روسيا غير مسؤولة عن وقوف أوكرانيا على شفير الحرب

نشر في 04-05-2014 | 00:01
آخر تحديث 04-05-2014 | 00:01
No Image Caption
يُعتبر ضم بوتين القرم ودعمه الثورة في شرق أوكرانيا خطوة دفاعية واضحة، وهكذا رُسم اليوم الخط الأحمر: لن يبتلع حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي شرق أوكرانيا على الأقل.
 Seumas Milne    لا شك أن خطر نشوب حرب في أوكرانيا يتصاعد، فبينما تعلن الحكومة غير المنتَخبة في كييف أنها غير قادرة على ضبط الثورة في شرق البلد، يصنّف جون كيري روسيا دولة مارقة، كذلك فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على الكرملين، متهمَين إياه بزعزعة أوكرانيا، وتتحدث أيضا بعض التقارير عن أن البيت الأبيض وضع سياسة حرب باردة جديدة هدفها تحويل روسيا إلى "دولة منبوذة".

قد تكون هذه الخطوات مبررة، لو أن ما يحدث في شرق أوكرانيا اليوم لا يشكّل تكراراً مطابقاً لما شهدته كييف قبل بضعة أشهر. في تلك المرحلة، سيطر متظاهرون مسلحون في "ميدان الاستقلال" في كييف على مبانٍ حكومية وطالبوا بتغيير الحكومة والدستور. فسارع القادة الأميركيون والأوروبيون إلى دعم "المقاتلين المقنّعين" ونددوا بالقمع الذي مارسته الحكومة المنتَخبة، تماماً كما يؤيدون اليوم استخدام الحكومة غير المنتَخبة القوة ضد ثوار يحتلون مراكز شرطة ودور بلديات في مدن مثل سلافيانسك ودونيتسك.

أخبر السيناتور جون ماكين المتظاهرين آنذاك، وهو يقف إلى جانب زعيم حزب "سفوبودا" اليميني المتطرف، في حين كان السفير الأميركي يتناقش مع وزارة الخارجية بشأن مَن يجب أن يؤلف الحكومة الأوكرانية الجديدة: "الولايات المتحدة تدعمكم".

عندما استُبدل الرئيس الأوكراني بإدارة من اختيار الولايات المتحدة في عملية استيلاء على السلطة مخالفة تماماً للدستور، ضلل سياسيون، مثل وليام هيغ، بوقاحة البرلمان بشأن قانونية ما حدث: فرض حكومة موالية للغرب على جارة روسيا الأكثر حساسيةً وانقساماً سياسياً.

جاء ردّ بوتين سريعاً، مستخدماً ورقة من كتاب التظاهر في الشارع الخاص بالولايات المتحدة، مع أن التظاهرات التي امتدت من القرم إلى شرق أوكرانيا تمتعت، كما في كييف، بدعم شعبي واضح. وهكذا تحوّل ما اعتُبر صرخةً مجيدة للحرية في كييف إلى اختراق واعتداء عنيف في سيفاستوبول ولوهانسك.

بعد أن صوتت القرم بقوة للانضمام إلى روسيا، تخلى الجزء الأكبر من وسائل الإعلام الغربية عن كل ما يمت بصلة للتغطية الموضوعية، ونتيجة لذلك، بات بوتين اليوم يُقارن باستمرار بهتلر، في حين يُعتبر دور اليمين الفاشي في الشوارع والنظام الأوكراني الجديد في معظم التقارير الإخبارية غير ذي أهمية ومجرد دعاية كاذبة ينشرها بوتين.

نتيجة لذلك، لا نسمع الكثير عن تكريم الحكومة الأوكرانية المتعاونين مع النازية ومؤيديها خلال الحرب، أو عن إحراق منازل ومكاتب قادة شيوعيين منتَخبين، أو عن اندماج تنظيم "قطاع اليمين" المتطرف بالحرس الوطني. وعلى نحو مماثل، تُخَفَّف التوجهات المعادية للسامية والمؤيدة لسيادة البيض التي يُعرب عنها القوميون المتشددون في الحكومة، في حين تُبَث التأكيدات الكاذبة على وجود قوات خاصة روسية على أنها حقيقة مثبتة.

تُظهر الوقائع أن هذه الأزمة نشبت بعد عقدَين من توسّع حلف شمال الأطلسي شرقاً نتيجة محاولة الغرب استمالة أوكرانيا بشكل حاسم إلى مداره وبنيته الدفاعية من خلال اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي يبدو جلياً أنه معادٍ لروسيا. فأدى رفض هذا الاتفاق إلى تنظيم تظاهرات في "ميدان الاستقلال" وتشكيل إدارة مناهضة لروسيا (رفضها نصف البلد) عمدت رغم ذلك إلى توقيع الاتفاقات مع الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي.

ما من حكومة روسية ترضى بتهديد مماثل من منطقة شكّلت جزءاً لا يتجزأ من قلب روسيا والاتحاد السوفياتي على حد سواء، ونتيجة لذلك، يُعتبر ضم بوتين القرم ودعمه الثورة في شرق أوكرانيا خطوة دفاعية واضحة، وهكذا رُسم اليوم الخط الأحمر: لن يبتلع حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي شرق أوكرانيا على الأقل.

لكن المخاطر تتفاقم، فقد برهنت أوكرانيا أنها دولة لا تكاد تفعل: أخفقت الحكومة السابقة في إخلاء "ميدان الاستقلال"، في حين "يعجز" النظام الذي يدعمه الغرب اليوم عن التصدي للتظاهرات في الشرق الصناعي الذي يحنّ إلى العهد السوفياتي، فرغم كل هذا الحديث عن "الرجال الخضر" شبه العسكريين (الذين تبيّن أنهم أوكرانيون بغالبيتهم)، تتمتع الثورة بمطالب اجتماعية وديمقراطية قوية: فمَن يستطيع رفض استفتاء هدفه نيل الاستقلال الذاتي والحصول على حكّام منتَخبين؟

في الوقت عينه، تفرض الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون العقوبات وتملي الشروط على روسيا وأعوانها في كييف، مشجعةً قمع المتظاهرين عسكرياً بعد زيارتَي جون بايدن ومدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية جون برينان، ولكن بأي حق تتدخل الولايات المتحدة، شاملةً بمظلتها الاستراتيجية دولةً لم تكن يوماً عضواً في حلف شمال الأطلسي ووصلت حكومتها المنتَخبة الأخيرة إلى السلطة بتبنيها برنامجاً يقوم على الحياد الصريح؟ لا تملك أي حق بالتأكيد، ولهذا السبب تُرى الأزمة الأوكرانية من منظار مختلف في معظم أنحاء العالم. صحيح أننا قد نرى بعض المنتقدين العالميين لقومية بوتين وسياسته المحافِظة النخبوية، إلا أن تصدي روسيا للتوسع الإمبريالي الأميركي مرحب به من الصين إلى البرازيل.

نتيجة لذلك، تشمل النتائج المحتملة لهذه الأزمة تحالفاً أكثر تقارباً بين الصين وروسيا، في حين تمضي الولايات المتحدة قدماً في "استدارتها" نحو آسيا المناهضة للصين. ورغم تنامي العنف، لا تزال الكلفة البشرية لتدخل روسيا من بعيد في أوكرانيا تُعتبر بسيطةً، مقارنة بأي تدخل غربي كبير قد نفكر فيه خلال العقود الماضية.

رغم ذلك، يتفاقم خطر اندلاع حرب أهلية في أوكرانيا، ومعه احتمال انجرار قوى خارجية إلى هذا الصراع، فسبق أن أرسل باراك أوباما قوات رمزية إلى شرق أوروبا، ويتعرض راهناً للضغط من الجمهوريين والصقور في حلف شمال الأطلسي (مثل بولندا) لإرسال المزيد. كذلك من المقرر أن تشارك قوات أميركية وبريطانية في تمارين حلف شمال الأطلسي العسكرية في أوكرانيا خلال فصل الصيف.

تخطت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كل الحدود في أوكرانيا، لا تريد روسيا أو القوى الغربية التدخل مباشرة في هذه الأزمة، ويبدو أن سعي رئيس الوزراء الأوكراني لاستحضار شبح الحرب العالمية الثالثة مرفوض من رعاته في واشنطن، ولكن بعد مرور قرن على عام 1914، يجب أن تكون مخاطر العواقب غير المتعمدة واضحةً كفاية، مع تفاقم احتمال العودة إلى صراع القوى الكبيرة، إذاً، من الأهمية بمكان ممارسة الضغوط للتوصل إلى نهاية لهذه الأزمة من خلال المفاوضات.

back to top