القاعدة وأخواتها... ما الذي تعرفه عن تنظيم القاعدة؟

نشر في 17-12-2013
آخر تحديث 17-12-2013 | 13:01
 باسم يوسف حين يأتي ذكر "تنظيم القاعدة" يسري فينا إحساس بعدم الراحة والخوف والقلق، فالتاريخ الإجرامي لهذا التنظيم يمتد من هجمات 11 سبتمبر إلى جرائم تفجير مدارس البنات في باكستان، ورفع أعلام القاعدة السوداء في وسط القاهرة في بعض التظاهرات التي كانت تُجرى وقت رئاسة محمد مرسي كنوع من استعراض القوة ضد معارضي الإخوان والتيار الإسلامي.

ولكن رغم وجود الكثير من المصريين والعرب على رأس هذا التنظيم فإننا لا نعرف أي شيء عن هيكله التنظيمي ومشاكل هذا التنظيم الإرهابي.

قررت هذا الأسبوع أن أبتعد عن مشاكل الدستور والتظاهرات وما يحدث في مصر من مصادمات في الجامعات، وفضلت أن أقرأ عن شيء مختلف.

قررت أن أعرف أكثر عن تنظيم القاعدة من زاوية أخرى، هذا التنظيم الذي تضخم وتمدد في العالم كله قد أصابه أمراض المؤسسات الكبرى من بيروقراطية وعقم إداري وخلاف على أولوية القيادة بين "موظفيها".

فتعال معي عزيزي القارئ و"فضي دماغك معايا" وتعال نتعرف على ما يُكتَب عن هذا التنظيم في الصحافة العالمية.

في مقالة بمجلة "فورين آفيرز" "Foreign Affair" يلقي "جاكوب شابيرو" الضوء على أهم نقاط الضعف للمنظمات الإرهابية، وهي الحاجة لتسجيل كل شيء واستخدام السجلات والجداول، لتتبع المصاريف والنقود التي تنفقها هذه الجماعات.

فمن الطبيعي لجماعات تستخدم المال لشراء السلاح والولاء أن تكون هناك رقابة صارمة على اقتصادياتها مثلها مثل شركة قطاع عام.

يضرب شابيرو المثل بمنظمة الألوية الحمراء في إيطاليا التي كان أعضاؤها يقضون وقتاً أطول في الإشراف على الميزانية ومتابعة السجلات أكثر من التدريب على عمليات التفجير.

ومن المعروف عن تنظيم القاعدة في العراق أنه في الفترة من 2005 إلى 2010 كان يحتفظ بسجلات دقيقة تحتوي على أسماء ومرتبات أعضائه.

ويضرب "شابيرو" مثلاً آخر بذكره لخلافات "مالية" حدثت في تسعينيات القرن الماضي وأظهرتها سجلات التحقيقات الأمنية، وكانت هذه الخلافات بين محمد عاطف، وهو قائد بارز في التنظيم، وبين مدحت مرسي السيد عمر، وهو خبير مفرقعات في تنظيم الجهاد المصري، وهاجم عاطف تصرفات مدحت غير المسؤولة، لأنه فشل في تقديم فواتير رحلة عائلية قام بها على حساب التنظيم!

ومن المفارقات التي يتندرون بها على تنظيم القاعدة هو الخطاب شديد اللهجة الذي بعث به أيمن الظواهري سنة 2010، حين كان الرجل الثاني بعد بن لادن، إلى قادة القاعدة في اليمن، والذي وجّه إليهم اللوم فيه لأنهم اشتروا ماكينة فاكس جديدة بالرغم من وجود ماكينة فاكس لديهم في حالة جيدة!

ربما تظن أن هدف هذه القصص التندر والتنكيت فقط، ولكن في الواقع فإن تنظيم القاعدة بالذات يعاني مشاكل تنظيمية جمة، خصوصاً منذ تولي أيمن الظواهري المسؤولية بعد بن لادن.

فأيمن الظواهري يتم انتقاده علناً بأنه "مدير فاشل" ولا يستطيع السيطرة على التنظيم الذي تشعّب في العالم كله، من العراق إلى المغرب، ومن الصومال إلى سورية.

وما يؤكد ذلك تقرير مهم لويليام ماكنتس الباحث في مركز بروكينجز في واشنطن، حيث ألقى الضوء على فشل الظواهري في إدارته للتنظيم، بل وضح ماكنتس أن بعض الفصائل التي من المفترض أن تدين بالولاء لـ"القاعدة" قد خرجت عن طاعته.

يبدأ ويليام ماكنتس من سورية حيث يخبرنا عن أبوبكر البغدادي أمير ما يسمى الدولة الإسلامية بالعراق، وهي جبهة منبثقة عن تنظيم القاعدة في العراق، إذ قرر البغدادي تغيير الاسم في التاسع من أبريل الماضي إلى "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، وذلك ليعطي رسالة ضمنية بتوسيع نطاق عمليات التنظيم لتشمل بلاد الشام كلها، وأعلن أن جبهة النصرة وقائدها أبو محمد الجولاني تابعون له ويحاربون تحت قيادته.

فما كان من الجولاني إلا أن "اشتكى" إلى الظواهري الذي عنَّف بدوره الاثنين، الجولاني لأنه لم ينضم إلى "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، وأبو بكر البغدادي لأنه غيَّر الاسم بدون الرجوع إلى الظواهري.

وكانت النتيجة إحراجاً علنياً للظواهري، حيث أصدر البغدادي بياناً يرفض فيه توجيهات الظواهري، وصرح بأنه يفضِّل اتباع تعليمات "رب العالمين" على اتباع أحد من خلقه، واتهم الظواهري بتفتيت صف المسلمين، واستخدم أدلة شرعية لإثبات صحة موقفه.

كانت هذه ربما المرة الأولى في تاريخ "القاعدة" أن يكون هناك خروج علني على قيادته المركزية، ولكن ذلك لا يعكس مجرد خلاف بيروقراطي يتعلق بتبعية أحد الفصائل المنتمية إلى "القاعدة" لفصيل آخر، بل هناك خلاف أعمق من ذلك.

فجبهة "الدولة الإسلامية في العراق والشام" تتميز بعملياتها الدموية وتفخر بتصوير أعدائها وهم يُذبَحون ويُقتَلون أمام الكاميرات، في حين تسعى جبهة النصرة إلى التعاون مع الفصائل السورية المعارضة، حتى لو كان ذلك بصورة مؤقتة، حيث إنهم في النهاية يعتبرون أن الكل كفار يجب قتلهم.

وهنا تكمن المشكلة في التعامل داخل منظمة إرهابية ذات غطاء ديني مثل "القاعدة"، ففي النهاية أنت تتعامل مع مجموعات من القتلة، وتتسابق كل مجموعة في إظهار قوتها بقتل بشر آخرين، ولكن في بعض الأحيان يزيد القتل عن حده حتى بالنسبة إلى جماعة إرهابية مثلما حدث في عام 2006 حين انقلب الأهالي بولاية الأنبار في العراق على تنظيم القاعدة هناك بقيادة "أبو مصعب الزرقاوي" بسبب جرائم التكفير والقتل المبالغ فيها حينئذ، مما دعا أيمن الظواهري (الرجل الثاني وقتها) إلى أن يوجّه اللوم إلى التنظيم هناك. الآن وبعد مرور سبع سنوات تتكرر نفس أخطاء "القاعدة" مرة أخرى، في حين يحاول فصيل آخر (النصرة) أن يظهر بمظهر أكثر تحضراً.

هل يمكن أن ينتهي الأمر بتقاتل الفصائل الإرهابية؟ الإجابة عن ذلك تكمن في ما حدث مع تنظيم الشباب في الصومال، إذ رفض بن لادن أن يضم رسمياً تنظيم "الشباب" تحت مسمى "القاعدة"، لأن "الشباب" كانت سمعته سيئة فيما يتعلق بشؤون الحكم، وكان يطبق أحكام الشريعة بقسوة، (هل تتخيل أن يكون هذا رأي بن لادن؟) مما قد يفقد تعاطف الأهالي هناك مع "القاعدة".

ولكن بعد تسعة أشهر من مقتل بن لادن وافق الظواهري على إعلان الدمج بين تنظيم القاعدة وتنظيم الشباب، بعد أن تلقى البيعة من قائد التنظيم في الصومال "أحمد عبدي جودان"، واستغل "جودان" هذا الدمج واعتبره اعترافاً دولياً من "القاعدة" فأخرس معارضيه، وقتلهم وسجنهم، مما أدى إلى انشقاقات حادة في تنظيم الشباب، وفقد التنظيم الكثير من الولايات والأراضي التي كان يستحوذ عليها في الصومال، ووصل الأمر بالرجل الثاني في تنظيم "الشباب" وهو "إبراهيم الأفغاني" إلى كتابة خطاب مفتوح على المواقع الجهادية المعروفة لأيمن الظواهري يلومه على سوء إدارته للأزمة، ويتهم "جودان" بأنه السبب في شق صف المجاهدين في الصومال وتراجع شعبيتهم بين الأهالي.

لذلك بعد سنتين من ترؤس الظواهري لتنظيم القاعدة، يعاني التنظيم من الانشقاقات والخلافات مثل أي حزب سياسي، وتتراجع شعبيته في أكثر الأماكن فقراً وجهلاً، وهذا يعطي مؤشراً قوياً أن أكثر أعداء الإرهابيين هم الإرهابيون أنفسهم، وأن وجودهم في تنظيم بكل ما فيه من أمور إدارية وتنظيمية ومالية قد يعجّل بنهاية تنظيمهم.

أو ربما يؤدي ذلك إلى خروج جماعات إرهابية صغيرة تتنافس في تفجير نفسها في كل أركان العالم مع التركيز على قتل المسلمين والعرب مع بعدهم التقليدي عن إسرائيل في مفارقة عجيبة!

لكن ما أهمية هذا المقال في وسط ما يحدث في مصر الآن؟

في اعتقادي أننا في مصر اعتدنا النظر إلى الأمور السياسية في العالم من ثقب الباب، نحن لا نعرف من السياسة الأميركية إلا القشور، ولا نعرف عن "القاعدة" غير بن لادن والظواهري، وبالرغم من تأثرنا، نحن العرب، بالجماعات الإرهابية في منطقتنا العربية نجد أن أكثر الكتابات دقة عما يحدث هنا هي كتابات أميركية صرفة، فعذراً إن كان المقال يحمل الطابع الخبري، فأنا مثل كثير من المصريين أجد صعوبة في العثور على الأخبار بطريقة مهنية في إعلامنا المصري، فأردت أن أشارككم فيما قرأت.

ربما تخرج بنتيجة أن "القاعدة" في طريقها إلى الانهيار، أو ربما تخرج بحقيقة أن ليس لدينا منافذ أخبار حقيقية لأن كلنا ننقل من الأميركان، ولكن في النهاية إن خرجت بحدوتة لطيفة عن "القاعدة"  فذلك بالنسبة لي يكفيني جداً.

صباح الفل.

ينشر باتفاق خاص مع «الشروق» المصرية

back to top