تقرير اقتصادي : «نموذج إنجاز»... طريق الكويت لتجاوز نماذج الفشل المتكررة

نشر في 09-01-2014
آخر تحديث 09-01-2014 | 00:04
الحاجة ملحة إلى مشروع دولة يتجاوز الإخفاقات المتراكمة منذ سنوات
في ستينيات القرن الماضي كان لدى الكويت مشروع دولة، انعكس على شكل مجموعة من نماذج الإنجاز التي استمرت حتى منتصف الثمانينيات، وهو ما نفتقده اليوم بشدة.
مع دخول عام 2014 يعود الحديث مجدداً عن الاقتصاد الكويتي وإمكانات العمل على تحقيق نموذج إنجاز في مجال الإدارة في ظل عدم القدرة على تقديم أي إنجاز ملموس منذ فترة طويلة، مما أدى إلى تنامي المشكلات، والصدام السياسي، والأزمات الاجتماعية، وتصاعد نبرة النقد لإدارة الدولة للاقتصاد.

فمن تعثر مشروع تحويل الكويت إلى مركز تجاري ومالي، مروراً باكتشاف أخطاء منهجية في خطة التنمية والشكوك حول حسن تطبيق خصخصة «الكويتية» وتراجع مؤشرات الكويت التنافسية خليجياً وعالمياً، إلى المشكلات المزمنة والمتنامية في الصحة والتعليم والسكن، تبرز حاجة الكويت إلى نموذج إنجاز مفقود منذ سنوات طويلة، ربما تعود إلى فترة ما بعد التحرير عندما نجحت الحكومة في إعادة الإعمار وإطفاء الآبار المشتعلة، ولم نعرف بعدها ما يمكن أن يوصف بأنه إنجاز على صعيد الإدارة الحكومية.

ففي ستينيات القرن الماضي كان لدى الكويت مشروع دولة انعكس على شكل مجموعة من نماذج الإنجاز، التي استمرت حتى منتصف الثمانينيات، بفضل إدارة حكومية يمكن وصفها، في ذلك الوقت، بالجيدة، لأنها استطاعت تقديم أكثر من نموذج إنجاز، وهو ما نفتقده اليوم بشدة.

فرغم الإمكانات المحدودة حينئذ، لكنها كانت منظمة، باتت الكويت الأولى خليجياً في مجموعة من القطاعات، فضلاً عن القطاع الاقتصادي الذي كانت الكويت تمثل فيه إحدى أهم المحطات التجارية في الربط بين الهند وشرق إفريقيا، ليتطور الأمر خلال سنوات سريعة، مع الطفرة النفطية، إلى إقامة مؤسسات اقتصادية، سابقة لعصرها، إقليمياً على الأقل، كتأسيس صندوق احتياطي الأجيال الكويتي عام 1953، والخطوط الجوية الكويتية عام 1954.

ونموذج الإنجاز انعكس على مجالات متنوعة كالمعارف والتعليم والأدب والتنظيم الإداري والعمراني والمسرح والرياضة، وباتت الكويت خلال سنوات قليلة محط أنظار دول الخليج وعدد من الدول العربية حتى منتصف الثمانينيات، ثم تراجع نموذج الإنجاز بشكل غريب، حتى دخلنا في مشكلات تتعلق بالسكن والتعليم والصحة والخدمات العامة، لتتحول اليوم إلى أزمات مع توقعات بأن تشهد السنوات المقبلة كوارث تتمثل في عجز الدولة عن تقديم خدماتها بالحد الأدنى!

وحسب الأرقام الرسمية، فإن الكويت مقبلة على مصاعب حقيقية، فمثلاً الحكومة التي يُطلَب منها اليوم أن توفر نحو 20 ألف وظيفة سنوياً، عليها بعد أقل من 16 عاماً أن توفر 74 ألف وظيفة كل سنة، وهو أمر شبه مستحيل في ظل استمرار الوضع الحالي المتعلق بتضخم الجهاز الإداري للدولة ومحدودية القطاع الخاص.

كما أن الطلب الإسكاني الذي يناهز اليوم 108 آلاف طلب سيرتفع خلال 5 سنوات إلى 135 ألف طلب غير مستوف، فضلاً عن أن الشباب دون 24 عاماً يشكلون 60 في المئة من إجمالي الشعب الكويتي، وهم عامل ضغط كبير على خدمات الدولة خلال الـ20 عاماً القادمة، خصوصاً في ظل زيادة عدد المواليد.

لذلك فالحديث عن أرقام مرعبة في القطاعات الخدمية، وما يقابلها من نمو مطرد في الموازنة العامة التي نمت خلال 10 سنوات من نحو 5 مليارات دينار إلى 22 ملياراً، يوجب البحث عن «نموذج إنجاز» للكويت، خصوصاً في ظل تحديات كبيرة ليس أقلها أن الميزانية العامة للدولة في حال الاستمرار بالنهج الحالي ستبدأ في تسجيل العجز اعتباراً من عام 2020 بواقع 3.5 مليارات دينار في السنوات الأولى، على أن يبلغ العجز التراكمي لعام 2030 نحو 174 ملياراً، وعندئذ سنحتاج إلى سعر 213 دولاراً لبرميل النفط لتحقيق نقطة التعادل.

طبعاً نموذج الإنجاز يُقصَد به تحويل قطاع مرهق من الإدارة الحكومية إلى قطاع إنتاجي وناجح، فمثلاً قطاع التعليم يتم التعامل معه على أنه مشروع دولة، بحيث يتم وضع جميع الإمكانات لتحقيق نظام تعليم متطور، بالضبط كما فعلت سنغافورة أو السويد أو كوريا الجنوبية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الكويت تعتبر أكثر دول العالم إنفاقاً على التعليم مقارنةً بالناتج المحلي الإجمالي بواقع 8.4 في المئة.

وبدلاً من أن تكون الدولة مجرد جهة توفر الوظائف، عليها أن تتحول إلى دور الصانع لفرص العمل وبيئة متاحة لأصحاب الأفكار من الشباب، فضلاً عن اتخاذ إجراءات لتخصيص مؤسسات سيئة إدارياً كالخطوط الجوية الكويتية أو المشروعات السياحية، لتتحول إلى مؤسسات تقدم خدمات عالية الجودة ومدرة للأرباح، بل إن هاتين المؤسستين، تحديداً، إذا تمت إدارتهما ضمن بيئة تهدف، فعلاً، إلى تحقيق «نموذج للإنجاز» يمكن أن تجعلا الكويت عاصمة إقليمية للسياحة العائلية. كما يؤخذ بعين الاعتبار مدى قدرة صندوق المشاريع الصغيرة، ورأسماله مليارا دولار، على إحداث تغيير في سوق العمل، وهو أمر مرتبط أيضاً بتوفير الأراضي الصالحة لإقامة مشاريع صغيرة وفق دراسات جدوى.

مؤسف أن تتبنى الدولة مشروعاً كان الجميع يعتقد أنه «نموذج جديد للإنجاز»، كمشروع تحويل الكويت إلى مركز تجاري ومالي، واليوم بعد مرور 10 سنوات على إطلاق هذه الفكرة، لم يحدث في الكويت ما يوازي حجم هذا الطموح «الإنشائي»، فبيئة الاستثمار حققت تراجعات مخيفة، ولم يصبح لدينا مركز ترانزيت للبضائع، ولم نتمكن خلال هذه الفترة من استقطاب أكثر 1 في المئة من إجمالي الاستثمارات الأجنبية التي استقطبتها دول الخليج، فضلاً عن تعاظم المشكلات الخدمية والإجرائية وتعقدها عاماً تلو الآخر.

الكويت اليوم بحاجة ملحة إلى نموذج جديد ومتفرد في الإنجاز، وليكن في التعليم أو العمل أو بيئة الاستثمار أو عبر نموذج ناجح في الخصخصة أو حتى في مؤسسة صغيرة تخدم شرائح عديدة كتسهيل المعاملات الحكومية... المهم أن يكون لدينا أي نموذج جديد للإدارة الحكومية يمكن أن يعطي مقياساً لنماذج أكبر لمؤسسات وقطاعات بحاجة فعلاً إلى تغيير أنماط إدارتها الجامدة منذ مدة.

back to top