«عبودية» مُختارة وأساطير

نشر في 01-06-2014 | 00:01
آخر تحديث 01-06-2014 | 00:01
لشدة الفراغ الثقافي والحضاري وحتى الإنساني في {العالم العربي}، نجد بعض {الشعوب} والأنظمة العربية يبتذل الأفكار ويزدريها من خلال طرق استعمالها أو تبنيها أو استيرادها أو التملق بها أو توظيفها، بدءاً من موجة الثورات والساحات مروراً بشعارات الحرية والانتفاضات والمقاومات، وصولاً حتى الديمقراطيات وقبلها الاشتراكيات المسمومة والقوميات القاتلة والعروبيات و{الوحدة العربية} و{الأمة العربية} و{الإسلام هو الحل} و{القومية العربية هي الحل}، وفي قمة الاستهلاكيات طبعاً تأتي {قضية فلسطين} وعاصمتها القدس...

لننظر إلى ثقافة {حزب الله} اللبناني ومعزوفته اليومية الـ{مقاومة}، قبل الفطور ثقافة المقاومة، بعد العشاء رجال المقاومة، في دير الزور صواريخ المقاومة، وفي السيدة زينب أحفاد المقاومة، في بيونس آيريس تفجيرات المقاومة، في مرفأ بيروت مال مقاومة، وفي صنين درب المقاومة... هي جزء من {ثقافة التأبيد} والعراضة اللفظية التي تقوم على مبدأ الشيطنة وتخوين الآخر، هي الثقافة التي تستحوذ وتمسك بمفاصل الجماعة، باسم الدم. ربما لا يعيش {حزب الله} من دونها كما لا يعيش من دون سلاحه.

لنتأمل ثقافة فريق 14 آذار في لبنان، شعاراته وكلامه عن سلاح {حزب الله} واجتماعاته اليومية وأحلامه الفضفاضة وكلامه عن العبور إلى الدولة ومنسقها وأعضائها... أرطال من الخطابات والحكايات والمهرجانات في هذا الإطار. ولكن الـ14 تبدو كمفرقعات أو كقنابل دخانيّة، وفي الجوهر مجرد {قبائل مودرن} قادتها أسرى قبائلهم مصادر عيشهم، وعند كل منعطف تسقط ثقافتهم كما تسقط ثقافة {حزب الله}، ويتحوّل الشعار الجامع الأبرز {الضرورات تبيح المحظورات}... لننظر إلى {إصلاح} الجنرال ميشال عون، ألّف الأخير كتاباً طويلاً وعريضاً بعنوان {الإبراء المستحيل} في ذم تيار الحريري وعند أول مفترق طرق، عند أول طموح رئاسي رمى كتابه في أقرب حاوية، وفسد الإصلاح المنشود لصالح المنصب الموعود.

لنتخيل العراضة {الانتخابية} أمام السفارة السورية في بيروت، وبغض النظر عن عدد المشاركين وهوية المرشّح، وبغض النظر عن ولائهم السياسي، كان {عرس} الديمقراطية (كما أطلقت عليه الوكالات السورية الأسدية) كافياً لندرك أنّ المنطقة بحاجة إلى عقود لتعرف معنى الديمقراطية وتعيشها. كان المشهد كافياً لنقول إن هذه جنازة الديمقراطية وليست طريقة للانتخاب وليست لعبة سياسية، وليست وعياً كما يحلو لأحد الجنرالات أن يتبجح. مشهد المواطنين السوريين يعتدون على الطريق العام في لبنان كان كافياً لنقول إن ثقافة القانون ما زالت بعيدة، ومشهدهم يجلسون على الأرض على جانب الطريق كالأسرى، كان كافياً أيضاً لنعيد التفكير في أمور كثيرة تبنيناها... لنفكر جيداً في التبريرات التي أعطيت للباصمين للأسد. قيل إنهم خائفون، وهذا ليس تبريراً، أو أنه تبرير غير مقنع. يمكن لنا اختصار المشهد بعبارة {العبودية المختارة} التي كتب عنها مطولاً الباحث أتين دي لابويسيه.

 أمام العراضة الأسدية الممانعاتية في بيروت، نجد الوزير نهاد المشنوق، صاحب شعارات {القبضاي بعقلاتو} التي انتهت به بأخذ صور تذكارية مع المسؤول الأمني في {حزب الله} وفيق صفا... ولم يكتب الوزير القبضاي تعليقاً على الفيسبوك حول المشهد أمام السفارة السورية...

***

المشهد العربي أو الشرق أوسطي يوحي بأن الشعوب تحتاج إلى عقود من الزمن كي تخرج من الاحتلالات الكثيرة التي تعيش في كنفها، احتلالات تبدأ بالأنظمة الشمولية والعسكرية الحاكمة والمسيطرة وتمرّ باستحضار أحداث تاريخية، ولا تنتهي بمنطق الأساطير التي يعتقدها بعض الشعوب العربية صحيحة، أساطير ميتولوجية عمرها آلاف السنين تتحكم بعقول كثيرين وتحضر بقوة في مرحلة الأزمات. الخطوات كثيرة وطويلة للخروج من النفق في العالم العربي. عشنا أطياف الربيع ولكن بالتأكيد نحن لا نشبه أوروبا الشرقية ونحتاج إلى زمن طويل كي يكون ربيعنا مثل ربيعها.

back to top