سيحدث بعد عشرين عاماً

نشر في 09-08-2014
آخر تحديث 09-08-2014 | 00:01
 نادية سالم جاسم عندما نقول إن هذا الأمر سيحصل بعد عشرة أو عشرين عاماً نتخيل أن هذه الأعوام بعيدة وكأننا نتحدث عن مئة عام! لا هي أقرب مما نتخيل، كم منا من اكتشف أن عمره أصبح أربعين أو ثلاثين عاماً دون أن يشعر، وكيف مرت هذه الأعوام بسرعة الصوت والضوء؟

نعود إلى موضوعنا الذي سيحدث بعد عشرة أو عشرين عاماً: نحن نعيش في دول نفطية حباها الله بنعمة لا توجد إلا في القليل سواها، وهناك دول عظمى لكنها فقيرة الموارد إلا من بعض المنتجعات السياحية التي تدر عليها عائدا لا بأس به، لكنه عائد لا يكفي لبناء دول عظمى كما يحدث، إنها دول عظمى بدون نفط ونحن دول نامية رغم وجود هذا الكنز.

نحن نستعمل البترول في كل شيء، في توليد الطاقة الكهربائية، في تشغيل محطات تنقية المياه، في تسيير مركباتنا، ونبيعه مقابل أن نشتري أكلنا وموارد الحياة الأخرى، وتدفع الدولة رواتب موظفيها، أي أن البترول يسير حياتنا من الألف إلى الياء، لكن ماذا لو رفضت الدول الأخرى شراء هذا البترول؟ ولا أقول ماذا لو نفد البترول من الأرض لأن الموضوع سيبدأ قبل أن ينفد، فلو نفد حقا ماذا سنفعل؟ وبماذا ستدفع الرواتب؟ وبماذا سنقايض لشراء الطعام والشراب والملابس... إلخ؟

لقد ذهبت مرة لشراء دواء فوجدت سعره تعدى السبعين ديناراً، علبة دواء صغيرة لا يتعدى حجمها حبة الليمون مستوردة من دولة أجنبية فقيرة الموارد الطبيعية، وبحساب سعر هذا الدواء بالدولار يقترب من مئتين وخمسين دولاراً، يعني أكثر من سعر برميلين ونصف من النفط الخام هل تتخيلون هذا؟ بل إن أكثر ما نستهلكه من ملابسنا وباقي أغراضنا اليومية هو أكثر من سعر برميل نفط خام واصل إلى تلك الدولة بناقلات عملاقة. أي أن تلك الدول تعمل على تصنيع أشياء نستوردها نحن بأكثر من ثلاثة أضعاف إذا لم يكن بخمسة أو ستة أضعاف سعر البرميل الخام الذي تحدد أسعاره حسب منظمة "أوبك" لكنهم لم يحددوا لنا سعر الدواء، ولم يحددوا لنا سعر الملابس، ولا سعر الحقائب حسب أي منظمة، وحده هو البترول يحدد وفق منظمة.

ومع ذلك بدأت هذه الدول الفقيرة تصبح عظمى وتبحث عن بديل لهذا البترول الرخيص نسبياً، والذي تعتبره مرتفع السعر، فأوجدت الطاقة البديلة وهي طاقة رخيصة ولا تحتاج إلى بترولنا الرخيص الغالي، بل ذهبت إلى تصنيع كل شيء يحتاج إلى البترول، وأهم تلك الاختراعات السيارات التي تستهلك النصيب الأكبر من البترول، فطرحت خيارات متعددة، أولها الكهرباء، ولا تنتهي القائمة، سيارات تسير بالطاقة الشمسية، وكهرباء تولدها الطاقة الشمسية، وسيارات كهربائية، ووضعت طبعاً محطات لشحن السيارات الكهربائية بكل مكان على غرار محطات تزويد الوقود، ثم سيارات تسير بطاقة الزيوت النباتية، ثم سيارت تسير بمياه البحر، وثم، وثم، وماذا نفعل نحن؟ نتفرج عليهم وهم يتخلون عن مصدرنا الوحيد في العيش، لا نفعل شيئا سوى أن نتفرج ونفتح أفواهنا على آخرها، ونقول "ياه الأجانب هؤلاء لم يتركوا شيئا لم يفعلوه!!!".

أفيقوا فهؤلاء بعد عشرة أو عشرين عاما سيقولون لنا خذوا بترولكم المدمر للبيئة، نحن لسنا بحاجة إليه لدينا طاقة نظيفة، ولدينا بترولنا وسياراتنا تسير بدون الحاجة إليكم، ماذا سنفعل عندها؟ أفيدونا أفادكم الله؟ هل سنضع براميلنا في بسطة مثل بسطة سوق الخضار؟ وهل سنعيش الفقر بوجود بترولنا المسكين؟ ماذا سنفعل إذا لم يشتر أحد هذا البترول؟ وكيف سنجد الحياة عندها؟ وكيف سنجد موارد طعامنا؟ هل سنعود للبحر؟ الحمد لله البحر نفد، فلا لؤلؤ ولا سمك يكفي، ومن تعود على الرفاهية فلن يستطيع الحياة كما عاشها الناس قبل اكتشاف البترول.

 أيتها الدول النفطية أفيقي أرجوك، هناك مخطط لجعل هذا البترول يفيض على الأرض دون الحاجة إليه، مخطط لجعلنا فقراء رغم أننا نمتلك من الموارد أكثر منهم، لكن البترول جعلنا نغض الطرف عنها ونهملها، فهل فكرنا لحظة بماذا سنفعل قبل أن يصبح بترولنا لا حاجة له وقبل أن يقال إن البترول انتهى؟ هي سنوات سريعة ستمر وسنجد هذا الكلام يطبق وعندها يا سادة يا كرام!!! دمتم بخير.

back to top