لا تحاربوا في العراق وتتجاهلوا سورية!

نشر في 23-06-2014
آخر تحديث 23-06-2014 | 00:01
 نيويورك تايمز خلال السنتين الأخيرتين كرر الكثيرون في أوساط السياسة الخارجية، بمن فيهم أنا، دعوتهم إلى استعمال القوة في سورية لكن من دون جدوى، لقد اعتُبرنا متعطشين للحرب وتم استهدافنا من الرئيس أوباما شخصياً باعتبارنا لا نفهم أن القوة ليست حلاً لجميع المشاكل، وبحسب رأيه في خطاب "ويست بوينت"، يقضي الحل الأكثر توازناً باستعمال القوة دفاعاً عن المصالح الأميركية الحيوية حصراً.

لكن خلال فترة أسبوع، بدأت الإدارة تفكر فجأةً باستعمال القوة في العراق، بما في ذلك تنفيذ عمليات بطائرات بلا طيار ضد "الدولة الإسلامية في العراق والشام" أو "داعش" التي بدأت تحتل مدينة تلو أخرى، وها هي تقترب من بغداد أكثر من أي وقت مضى.

هذا التحول المفاجئ في الأحداث زاد حيرة بعض الأشخاص أمثالي، لماذا يطرح تحرك "داعش" في العراق تهديداً كافياً على المصالح الحيوية ولا يدخل في الخانة نفسها توسعه في سورية (حيث تدور حرب أهلية مشينة أمعنت في تفكيك سورية وزعزعة استقرار لبنان والأردن والآن العراق)؟

 أتوقع أن يطرح المسؤولون في البيت الأبيض ثلاثة أسباب لتبرير موقفهم:

أولاً، هم سيقولون على الأرجح إن المقاتلين في العراق يشملون أعضاء من "القاعدة"، لكنّ هذا المنطق يتجاهل أحداث التاريخ الحديث، إذ توقع الخبراء منذ أكثر من سنة أنّ "داعش" سينشئ دولة إسلامية في شرق سورية وغرب العراق ما لم نتحرك في سورية، وهذا ما نشاهده الآن تحديداً، لماذا لا نواجههم إذاً بشكل مباشر في سورية، حيث يساهم القضاء عليهم في تقوية المعارضة المعتدلة؟

قد يجيب البيت الأبيض عن هذا السؤال بطرح السبب الثاني، وهو أن الحكومة العراقية تطلب المساعدة. هذا ما يجعل استعمال القوة تحركاً مشروعاً بموجب القانون الدولي، بينما يعترض النظام في سورية على استعمال القوة ضده مع أنه هو الذي بدأ أعمال القتل وأشعل نيران الحرب الأهلية عمداً، ولا يسمح للمساعدات الإنسانية بالوصول إلى المدنيين الجائعين والمصابين بأمراض مميتة.

لكن القانون يضع في هذا المجال مصالح الحكومة العراقية في وجه مصالح شعبها، فهو يسمح لنا بمساعدة حكومة انتهكت بشكل متكرر اتفاقيات تقاسم السلطة، مما أدى إلى تعزيز الدعم السني لتنظيم "داعش"، ومن وجهة نظر استراتيجية، تبدو هذه الحكومة تحت سيطرة إيران لدرجة أن رئيس الوزراء نوري المالكي لم يوافق على بقاء قوة أميركية محدودة؛ لأن الإيرانيين منعوه من ذلك، كما كتب فريد زكريا في مقالته في صحيفة "واشنطن بوست" في الأسبوع الماضي.

السبب الثالث الذي يمكن أن يقدمه البيت الأبيض لتبرير نفسه هو أن الولايات المتحدة خاضت حرباً دامت عشر سنوات في العراق، لكن مقابل كلفة باهظة. لقد أسقطنا نظاماً مستقراً وقوياً لكنه وحشي، مع أنه يبقى أقل وحشية بكثير من نظام الرئيس بشار الأسد، فتركنا وراءنا حكومة ضعيفة وغير مستقرة، ووفق هذا المنطق، لا يمكن أن نسمح بأن تذهب معارك جنودنا أدراج الرياح؛ لذا يجب أن ندعم الآن الحكومة التي تركناها وراءنا.

لكنّ البيت الأبيض يغفل عن الحقيقة في هذا السياق بالذات، فهو يرى العالم بمنظارين: العالم الإنساني المبني على المعاناة الفردية، لكن لا علاقة للمصالح الأميركية الحيوية بهذا الجانب، رغم فظاعة الصور والجرائم المرتكبة، لأن المعاناة تنحصر بالبشر؛ والعالم الاستراتيجي المبني على المصالح الحكومية حيث يتركز الاهتمام على "لعبة الشطرنج" بين الزعماء وعلى ردع اللاعبين المرتبطين بالدولة وغير المرتبطين بها كونهم يستطيعون إيذاء الولايات المتحدة.

لكنّ هذين العالمَين مترابطان بشدة، فحين يبدأ أي نظام بذبح شعبه عبر استعمال الأسلحة الكيماوية والبراميل المتفجرة وتجويع الناس، وهو ما يتابع النظام السوري فعله، فلا بد من ردعه، وما لم يتم ردع هذا النظام، فستتفاقم مظاهر العنف والتهجير والتعصب.

كل من يعتبر أن النظام السوري، رغم مساوئه، يبقى أفضل من "داعش" يغفل عن حقيقة الوضع، طالما نسمح للنظام السوري بمتابعة ارتكاب أسوأ حملة من الجرائم ضد الإنسانية منذ أحداث رواندا فسيستمر الدعم لتنظيم "داعش"، وطالما نفضل رئيس الوزراء المالكي على مصالح جميع المواطنين في بلده فلا يمكن أن تكون حكومته آمنة مطلقاً.  

يجب أن يطرح الرئيس أوباما السؤال نفسه في العراق وسورية: ما مسار أفضل تحرك، على المديين القصير والطويل، بالنسبة إلى الشعبين العراقي والسوري؟ وما مسار التحرك الذي يمكن أن يوقف أعمال العنف والمآسي التي يواجهها الشعب بشكل يومي؟ أي مسار سيضمن لهم فرصة أفضل لتحقيق السلام والازدهار وإنشاء نظام حكم لائق؟

قد يشمل الجواب عن تلك الأسئلة استعمال القوة بشكل محدود لكنه فوري في البلدين، ويجب أن تكون تلك القوة كافية لتذكير جميع الأطراف بأننا نستطيع، من الجو، الرد على عناصر "القاعدة" (تتعقبهم طائراتنا بلا طيار منذ أشهر) فضلاً عن الأفراد المسؤولين عن الأعمال الوحشية الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، ويجب أن تكون القوة كافية لدفع الحكومات والثوار معاً إلى طاولة المفاوضات وإنشاء فسحة تمكّن القادة المحترمين من بدء ترسيخ السلطة.

من الناحية القانونية، يجب أن نتحرك في البلدين معاً لأننا نواجه تهديداً على سلام العالم وأمنه، وهو الوضع الذي نشأ مجلس الأمن لمعالجته، فإذا أعاقت دول مثل روسيا والصين ذلك التحرك خدمةً لمصالحهما الضيقة، فيجب أن نطلق تحركاً متعدد الأطراف، كما فعلنا في كوسوفو، ثم نسعى إلى الحصول على موافقة المجلس بعد التحرك، فقد نشأ ميثاق الأمم المتحدة كأداة لتحقيق السلام بين شعوب العالم لا لترسيخ سلطة الدول.

لا تتعلق المسألة بأي حسابات إنسانية، بل إنها حسابات استراتيجية، ولو كان الرئيس مستعداً لهذه الخطوة منذ سنتين لكان يمكن أن توقف تلك الحسابات المذابح التي تنتشر اليوم في سورية والعراق.

* آن ماري سلوتر | Anne-Marie Slaughter

back to top