عملية السلام الطويلة في جنيف تخدم مصالح الأسد

نشر في 01-02-2014 | 00:01
آخر تحديث 01-02-2014 | 00:01
No Image Caption
مع تمتع الأسد بالدعم السياسي والمالي والعسكري من لاعبين عالميين نافذين، مثل روسيا وإيران، ومع تردد واشنطن وحلفائها في المشاركة في ما يتعدى الإدانات الفارغة والإعلانات عن النوايا، يستطيع بشار أن يواصل إرهابه لمعظم شعبه وإرغامه على الاستسلام.
 Rime Allaf ما من أمر يروق لنظام بشار الأسد أكثر من مسيرة، وهو ما يقدمه المجتمع الدولي بما يحافظ له على وقائع الوضع الراهن داخل سورية إلى أمد طويل. لا شك في أن التحاور أفضل من القتال. لكن محادثات "جنيف- 2" بين النظام السوري والمعارضة لا توحي أنها ستفضي إلى نتيجة تخفف آلام الشعب السوري أو تسِمُ بداية نهاية الحرب.

لو كانت محادثات جنيف فعلاً محاولة لحل حالة الجمود السورية، لأصرت الأمم النافذة على التزام النظام بالتوصيات الأساسية لمحادثات                       "جنيف-1" عام 2012، بما فيها بند المساعدات الإنسانية، وإطلاق السجناء المعتقلين بسبب تهم ترتبط بالضمير، ووقف الضربات الجوية التي ينفذها الأسد بلا هوادة ضد المدنيين. لا تزال هذه مطالب أساسية تتمسك بها المعارضة السورية. لكن الأسد زاد منذ "جنيف-1" اعتداءاته، حتى إنه فرض حصاراً قاتلاً على المدنيين المسالمين في مناطق واسعة من عدد من المدن السورية الكبرى، بما فيها مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين. وفي مناطق دمشق الكبرى، حمص، وحلب، يموت الناس من الجوع، فيما يراقب العالم ما يحدث.

يعتقد الأسد أن الوقت يمر لمصلحته. فمع تمتعه بالدعم السياسي، والمالي، والعسكري من عدد من اللاعبين العالميين النافذين، مثل روسيا وإيران، ومع تردد الولايات المتحدة وحلفائها في المشاركة في ما يتعدى الإدانات الفارغة والإعلانات عن النوايا، يستطيع أن يواصل إرهابه لمعظم شعبه وإرغامه على الاستسلام. في الوقت عينه، بإمكان النظام خوض مسيرة لا نهاية لها، أو هذا ما يأمله على الأقل.

أما الائتلاف الوطني السوري المعارض من جهته، فقدِم إلى جنيف بسبب ما تعرض له من ضغوط. فقد تلقى تحذيرات من أن المساعدات القليلة غير الفتاكة التي يتلقاها من الدول الغربية ستتوقف، إن رفض المشاركة في ما يعتبره معظم السوريين المعارضين للأسد مجرد مهزلة متقنة. فلم تكن التوقعات متدنية، بل معدومة.

رغم ذلك، أدت هذه المسيرة الدبلوماسية إلى بعض المفاجآت. أولاً، أثار وفد النظام السوري استياء حتى داعمه الروسي بتصريحاته العدائية وانتهاكه الشائن لبروتوكول الاجتماع. ولم يلقَ الخطاب المسيء والبغيض، الذي ألقاه وزير الخارجية السوري وليد المعلم، الترحيب البتة. في المقابل، بدا رئيس الائتلاف الوطني أحمد الجربا منطقياً وبناءً، مثيراً إعجاب حتى أبرز المشككين بين مشاهديه.

فيما انهمك وفد الأسد في الإدلاء بالخطابات السخيفة، إجراء المقابلات الهستيرية، واتباع تكتيكات تافهة لتضييع الوقت خلال لقاءاته المختلفة مع وسائل الإعلام، بدت مقاربة الائتلاف منظمة ومنفتحة. والأهم من ذلك أن هذا اللقاء برهن بعض النقاط بالنسبة إلى المجتمع الدولي والسوريين من الانتماءات المختلفة. أولاً، أقر نظام الأسد بقبوله بهذه المسيرة أن ثمة معارضة رسمية منظمة، وأن الانتفاضة ليست مؤامرة عالمية أو غزواً إرهابياً كما ادعى سابقاً.

ثانيا، أقر النظام بمناقشته مسائل مثل تبادل السجناء أن هذه المعارضة تُشكل الكيان السياسي الوحيد القادر على التنسيق مع الجيش السوري الحر، وأن الفصائل الإسلامية الأجنبية في سورية لا علاقة لها بالمعارضة ولا بالجيش السوري الحر.

في هذه المجالات افتُضح كذب دعاية النظام السوري. فقد نجح الائتلاف الوطني في كشف خداع النظام، معرباً عن نضج سياسي أكبر مما توقعه كثيرون. فحتى الناشطون المناهضون للأسد، الذين انتقدوا بشدة المعارضة الرسمية، قدموا الدعم عموماً لوفدها في سويسرا.

ولكن إذا استمرت هذه المسيرة العقيمة طوال أشهر، إن لم نقل سنوات، فسيواصل النظام ضرب البلد. في هذه الأثناء، لن يكف الثوار عن القتال، لا ضد قوات الأسد فحسب، بل أيضا ضد فصائل داعش (الدولة الإسلامية في العراق والشام) التي لا يحاول الأسد ردعها، بل يشجعها.

بغض النظر عن الحملات الدعائية، يبقى الواقع أن غالبية الثوار حملوا السلاح ضد الأسد للانضمام إلى الجنود المنشقين الذين رفضوا توجيه سلاحهم ضد الناس. وعند رحيل الأسد، ما من سبب يدفعنا إلى الاعتقاد أن هؤلاء الجنود لن يعودوا إلى صفوف الجيش، وأن المدنيين لن يرجعوا إلى إعادة بناء حياتهم بمساعدة منظمات المجتمع المدني التي تزداد ثقة والتي لا تنفك تعزز دورها السياسي والاجتماعي-الاقتصادي وسط كل هذا الدمار.

لكن أسوأ ما قد يقوم به المجتمع الدولي التمسك بالمحادثات بلا أي هدف محدد، متنصلا من المشكلة في سورية. لا شك في أن ترك الكارثة لتحل نفسها بنفسها في أروقة جنيف مع مواصلة رفض التدخل المباشر يمكن الأسد على الأمد الطويل ويدفع خصومه إلى نهاية فيها الرابح والخاسر. وفي هذه الحالة، تكون سلبيات محادثات جنيف أكثر من فوائدها، ما يوحي للأسد واتباعه أنه لا يُقهر وأنه شريك لا يُعوض في سورية.

نظراً إلى فداحة وفظاعة الجرائم التي ارتكبها الأسد ضد الأمة كلها، وخصوصاً الأقليات التي يزعم حمايتها، من المستغرب أن يسعى أحد لحل يبقي الأسد في السلطة ولو جزئيا أو مؤقتا. فعلى المجتمع الدولي أن يضمن أن محادثات جنيف لا تبقى مجرد مسيرة، إذا أراد فعلا، على غرار معظم السوريين، إنهاء الحرب.

back to top