«إله الصدفة»... خفايا مجتمع متناقض

نشر في 07-01-2014 | 00:01
آخر تحديث 07-01-2014 | 00:01
«إله الصدفة» رواية للكاتبة الدنماركية كرستن توروب، أصدرها المجلس الوطني للثقافة، ضمن سلسة إبداعات عالمية، ونقلتها إلى العربية الروائية دنى غالي.
أخذت الكاتبة كريستن توروب‏ مكانها بيننا في مقهى على الرصيف بمدينة كوبنهاغن، بعدما ركنت دراجتها الهوائية، ومن خلال حديث قصير وجدتُ هناك ما يربطنا بهذه الانسانة، رابط إنساني أو ربما التقاء ببعض مناحي القهر في حياة شقية.

رصفت لنا الكاتبة طريقا سلسا وفضاءً مفتوحا لرواية جميلة، ونقلتنا معها إلى شرائح مثلت الطبقات الاجتماعية المختلفة، فأحداث الرواية تمر بنا في أجواء أوروبا المتميزة حضاريا، وكذلك افريقيا وما تتمتع به من جو مشحون بكل سلبيات التخلف، كما أنها لم تنس وهي تتجول بشوارع لندن أولئك البؤساء نابشي القمامة.

إذاً فالرواية هي انعكاس عن خفايا مجتمع متناقض بالحضارة كان او بالتخلف، والحقيقة بددت الكاتبة مخاوفي، حيث كانت تراودني أحيانا بعض التخيلات، هل هناك من لايزال مع دوي الحضارة من يشعر أو يسمع أنين هذه المكونات المعدمة؟ فأثبتت الكاتبة وبما لا يحتمل الشك، أن صاحب المبدأ و الموقف لا تثنيه الحضارة وضجيجها، بل يستمر بالبحث لتحقيق آمال المعدمين.

شخصيات متعددة

حملت الرواية شخصيات متعددة زخرت بها ومن بين هذه الشخصيات الثالوث المقدس (نانا – مارياما – بن وبيا) والذي اضحى محور الرواية وركيزتها، وهذا الثلاثي عانى الازدواجية حتى انه لم يستطع الانصهار بالطارئ على حياته.

«نانا» بطلة الرواية، وبرغم ما تتمتع به من الوعي ووفرة المال، فإن العمل استعبدها بل صارت آلة تديرها شركة الاستثمار وتوجهها كيفما تريد: «أنا متزوجة من عملي... العمل وباء عصرنا» وهذه النانا التي اقتلعت مارياما من جذورها، وجاءت بها الى لندن لم تستطع الحفاظ عليها ولا حتى على وظيفتها، بل اصبحت كأي متسلق يريد الحفاظ على وظيفته بأي ثمن كان حتى وان صار الثمن كرامة الانسان، فمركزها همها.

ونانا التي احبت مارياما وعشقت اهلها السود، لكنها مع اول اصطدام او جزع اوروبي تعود الى حقيقتها ويسقط قناع التواضع، فها هي وسط زحام السوق المركزي وبينما هي تحاول الرد على دكتورها الخاص «عذرا جاكوب، الخط ليس واضحا هنا، وانا محاصرة بالشياطين» هكذا تعود نانا الى عنجيتها ولغتها المتعالية يوم وجدت نفسها لا تستطيع شراء كل شيء، فيوم اشترت الحذاء والفرو، فشلت في شراء مارياما ابنتها الموعودة بل خسرت حتى نفسها.

معاناة

اما مارياما التي تركت ملعب اقدامها ومقدساتها ووصلت الى الفردوس الموعود، بدأت المعاناة وازدواجية الحياة، فالافريقي اوالآسيوي على حد سواء ومنذ ان يفتح عينيه يجد ان الغرب هو بلاؤه الحقيقي وسبب تخلفه، وما ان تسنح له الفرصة حتى يظهر كل الخزين الموروث والمتراكم، ويبدأ برد الدين، فتقوم التشكيلات الصغيرة بترسيخ العادات والتقاليد للبلدان التي قدموا منها، وهذا يقلق المجتمع الاوروبي الذي يبدأ بالعسف والترهيب ضد هؤلاء.

فيض

ومارياما هي جزء من هذا الفيض الذي اجتاح اوروبا حتى وان كان بشكل قانوني، لكنها ما تلبث ان تلحق بركب المتخلفين، فهي تظل في حالة الصراع مع ما استجد بحياتها ومع ما تركته لبيت امها، فبالامس صلاة وتلاوة واليوم إلحاد ولا مبالاة، فضاعت واصبحت «لا الصلاة ولا التعاويذ تعود عليها باثر ايجابي» فتحولت حياتها ضبابية اشد من ضباب لندن.

اما «بن» و»بيا» فهذان من عالم آخر، يتحدث المثالية ويتغذى بالقيم العالية، زوج وزوجة تحول بيتهما الى ورشة عمل كما انه بيت للاشباح، فما ان حلت مارياما وسكنت به حتى اصبح شبح جانيت السوداء التي سبقتها تدور حولها، فما لبثت ان غادرت، غيابها لا يعني «بن» و«بيا» بل عادوا الى حقيقتهم ومارياما ما هي إلا رقم اسود جاءت الى بلاد لم تستطع ان تقاوم انفتاحها، ومن اجل ان يحرروا انفسهم وترتاح ضمائرهم يلجأون الى مخبر خاص أو مركز شرطة لتسجيل قضية لا لكي يجدوا مارياما بل ليبرؤوا ساحة بن العظيم والقديسة بيا.

لقد امتعتنا الكاتبة بهذا الاسلوب السهل الممتع وجاءت روايتها كدراسة وتحليل لمجتمعات متناقضة، لكنها بالنهاية شكلت لنا نموذجا وحلولا.

اضافت ترجمة دنى غالي بعدا جديدا للرواية وذلك من خلال اسلوب الرواية العربية، فتأثيرها كان واضحا، مدها ببعد آخر من خلال المصطلحات او الاسماء «كانت السماء الزرقاء» رواية اسماعيل فهد اسماعيل، وكذلك «الرجع البعيد» للكاتب فؤاد التكرلي.

back to top