تقييم روحاني في حقبة ما بعد الولايات المتحدة الاستعمارية

نشر في 05-02-2014
آخر تحديث 05-02-2014 | 00:01
No Image Caption
إدارة أوباما، تعتبر روحاني «دينغ زهاو بينغ» إيرانياً محتملاً، أي شخصاً من داخل نظام التكاتف العقائدي يستطيع باعتماده أساليب مبطنة وسرية قيادة البلد بعيداً عن العقيدة ونحو الإصلاح الداخلي، ولا شك أن هذا سيؤدي بدوره إلى تفاهم مع الغرب.
 Robert Kaplan للمحادثات النووية مع إيران معنيان، فبالنسبة إلى مَن يشككون في هذه العملية، تتمحور المحادثات (ويجب أن تكون كذلك) حول الأسلحة النووية وحول منع إيران من تطويرها، أما بالنسبة إلى إدارة أوباما التي التزمت بهذه العملية، فتشكل المسألة النووية في جزء منها عذراً أو أمراً من الضروري التعاطي معه بذكاء بغية التوصل إلى تفاهم استراتيجي مع إيران.

لا شك أن الاختلاف كبير بين الموقفَين، فلا يأبه المحافظون الجدد أو الديمقراطيون المتشددون، الذين يشكلون كتلة المشككين، بالتوصل إلى تسوية استراتيجية مع إيران، فهذا في رأيهم أشبه بمحاولة استرضاء والتخلي عن حلفاء الولايات المتحدة التقليديين في المنطقة، خصوصاً إسرائيل. ويعتبرون أيضا النظام الإيراني برمته شرا والرئيس الإيراني حسن روحاني (اعذروني إن استخدمت عبارة مستهلكة) ذئباً في ثياب حمل. وبما أن هذا النظام بأكمله شر، فلا يمكن الوثوق به والسماح له بامتلاك أي قدرة نووية قد تؤدي ذات يوم إلى تطويره سلاحاً نووياً.

أما إدارة أوباما، فترى روحاني من منظار مختلف تماماً، فهي تعتبره "دينغ زهاو بينغ" إيرانياً محتملاً، أي شخصاً من داخل نظام التكاتف العقائدي يستطيع باعتماده أساليب مبطنة وسرية قيادة البلد بعيداً عن العقيدة ونحو الإصلاح الداخلي، ولا شك أن هذا سيؤدي بدوره إلى تفاهم مع الغرب.

بالإضافة إلى ذلك، يبدو المشككون مستعدين للتخلي عن روحاني، إن كان هذا ضرورياً، للقضاء على صفقة ستخفف من العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران من دون أن ترغمها على وقف برنامج التخصيب النووي. في المقابل، يمثل روحاني في نظر إدارة أوباما الفرصة الفضلى الأخيرة للتفاوض قبل أن تواصل إيران تقدمها على الدرب النووي، ما قد يؤدي إلى ضربة عسكرية أميركية أو إسرائيلية.

روحاني: هل هو حقاً عامل تغيير أم لا؟

تختلف طريقة تحليلنا لهذا السؤال باختلاف وجهات نظرنا من قوة الولايات المتحدة ومصالحها في الشرق الأوسط، وتُظهر الوقائع أن قليلين ينظرون إلى روحاني نفسه نظرة موضوعية. فكيف ينظرون إليه كذلك والغموض يلف الجزء الأكبر من السياسة الإيرانية، ما يتيح لهم رؤيته من المنظار الذي يريدون؟

يعتقد مَن يشككون في روحاني والمحادثات النووية الإيرانية على حد سواء أن على الولايات المتحدة أن تحافظ على تفوقها الجيو- سياسي في الشرق الأوسط، وتفرض مقداراً من الضبط والنظام هناك، فضلاً عن العمل بقوة على إنشاء أنظمة أكثر ميلاً نحو الديمقراطية. علاوة على ذلك، يعتبر هؤلاء أن الهيمنة العسكرية والسياسية الأميركية في المنطقة تشكل استراتيجية كبيرة معينة يؤيدها الشعب الأميركي بوضوح أو يتعين عليه ذلك، كذلك يلقون مسؤولية التفكك المتواصل في سورية والتفكك الجزئي في ليبيا والعنف المتفشي في العراق على ضعف التصميم الأميركي على تقويم الأوضاع في تلك البلدان، ويظنون كل ذلك لأنهم يعتبرون أن استقرار الشرق الأوسط بالغ الأهمية بالنسبة إلى مصالح الولايات المتحدة.

ترفض إدارة أوباما وداعموها، سواء كانوا ناشطين أو لا، كل هذه الأفكار، مع أنهم يأبون الإقرار بذلك علانية، فهم يعتقدون أننا نشهد عملية تحول واسعة في الشؤون العالمية، خصوصاً في الشرق الأوسط، ما يؤدي إلى عالم أقل انقساماً، كذلك يظنون أن الغضب الشعبي تجاه الحرب في العراق والسأم العام من الحرب في أفغانستان يبرهنان أنه ما من دعم شعبي كافٍ لمحاولات الولايات المتحدة تصحيح الأوضاع في المجتمعات الإسلامية المعقدة والمكتظة، وأن تصحيح هذه الأوضاع لا يشكل مصلحة أميركية أساسية في مطلق الأحوال. قد تكون الحرب السنّية-الشيعية الدموية وغير المنتظمة في أرجاء الشرق الأوسط المختلفة مريعة من الناحية الإنسانية. إلا أنها لا تهدد بالضرورة خطوط النقل البحرية أو حتى وجود إسرائيل، التي تستطيع الصمود في وجه هذه الفوضى الإقليمية بمفردها. علاوة على ذلك، تعتبر طريقة التفكير هذه أنه لا بأس إذا انشغل سنّة تنظيم "القاعدة" في قتل الشيعة بدل الأميركيين، أوَلم تعُد الحرب العراقية-الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي بفائدة كبيرة على الغرب؟ من الواضح، إذاً، أن للحرب داخل العالم الإسلامي أوجهها الإيجابية، ولكن إذا امتدت هذه الاضطرابات العنيفة إلى الأردن، والمملكة العربية السعودية، ودول الخليج، تختلف المسألة، إلا أن هذا لم يحدث بعد. لذلك، أليس جيدا أن تتمكن الولايات المتحدة من التوصل إلى تفاهم مع إيران بشأن المسائل الأساسية في المنطقة؟ ألن يخفف هذا حمل الولايات المتحدة ويحد من احتمال أن تُضطر إلى التدخل مرة أخرى عسكرياً في الشرق الأوسط، خصوصاً أن الحاجة الأميركية إلى النفط من هذه المنطقة قد تراجعت؟

إذاً، يُطالب المشككون في روحاني بهيمنة أميركية كبيرة في المنطقة، في حين يريد المتعاطفون معه خطوات تخفف أعباء الشعب الأميركي: تحالف قوى يضم الولايات المتحدة، وإيران، وروسيا، وأوروبا، لكن مشكلة وجهة نظر المشككين أن الهيمنة الأميركية قد تكون عالية الكلفة على الأمد الطويل. أما مشكلة طرح تحالف القوى، فتكمن في أنه يقوم على الافتراض أن كل الأعضاء يتمتعون بالكفاءة والنوايا الحسنة.

بالإضافة إلى ذلك، تعتبر وجهة النظر المشككة (بما أنها تؤمن بالهيمنة الأميركية) أن من الأفضل توجيه ضربة عسكرية أميركية إلى إيران، في حال أخفقت المحادثات. في المقابل، ترفض رؤية أوباما فكرة توجيه ضربة عسكرية لأنها تدرك أنها بالغة الصعوبة، وأن الرئيس سيُلام على كل التطورات السلبية التي قد تنشأ.

كانت الولايات المتحدة بكل بساطة قوة استعمارية، سواء تدخلت لأسباب خاصة بالدولة أو لدوافع إنسانية، لكن إدارة أوباما تمثل أول عهد رئاسي أميركي في حقبة ما بعد الولايات المتحدة الاستعمارية منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية.

تشكل إدارة أوباما مؤشرا إلى السأم الأميركي، فعندما تنظر حول العالم، ترى معمعة كبيرة متفشية في سورية تجعل ليبيا تبدو سهلة جداً، ترى هجوماً على إيران قد يشعل على الأرجح هزة إقليمية أكثر سوءاً، ترى مصر كدولة بشعة إنما مستقرة في الوقت الراهن، فلا داعي إذاً لاتخاذ أي خطوات بهذا الشأن، ترى روسيا كدولة مستبدة متشددة ومخيفة، ترى منطقة المحيط الهادئ الآسيوية حيث يُعتبر الاستقرار أمراً مسلماً به منذ زمن، ترى أماكن مثل جمهورية إفريقيا الوسطى وجنوب السودان حيث يبدو الوضع مؤلماً، إلا أنه هامشي للأسف، ترى الفرص المتوافرة أمامها في مناطق قريبة في نصف الكرة الأميركي، خصوصاً في دولة المكسيك التي تشهد نهضة اقتصادية.

لكن المشككين في روحاني لا يشعرون بهذا السأم، فيسألون في كل هذه الحالات تقريبا لمَ لا تبذل الولايات المتحدة جهداً أكبر بكثير؟ يعلق الكثير من هؤلاء أهمية كبيرة على الوضع الإنساني، في حين يؤمن البعض بقوة الدولة، أما آخرون، فينتمون إلى كلتا هاتين الفئتين، فالعقوبات المتشددة والتدخلات العسكرية تتمحور عادة حول هاتين النقطتين.

لكن مشكلة المشككين في روحاني تكمن في أنهم يغفلون عمّا وصفه بول كينيدي، مؤرخ من جامعة ييل، بـ"الامتداد الاستعماري المفرط"، أي تسريع تقهقر قوة عظمى بتحميلها الكثير من المسؤوليات البعيدة. أما مشكلة مراهنة إدارة أوباما على روحاني، فتكمن في واقع أن السأم الاستعماري بعد الحرب العالمية الأولى شكل بحد ذاته خلفية التهدئة: رفض المزيد من المستنقعات الدموية، مهما كلف ذلك. صحيح أن إيران مختلفة عن ألمانيا النازية، لكن دولة إيرانية تتمتع بقدرة عسكرية نووية تشكل معضلة أمنية إقليمية أسوأ مما نواجهه اليوم.

إذاً، تحول روحاني وما يمثله أو لا يمثله إلى رمز لوجهتَي نظر متناقضتين تماماً في السياسة الخارجية الأميركية. نتيجة لذلك، يكون روحاني نفسه محوراً جيو-سياسيا قد يدور حوله مصير الولايات المتحدة كقوة عظمى في المستقبل.

back to top