي شعره آنذاك لم يستعذبوه، لأن الناس كانوا في ضنك من العيش وجفوة من الحياة، وفي بيئة تعج بالمشاعر المكبوتة، ويستعذبون الشعر الذي يرفه عنهم ويخفف ما بهم من آلام، كالمدح والوصف والحماسة والغزل، ومع أن لفهد العسكر باعاً طويلاً في الغزل إلا أنه من النوع الذي ينضح بالألم والشكوى العارمة والنقد اللاذع، فكان فهد بذلك يشبه الغريق الذي يستصرخ ويستغيث طلباً للنجدة.

أما فاضل خلف فقال فيه القصيدة التالية:

يا موحي الشعر بالأنغام والغزل

وناشر العطر من نواره الخضل

وباعث الحب من أعماق خافقه

وواهب الفيض من شلاله الهطل

يعقوب الرشيد: {سهوب جدباء وأشجار جافة حلق بها بلبل غريد، فاتخذ من تلك الأراضي القاحلة والأفنان اليابسة مقره الوحيد، فقد حرم خضرة الربيع الزاهرة وتمايس الأفنان الجميلة وحفيف الأوراق المتشابكة وخرير المياه المتدفقة التي ينعم بها أترابه في الأدواح السعيدة. فغرد وأطرب، وناح فأبكى، وسخر فتوارى خصمه، وشكا فأصغت لشكواه القلوب.

وكثيراً ما شدا هذا البلبل الفريد مستلهماً وحيه من وحدته العابسة، فبز أترابه في الأدواح البعيدة، الذين يستلهمون حبهم من تلك الرياض الغناء والفياض الساحرة، فهو إذ يغرد انما يسكب عصارة روحه في ألحانه، فتخرج موسيقية عظيمة الوقع، خلابة المسمع، بعيدة التأثير في النفس، تحلق بسامعها في أجواء النشوة السادرة وتطوف به في سماء الخيال والحب والجمال}.

عبدالله زكريا الأنصاري: {مدرسة شعرية، تتلمذ على يديه كثير من الشعراء الشباب في الكويت والخليج العربي، امتازت مدرسته بالتحرير الفكري والثورة على التقاليد والعادات، حتى شملت في تطرقها واندفاعها هدم الحدود التي أوجدتها البيئة، وكان هذا من الأسباب التي غرست مشاعر التحدي عنده.

له طابع خاص ونغم شعري يميزه عن غيره من الشعراء، وقد ترك المنهج التقليدي وأطلق نفسه على سجيتها ولم يهتم بنشر شعره، واقتصر على مراسلة الصحافة العربية}.

من أشعاره

كفي الملام وعلليني فالشك أودى باليقين

وتناهبت كبدي الشجون فمن مجيري من شجوني؟

 وأمضّني الداء العياء فمن مغيثي؟ من معيني؟

أين التي خلقت لتهواني وباتت تجتويني

الله يا أماه فيّ ترفقّي لا تعذليني

أرهقت روحي بالعتاب فأمسكيه أو ذريني

أنا شاعرٌ أنا بائسٌ أنا مستهامٌ فاعذريني

أنا من حنيني في جحيم آهِ من حر الحنينِ

ضاقت بي الدنيا دعيني أندب الماضي دعيني

وأنا السجين بعقر داري فاسمعي شكوى السجينِ

بهزال جسمي باصفراريَ بالتجعد بالغضونِ

وطني وما أقسى الحياة به على الحر الأمينِ

وألذ بين ربوعه من عيشتي كأس المَنونِ

قد كنتِ فردوس الدخيل وجنة النذل الخؤونِ

لهفي على الأحرار فيكِ وهم بأعماق السجونِ

ودموعهم مهج وأكباد ترقرق في العيونِ

ما راع مثل الليث يؤسر وابن آوى في العرينِ

والبلبل الغِرّيد يهوي والغراب على الغصونِ

وطني وأدت بك الشبابَ وكل ما ملكت يميني

وقبرت فيك مواهبي واستنزفت عللي شؤوني

back to top