السجن والإبداع (2): الشاعر زين العابدين فؤاد : للحلم والحقيقة وجه واحد في المعتقل

نشر في 07-07-2014 | 00:02
آخر تحديث 07-07-2014 | 00:02
No Image Caption
{في السجن تدخل الأحلام في جسم اليوم ويكون للحلم والحقيقة وجه واحد... بهذه الكلمات استهل الشاعر زين العابدين فؤاد حديثه إلى «الجريدة» عن السجن والإبداع حيث اعتقل أكثر من مرة، وفي إحداها كتب قصيدته التي رددها الملايين في ثورة يناير «مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر» .
ماذا يعني الاعتقال لشاعر؟

في السجن الليل كالنهار، وفي كليهما لا توجد حقيقة لأنك خارج الواقع أو أنت في واقع لا معقول في البدء، تبدو غير مصدق لحرمانك من حريتك، ثم تعي شيئاً فشئياً ذلك وتتيقن منه فتستسلم، وتدخل في حالة من نعاس الانتظار، نعاس يشوبه الترقب، فالشيء الوحيد الذي تملكه هو عقلك وقدرته على الخيال. في السجن تدخل الأحلام في جسم اليوم ويكون للحلم والحقيقة {وش واحــد}، كتبت هذا المعنى على حائط زنزانتي في قصيدة نظمتها حين اعتقلت للمرة الأولى في 7 فبراير 1972 في سجن الاستئناف:             

 في السجن تدخل الأحلام

 في جسم اليوم

 للحلم والحقيقة وش واحد  

اعتُقلتَ أكثر مرة فما أصعب تحدّ واجهته في السجن؟

فعلاً، اعتقلت مرات عدة بين 1972 و1977، وفي السجن يكون التحدي الأكبر، إما تقهره أو يقهرك، وكان الحلم وسيلتنا للصمود في مواجهة عبثية الحبس على ذمة قضية وهمية، وعبثية الانتظار الذي لا تعرف له نهاية، فحالة الحلم حاضرة في السجن رغم كل شيء، وتتخطى ذاكرة الحالم جدران السجن إلى آفاق لا تعرف حدود الزمان والمكان، فالخيال سلاحنا في مواجهة القهر .

ماذا عن ديوان {وش مصر}؟

هو الأهم في حياتي، حاولت طباعته عام 1964 لكنه ظل في الرقابة سبع سنوات، وكان الطلبة يحفظون معظم قصائده، فهو محرّض للحركة الطلابية، وطبعنا منه أربع طبعات آخرها كان في 2012. أعود إليه دائماً لما يتضمن من قصائد مؤثرة مهمة كتبتها بين 1964 و1970 ونُشرت في الصحف، ودائماً اختار منه أغاني لثورة 25 يناير، وشعارات وهتافات للتظاهرات مثل {كلنا شهدا ماشيين في جنايز بعض}، وقد صدر الديوان قبل الاعتقال .

وهل منحتك ليالي المعتقل قصائدها؟

أهدتني ديواني الأشهر الذي صدر بعنوان القصيدة الأشهر {مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر}، وظلت أغنية الثورات لأربعة عقود، كتبت قصائده في سجون مختلفة (الاستئناف، باب الخلق، طرة، أبي زعبل) في الفترة من 1972 إلى  1977، ونظراً إلى صدور القرار الرئاسي الشفوي لجميع الصحف بمنعي من النشر بسبب قصيدة في الديوان، تم تهريب مخطوطة الديوان وقرأت نسخته الأولى في سجن أبي زعبل بعد نشره في بيروت بعنوان {الحلم في السجن} في منتصف 1978.

وما القصيدة التي تسببت في منعك من النشر؟

{الحرب لسه في أول السكة}، ألقيتها في أمسية شعرية في الاتحاد الاشتراكي في 8 أكتوبر 1973 أي بعد الحرب بيومين، من ثم غناها الشيخ إمام وعدلي فخري،  وكانت السيدة جيهان السادات حاضرة في الصف الأول وغضبت وقالت: {لا يوجد جوع في مصر}، من ثم صدرت الأوامر شفهياً بمنعي نهائياً من النشر في مصر تقول كلماتها:

 الحرب لسة في أول السكة

اتفجري يا مصر

اتفجري بالحرب ينطلق النهار

اتفجري بالحرب ضد الجوع

وضد القهر ضد التيار

واتسلحي للحرب  بالحرية

واتفتحي وردة بدم ونار

واتجمعي من ألف صرخة وضحكة

والحرب لسه في أول السكة

هل كانت هذه القصيدة أول لقاء بينك وبين الشيخ إمام؟

 لا، فأول قصيدة لحنها الشيخ إمام وغناها من كلماتي كانت {أغنية للشمس} (كتبتها في السجن سنة 1972)، لم أكتبها ليغنيها في الحقيقة، وكان موضوعها {طابور الشمس}، إذ كان يسمح للمحبوس انفرادياً، طبقاً للوائح السجن، بالخروج في الشمس لمدة عشر دقائق يومياً، تقول كلماتها:      

يا شمس يا للي هالا

يا حبنا الحلال

يا مدهبة لنا الغلة

يا مكبرة العيال

يا مخضرة الحدايق

يا محمرة الحرائق

يا مسيبة الشعور

لينا وللخلايق

بنشوفك بالطابور

 بنشوفك بالدقايق

أي قصيدة تعبر عن ثورة يناير؟

خلال ثورة 25 يناير كان الشهيد الحسيني أبوضيف يمشي في جنازة الشيخ عماد الذي كان يمشي في جنازة جيكا الذي كان يمشي في جنازة مينا وهكذا فأجدني أردد ما كتبته عام  1964.

 رجع الموكب

شايل همه

شايل لحمه

شهدا ماشيين

في جنايز بعض

شهدا من فوق الاكتاف

شايلنهم شهدا

فوق الأرض

حفرت أشعارك على جدران الزنازين فماذا حفر السجن على جدار الروح؟

لم يهزمني السجن ولم يقهرني المعتقل، بل منه خرجت أكثر إيماناً بما سجنت من أجله، وهم الناس والحرية والحلم والعدل، لقد هزمته بالكتابة، والكتابة عندي ليست ندباً وتظلماً وشكوى، لأنني أعرف رسالتي كشاعر في السجن، ودوري رفع الروح المعنوية لزملائي، فكنت أكتب كل قصيدة وأهربها لزملائي داخل السجن واستنهض إرادة التحدي والصمود فيهم، كي لا ننكسر، ثم نحاول تهريبها لتؤدي المهمة ذاتها في الخارج، فلم أهزم بل قهرت السجن والسجان بالحلم والشعر والأغنية التي ولدت خلف الأسوار، وكتبتها على جدران زنزانتي لتغنيها مصر في كل الثورات، وتهدر بها حناجر الثائرين في ميادين مصر ويردد معها الملايين:

اتجمعوا العشاق في سجن القلعة             

اتجمعوا العشاق في باب الخلق

والشمس غنوة من الزنازن طالعة         

ومصر غنوة مفرعة في الحلق

اتجمعوا العشاق في الزنزانة                     

 مهما يطول السجن مهما القهــر

مهما يزيد الفجر بالسجانة                         

مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر .

{أصبح الصبح... فلا السجن ولا السجان باقي»، أشهر بيت شعر عرفه العالم العربي منذ أكثر من نصف قرن، كتبه شاعر السودان الكبير محمد الفيتوري، يستدعيه، دوماً، مبدعون جربوا ظلام الزنازين وقدموا تجارب إبداعية رغم القيود والقضبان.

back to top