نهج المغرب في مكافحة التطرف العنيف

نشر في 26-05-2014 | 00:01
آخر تحديث 26-05-2014 | 00:01
 محمد صلاح التامك في جعبة المغرب سجلٌّ حافلٌ بالنجاحات في مجال مكافحة التطرف العنيف داخل البلاد، بما يتضمنه ذلك من تفكيكٍ لعدة خلايا مرتبطة بنواة تنظيم «القاعدة» أو بفرعها في شمال إفريقيا، تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، وقد تم بالفعل توقيف الآلاف من المشتبه فيهم في جرائم الاغتيال والاعتداء والسرقة؛ كما تمت مصادرة مخابئ ضخمة من الأسلحة الثقيلة؛ وأحبطت السلطات عدة محاولات لمهاجمة الأجهزة الأمنية والمرافق السياحية والبعثات الدبلوماسية وأماكن العبادة للمسيحيين واليهود، بالإضافة إلى ذلك، تم تفكيك قناتين لتجنيد الجهاديين في مالي في أواخر عام 2012، فضلاً عن تعاون قوات الأمن المغربية والإسبانية منذ شهرين على تفكيك خلية عابرة للحدود الوطنية تجنّد المقاتلين إلى سورية ومالي.

وتكمن صعوبة مكافحة العنف الإرهابي على امتداد الصحراء الكبرى والساحل الإفريقي في الشبكات الواسعة المتعددة الجنسيات التي انبثقت في تلك المناطق مستفيدةً من الحدود السهلة الاختراق، وتحافظ تلك الشبكات على روابط وثيقة مع المجتمعات المحلية، الأمر الذي يفسح المجال أمام المهربين وتجار المخدرات والمنظمات الإجرامية العابرة للحدود الوطنية للازدهار فيها، ومثال ذلك تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، الذي حافظ على صموده لا بل ضاعف أعمال عصاباته على الرغم من الخسائر الفادحة التي تكبّدها خلال العملية العسكرية الفرنسية في مالي، وتتسع شبكة تحالفاته لتضم "أنصار الشريعة في ليبيا" وجماعة "بوكوحرام" في نيجيريا و"حركة الشباب الإسلامية" في الصومال؛ وتهدد هذه الجماعات المراكز الحكومية والعسكرية في العواصم الإفريقية فضلاً عن البعثات الغربية في سائر أنحاء المنطقة.

تقوية جهود مكافحة الإرهاب الإقليمي

ومن أجل وضع سياسات فعالة لمكافحة الإرهاب في جميع أنحاء العالم الإسلامي، لا بد من تقوية الحركات الديمقراطية وتفادي ظهور الحركات المناصرة لـ تنظيم «القاعدة» على الصعيدين المحلي والإقليمي، بالإضافة إلى التشجيع على الاعتدال والتسامح في التعليم. وفي إطار السعي إلى تحقيق هذه الغايات، ينبغي على الشركاء الغربيين أن يقدموا الدعم التقني والمساعدات التنموية الضرورية للحكومات الضعيفة في الصحراء الكبرى والساحل الإفريقي، ولا بد أن تقترن الأعمال الاستخباراتية والدعم اللوجستي وتدريب القوات الخاصة باستثمارات اقتصادية واجتماعية من أجل ضمان تطبيق برامج مكافحة الإرهاب بنجاح.

ومن جهته يعمل المغرب اليوم مع شركائه الإقليميين على مكافحة التطرف العنيف في المستويات السياسية والدينية والاقتصادية والأمنية، وتشمل هذه الجهود الحفاظ على الاستقرار السياسي وسلامة الأراضي في دول الصحراء الكبرى والساحل الإفريقي، وذلك عن طريق تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان والدبلوماسية فضلاً عن مكافحة قوى التطرف عبر توسيع البرامج التعليمية التي تشجع على الاعتدال والنسبية الثقافية والتفكير الناقد، وكذلك من خلال إعادة النظر في المساعدات المباشرة التي غالباً ما تعمل على إيصال الأموال إلى أيدي الزعماء الفاسدين، وتقوية البلدان المجاورة من خلال الدعم التقني وتنمية قدراتها من أجل مكافحة الاتجار غير المشروع وانتشار الجماعات الإرهابية.

وفي هذا السياق، أثبت الملك محمد السادس التزامه بتعميق التعاون مع البلدان المجاورة عبر القيام بعدة زيارات رسمية إليها والتوقيع على عدد غير مسبوق من اتفاقيات الشراكة الاقتصادية، كما أنه أعرب عن دعمه للجهود المشتركة التي تبذل لمكافحة التطرف، في الوقت الذي أبدى فيه المسؤولون من ساحل العاج والنيجر وتونس وغينيا استعدادهم لتدريب أئمّتهم في المغرب.

تداعيات الحرب في سورية

على غرار العديد من الدول الأوروبية والعربية، يحاول المغرب كبح تجنيد الجهاديين المتجهين إلى سورية ومنعهم من الانخراط في أعمال إرهابية لدى عودتهم من الحرب مزودين بقدرات جديدة، فحتى اليوم، غادر ما يقارب الألف مغربي للانضمام إلى القتال؛ وعند وصولهم إلى سورية، التحق معظمهم بـ"حركة شام الإسلام"، تلك الجماعة المعارضة التي أسسها جهادي من المغرب. وتسعى هذه الحركة إلى تدريب المجندين على صنع المتفجرات واستعمال الأسلحة الثقيلة قبل أن تعيدهم للقتال في المغرب، وقد تمكنت المملكة المغربية حتى الآن من زجّ 199 من هؤلاء الجهاديين في السجن، من ضمنهم 182 شخصاً اعتقلوا خلال محاولتهم مغادرة البلاد إلى سورية و17 شخصاً ألقي القبض عليهم عند عودتهم من الحرب.

لقد انضمت الولايات المتحدة إلى الدول الأوروبية ودول شمال إفريقيا من أجل معالجة مشكلة المقاتلين الأجانب القادمين من سورية والمتجهين إليها، وسوف يعقد مؤتمر بهذا الشأن في المغرب خلال شهر يونيو، وفي الواقع أن الرباط منخرطة في تعاون وثيق مع الدول الأوروبية التي تواجه الخطر نفسه، أي الجهاديين العائدين إلى الوطن، بما فيها فرنسا وإسبانيا وبلجيكا، إلا أن المغرب لم يُقِم فعلياً أي تعاون أمني مع الجزائر على الرغم من التهديدات المشتركة التي يواجهها كلا البلدين، وهذا واقعٌ من شأنه إضعاف احتمالات تبادل المعلومات الاستخبارية والتعاون الفعال حول مسألة الجهاديين. وعلاوة على ذلك، إن الظروف الراهنة في ليبيا تشكل خطراً بالغاً على دول المغرب العربي بسبب افتقارها إلى مؤسسات قوية أو قوات مسلحة قادرة على التصدي للنفوذ المتنامي الذي يكتسبه المقاتلون المتطرفون فيها.

اجتثاث التطرف ومكافحة التطرف العنيف

تهدف الجهود التي تبذل في العالم أجمع لاجتثاث التطرف إلى دحر التطرف الديني من خلال معالجة العوامل الكامنة التي تدفع الأفراد للانضمام إلى الجماعات الإرهابية، وقد تبنت بعض الدول بشكلٍ متزايد مسعى إلغاء التطرف كبديلٍ عن القمع، على اعتبار أن هذا الأخير لم ينجح دائماً في معالجة التهديدات، ومن جهتها تبنّت الرباط إلغاء التطرف في مرحلة مبكرة في إطار نهجها المتعدد الأبعاد لمكافحة التطرف الإقليمي، كما صاغت استراتيجيتها ضمن إطار التقاليد الدينية التي تركز على المرونة والاعتدال بدلاً من التطرف.

وفي المغرب، يعتبر الملك أمير المؤمنين، وهو يحتكر السلطة الدينية المحلية بشكلٍ يقمع المناصرين المتطرفين للإسلام السياسي، وهذا يعني أن الدولة المغربية تتحلى بمصداقية روحية أكثر من العديد من الحكومات الإقليمية الأخرى، حتى أكثر من دول الخليج العربي، مع العلم أن مؤسساتها الدينية تلقى احترام الدول المجاورة أيضاً، وعلاوة على ذلك، يعتبر المغرب نفسه مجتمعاً ديمقراطياً نموذجياً يجب أن يقوم على الإسلام المتسامح والمنفتح والمعتدل.

ويتمثل أحد العناصر الأساسية من استراتيجية المغرب لمكافحة التطرف بإعادة تنظيم كيانات الدولة الدينية من أجل حماية المواطنين من أشكال الإسلام العدائية والمتطرفة. وقد تضمّن هذا البرنامج تعميم نشرة رسمية عن الأئمة، وتأسيس "مديرية التعليم العتيق" في "وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية" وإلغاء مركزية عمليات الوزارة، إلى جانب مراجعة القوانين التي ترعى أماكن العبادة الإسلامية وتشكيل مجلس ديني في أوروبا للجالية المغربية والاستعانة بالمحطات الإذاعية والتلفزيونية للترويج للتعاليم المعتدلة ومراجعة الكتب والمناهج الدراسية بهدف حذف ما له علاقة بالترغيب المتطرف في العنف؛ ولهذه الجهود وغيرها أهميةٌ خاصة لا سيما أن هناك نحو 50 ألف إمام في المغرب.

وإلى جانب المبادرات الدينية، تتضمن استراتيجية الرباط لمكافحة التطرف مجموعةً من الإصلاحات السياسية التي نصت عليها التعديلات الدستورية الأخيرة ومشروع "الجهوية المتقدمة"، فضلاً عن الخطوات الرامية إلى زيادة احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، ومساعي التنمية الهادفة إلى تفادي تهميش الأفراد والمجتمعات المحلية. وتشكل هذه الجهود وغيرها نموذجاً يمكن للدول الأخرى أن تحتذي به لمكافحة التطرف واجتثاثه، كما برهن على ذلك تدريب الأئمة الأجانب في معاهد الاعتدال الديني في المغرب.

أما في السجون المغربية، فقد تم اجتثاث التطرف عبر الإشراف الديني الذي تولته الجهات المسؤولة من "وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية" وكذلك أعضاء من المجالس الدينية المحلية والإقليمية، وفي عام 2013 وحده، زار هؤلاء المسؤولون ما يقرب من 5 آلاف شخص من المجرمين المسجونين، واليوم يشكل المتطرفون المعتقلون واحدا في المئة من إجمالي الأسرى في المغرب، أو ما يعادل 600 سجين من أصل 74 ألفاً. وبعد أن باءت محاولة عزلهم بالفشل، بات هؤلاء المُدانون المتطرفون يختلطون بعامة الأسرى في أكثر من نصف سجون البلاد.

وأحد العناصر الجوهرية الأخرى لإلغاء التطرف بين السجناء هو إعادة دمجهم في المجتمع بنجاح، ومن هذا المنطلق، يُمنح الأسرى المغاربة فرصة متابعة تحصيلهم العلمي لكي ينالوا شهادات جامعية، وفضلاً عن ذلك، تقيم الحكومة شراكات مع المؤسسات الخاصة لتوفير فرص العمل والتدريب والتوظيف في النهاية لهؤلاء السجناء بعد الإفراج عنهم، وتجدر الإشارة إلى أن هذه الشراكات بين القطاعين العام والخاص جوهريةٌ لإعادة الدمج، لأن العمالة وتنمية المهارات تحدان من احتمال عودتهم إلى حياة الإجرام ولأن الحكومة عاجزة عن تأمين عمل لكل سجين بمفردها.

وخير مثال على مساعي إلغاء التطرف هذه هو تصالح الحكومة مع رمز السلفية المتطرفة السابق محمد الفزازي كجزء من مسعىً أوسع للعفو عن السلفيين المصلحين في أعقاب الاحتجاجات التي انبثقت عام 2011 بوحي من "الربيع العربي". وفي الواقع أن العديد من هؤلاء السلفيين كانوا على استعداد للانعتاق حقاً من التطرف حينما أفسح لهم المجال للاندماج في الحياة السياسية، أما الفزازي فكان فد قضى في السجن عدة سنوات بسبب تحريضه على العنف ضد الأجانب وضلوعه في تفجيرات الدار البيضاء عام 2003، ومع ذلك كان التحوّل الذي أظهره عند إطلاق سراحه كافياً لأن يُطلب منه أن يكون الخطيب في صلاة الجمعة أمام الملك.

back to top