هل عُقدت صفقة مع إيران بشأن تفجير لوكيربي؟

نشر في 16-03-2014
آخر تحديث 16-03-2014 | 00:01
مسألة الشكوك بشأن ضلوع إيران في حادث تفجير لوكيربي أُخفيت بعد أن عقدت واشنطن (أو هذا ما قيل لي) صفقة سرية مع طهران عشية حرب الخليج الأولى عام 1991 كي تضمن دعم إيران لتحرير الكويت.
 ذي تيليغراف قد تبدو تلك الليلة الحزينة من شهر ديسمبر عام 1988، حين راحت النيران وحطام الطائرة تتساقط على قرية لوكيربي الأسكتلندية، بعيدة جداً، فقد وُلد جيل من البريطانيين لا يعرف معنى الخطر الذي شعرنا به في تلك الليلة، حين نقلت وسائل الإعلام خبراً عاجلاً عن أن طائرة ركاب مدنية انفجرت في الجو بسبب قنبلة إرهابية مخبأة في مسجلة، ما أودى بحياة 270 شخصاً.

من السهل أن نفهم لمَ يصعب على جيل شاب إدراك الأسباب التي تفرض علينا الحذر من إيران وطموحها النووي، ولكن في عام 1988، كان معظم الناس واثقين من نوايا إيران السيئة تجاه الغرب. صحيح أننا لم نتمكن من التوصل إلى دليل حاسم يربط طهران مباشرة بأسوأ جريمة إرهابية ارتُكبت في بريطانيا، إلا أن قليلين، وأنا منهم، كانوا متأكدين من أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية مركز الإرهاب العالمي. فقد عبّر آيات الله بوضوح عن نيتهم مواجهة الغرب بكل الوسائل الممكنة، عندما أمر آية الله روح الله الخميني، قائد الثورة الإسلامية في إيران، بخطف اثنين وخمسين دبلوماسياً أميركياً وفريق عملهم واحتجازهم رهائن طوال 444 يوماً، بعد أن اقتحم حرس الثورة السفارة الأميركية في طهران عام 1979. فبددت هذه الأزمة آمال الرئيس الأميركي كارتر بالبقاء في سدة الرئاسة لولاية ثانية، وبحلول مطلع الثمانينيات، عقد الإيرانيون العزم على التسبب في إحراج مماثل لخلفه رونالد ريغان.

استعان الإيرانيون بـ"حزب الله" المُنشأ حديثاً في لبنان، آنذاك، لإرغام واشنطن على سحب قوات حفظ السلام الأميركية من بيروت، بعد سلسلة من التفجيرات الانتحارية التي حوّلت مبنى السفارة الأميركية وثكنات مشاة البحرية إلى كومتَي ركام، ولكن عندما أخفقت هذه الاعتداءات في إنهاء الجهود الأميركية للتوصل إلى صفقة سلام في لبنان، الذي مزقته الحرب، لجأوا إلى اختطاف الرهائن، مستهدفين الصحافيين وعمال الإغاثة الأميركيين. ثم حوّلوا انتباههم إلى آخرين يحملون جنسيات غربية، مثل البريطانية. فسرعان ما وقع جون مكارثي وتيري وايت في قبضتهم.

شاركت سورية في هذه الحملة المناهضة للغرب بأكملها، وبدعم دمشق، تسنى لموسكو المجال لإذلال الولايات المتحدة، فقد عقدت سورية آنذاك (كما اليوم) تحالفاً وثيقاً مع طهران استند إلى كرههما المشترك لجارهما، الحاكم المستبد صدام حسين؛ لذلك سُرّت سورية بتسهيل عمليات إيران الإرهابية في لبنان، ممولةً في الوقت عينه أجندتها الخاصة التي ركّزت على المنظمات الفلسطينية المنشقة، مثل "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" التابعة لأحمد جبريل.

إذاً، كان على المحققين في أعقاب تفجير لوكيربي أن يركزوا كل جهودهم على دولتين ترتبطان ارتباطاً وثيقاً بتمويل الإرهاب الدولي: إيران وسورية. بصريح العبارة، كان الإيرانيون يملكون الدافع، في حين تمتع السوريون بالخبرات اللازمة، فبعد أن أسقطت الولايات المتحدة خطأ طائرة "إيرباص" مدنية إيرانية، قاتلةً 290 شخصاً، شعرت إيران أن سعيها للانتقام مبرر، وإذا صدّقنا الأدلة التي قدمها مسؤول استخباراتي إيراني سابق، نرى أن مَن أمر بتنفيذ عمل الانتقام هذا كان آية الله الخميني، الذي أراد أن يكون التفجير "مطابقاً تماماً لما حدث مع طائرة الإيرباص". وبما أن مسؤولي الاستخبارات الإيرانيين كانوا يتعاونون آنذاك بشكل وثيق مع نظرائهم السوريين والليبيين في مالطا لوضع مؤامرات لضرب الغرب، كان عليهم توظيف الأشخاص المناسبين لتنفيذ هذه العملية، ما إن أصدر آية الله الأمر.

لكن ما لم أستطع فهمه مطلقاً في التحقيق، خصوصاً أنني تابعت قضية لوكيربي عن كثب من البداية، الأسباب التي دفعت المحققين الغربيين إلى التغاضي عن نشاط الخلية التابعة لـ"الجبهة الشعبية" والتي كانت تعد المتفجرات في ألمانيا، فقد أُلقي القبض على هذه الخلية وهي تعدّ النوع ذاته من المتفجرات (موضوعة في مسجلة توشيبا) الذي أسقط رحلة "بان أميركان "103. قيل لي مراراً إن التحقيقات لم تكشف عن أي حمض نووي أو أدلة أخرى تربط هذه الخلية بالتفجير، في حين أن الأدلة المتوافرة كانت كافية لكشف تورط ليبيا وعبدالباسط المقراحي، مسؤول الاستخبارات الليبي الذي أُدين في النهاية بارتكاب هذه الجريمة.

في منتصف تسعينيات القرن الماضي، أُتيحت لي فرصة معرفة ما حصل فعلاً، عندما أخبرني مسؤول استخباراتي بريطاني بارز شارك في التحقيق الأساسي أن أدلة كثيرة أظهرت تورط إيران في هذا التفجير، إلا أن المواد المتوافرة لم تكن كافية لإدانتها في محكمة بريطانية. كذلك عبّر مسؤولون استخباراتيون أميركيون وبريطانيون (في الاجتماعات الخاصة على الأقل) عن شكوكهم بشأن إيران، لكن هذه المسألة أُخفيت بعد أن عقدت واشنطن (أو هذا ما قيل لي) صفقة سرية مع طهران عشية حرب الخليج الأولى عام 1991 كي تضمن دعم إيران لتحرير الكويت. كذلك وافق الغرب في هذه الصفقة على إسقاط التهم في قضية لوكيربي مقابل إطلاق رهائن مثل مكارثي ووايت.

قد يبدو ذلك ضرباً من الخيال، إلا أننا نعلم، بفضل ما كشفه صانعو المتفجرات التابعون للجيش الجمهوري الأيرلندي الذين منحتهم حكومة بلير الحصانة، أن القوى الغربية لا تتردد في عقد صفقات مشبوهة. وفي وقت تبدو واشنطن والاتحاد الأوروبي تواقين إلى عقد صفقة مع إيران بشأن برنامجها النووي، قد تُعتبر التقارير الأخيرة عن احتمال تورط إيران في تفجير لوكيربي غير ملائم البتة.

ولكن إذا تمكن أحد المنشقين الهاربين من إيران من تأكيد هذه الادعاءات، فقد يكون الوقت قد حان لكي تكشف الولايات المتحدة وبريطانيا حقيقة أي صفقة عقدتاها مع إيران لتخفي الحقيقة، فمن حق ضحايانا وعائلاتهم الكشف عن القصة الكاملة وراء الأحداث التي أدت إلى تلك الليلة الرهيبة.

* كون كافلين | Con Coughlin

back to top