إغراء جورج بوش الابن
كيف حاول رئيس الخير والشر التقرب من بوتين؟
وكيف تحوّلت الصداقة إلى خلاف؟
وكيف تحوّلت الصداقة إلى خلاف؟
تقدّم {رقصة الرئيس} جورج بوش الابن طوال ثماني سنوات مع سيد الكرملين، التي أعيد بناؤها من خلال مقابلات مع لاعبين أساسيين وملاحظات سرية ومذكرات، دروسًا للرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما، فيما يجاهد ليحدد مقاربته الخاصة في التعاطي مع بوتين ويصوغ مستقبل هاتين القوتين النوويتين. تحوّلت الأشهر الأخيرة إلى محور مأساوي جديد في العلاقة الروسية-الأميركية الكثيرة التقلب. فقد تحدت موسكو واشنطن بتقديمها ملجأ لمسرب معلومات وكالة الأمن القومي الأميركية إدوارد سنودن. وأصبح أوباما أول رئيس يلغي اجتماعًا روسيًّا-أميركيًّا خلال 50 سنة. لكن الكرملين عمد بعد ذلك فجأة وبطريقة غير متوقعة إلى رمي طوق إنقاذ للقائد الأميركي عندما اتخذت مواجهته مع سورية منحى خاطئًا.ولكن إذا تأمل أوباما تجربة سلفه، فقد يدرك أنه من السهل إساءة الحكم على نوايا موسكو بإضفاء الأفكار الأميركية على ما يجب أن تكون عليه مصالح روسيا بدل محاولة فهم نظرة بوتين ومحيطه من عملاء الاستخبارات السوفياتية السابقين وممن يؤمنون بأن في كل لعبة رابحاً وخاسراً. فقد وقع بوش وأوباما مرارًا في خطأ تقييم روسيا من خلال المنظار الأميركي، وخاب أملهما حين أدركا أن وجهة نظر الكرملين تختلف عما ظناه.
عندما تبوأ بوش منصبه، كان يشعر بالقلق حيال بوتين. فقد نعته في المجالس الخاصة بـ}الرجل البارد}. لكنه رغب في إقامة علاقة عمل لأنه رأي حينذاك أن الولايات المتحدة تواجه مخاطر في مكان آخر. وعندما التقى هذا الرئيس الأميركي باحثين متخصصين في الشأن الروسي قبل لقائه الأول مع بوتين عام 2001، أخبره مايكل ماكفول، بروفسور آنذاك في جامعة ستانفورد أصبح لاحقًا سفير أوباما إلى موسكو، أن إبقاء روسيا {داخل الخيمة} يُعتبر المسار السليم. وافقه بوش الرأي، قائلاً، {أنت محق لأننا سنضطر كلنا ذات يوم إلى مواجهة الصينيين}.لذلك عندما اجتمع ببوتين في قصر يعود إلى القرن السادس عشر في سلوفينيا في شهر يونيو من تلك السنة، كان يملك الرغبة في إقامة شراكة مع عميل الاستخبارات السوفياتية السابق هذا حتى قبل أن يخبره نظيره عن إنقاذه صليبه الأرثوذكسي من حريق شب في المنزل الصيفي، قصة حرّكت إيمان بوش. حتى إن تعليق الرئيس الأميركي اللاحق عن أنه {لمس روحه} أقلقت كثيرين داخل فريقه. فقد تجمدت مستشارة الأمن القومي كونداليزا رايس حين سمعت كلمات بوش هذه وقلقت من أن يكون هذا الجواب عاطفيًّا على نحو مبالغ فيه. إلا أنها لزمت الصمت. أما في واشنطن، فقد شعر نائب الرئيس ديك تشيني وفريقه بانزعاج أكبر. يتذكر لاحقًا إريك إيدلمان، الذي كان آنذاك نائب مستشار الأمن القومي في فريق نائب الرئيس: {استهجن كثيرون منا هذا الكلام}. وفي كل مرة رأى فيها تشيني بوتين، كان يقول للناس في الجلسات الخاصة: {أفكر في الاستخبارات السوفياتية، الاستخبارات السوفياتية، الاستخبارات السوفياتية}.لكن بوش سعى إلى تعزيز علاقته ببوتين. فدعاه إلى مزرعته خارج كروفورد في تكساس ولاحقًا إلى كامب ديفيد. ويحب بوتين أن يتفاخر بأنه القائد الأجنبي الأول الذي استطاع التواصل مع بوش بعد سقوط برجي مركز التجارة العالمي، وأنه أرغم متشدديه على السماح للجنود الأميركيين بالدخول إلى آسيا الوسطى التي كانت خاضعة سابقًا للاتحاد السوفياتي كي تكون لهم نقطة انطلاق نحو أفغانستان.حتى عندما ألغى بوش معاهدة منع الصواريخ البالستية رغم اعتراضات روسية، حاول الطرفان الحد من الخلاف واتفقا على تخفيض كبير في ترسانتيهما النوويتين.وعزا بوتين آنذاك، كما في مراحل لاحقة، مطالب بوتين وجنون الارتياب الذي عاناه إلى المحيطين به، مبرئًا الرئيس الروسي بحد ذاته.جلسة خاصةبدأ بوش ولايته الثانية بخطاب تسلم سلطة تعهد فيه بالعمل {لإنهاء الطغيان حول العالم}. لذلك ما عاد بإمكان بوش التغاضي عن مركزية السلطة في روسيا خلال عهد بوتين. فقد استولى الكرملين على محطات تلفزيونية مستقلة، ألغى انتخابات الحكام، أرغم القادة الأثرياء المتمردين على الهرب إلى المنفى أو ألقاهم في السجن، وأخرج الأحزاب الديمقراطية الموالية للغرب من البرلمان. عرف كثيرون في محيط بوش شخصيًّا ميخائيل خودوركوفسكي، عملاق النفط الذي اعتُقل فجأة بتهم مالية حين عبّر عن معارضته بوتين. لذلك، عندما توجه بوش إلى أول اجتماع له مع بوتين في ولايته الثانية، كان مصممًا على الضغط على نظيره الروسي، وإن في السر.خلال جلسة خاصة مطوّلة في براتيسلافا، عاصمة سلوفاكيا، في شهر فبراير عام 2005، عبّر بوش عن دعمه للحرية، ما جعل بوتين يتبنى موقفًا دفاعيًّا. وكما عهدناه دومًا، حاول بوتين تقديم المقارنات، مبررًا أعماله بتشبيهها بأوضاع مماثلة في الولايات المتحدة. قال بوتين: «لا تعظني بشأن حرية الصحافة بعد أن طردت مراسلاً». فسأله بوش: «أتقصد دان راذير؟». فرد بوتين «نعم».تخلى راذير عن منصبه كمذيع لنشرة الأخبار المسائية في شبكة CBS بعد أن تبيّن أن التقرير الذي اتهم بوش بعدم أدائه خدمته في الحرس الوطني يستند إلى وثائق مزورة. لكن بوش أوضح لبوتين ألا دخل له بطرد راذير. وأضاف: {أنصحك ألا تقول أمرًا مماثلاً علانية. سيظن الشعب الأميركي أنك لا تفهم نظامنا}.إلا أن بوتين فهم نظامه الخاص جيدًا. فعندما خرج القائدان للمشاركة في مؤتمر صحفي مشترك، تحدى مراسل روسي انتقاه الكرملين بعناية بوش، مستندًا إلى الأسس ذاتها التي ذكرها بوتين لتوه خلال اجتماعهما. علق هذا اللقاء في ذهن بوش. وقد أثارت ذكراه استياءه.مشروعرغم الاستياء الذي شعر به بوش، لم يكن مستعدًّا للتخلي عن بوتين. فقد تحوّل هذا الأخير إلى مشروع سعى بوش إلى تحقيق النجاح فيه. ظن الرئيس الأميركي أنه ما زال يستطيع جذب موسكو إلى العالم الغربي بتخفيف انتقاداته العلنية والاستعاضة عن ذلك بحض بوتين برفق في السر، محافظًا بالتالي على نفوذه بدل أن ينفر الرئيس الروسي بالكامل. وعندما حان وقت استضافة بوتين قمة الدول الثماني في سانت بيترسبرغ عام 2006، أدرك بوش أهمية هذه اللحظة بالنسبة إلى روسيا بصفتها إشارة إلى عودتها إلى المسرح العالمي. لكنه توقع فيضًا من الشكاوى من المشرعين، الناشطين، والصحافيين بشأن القمع الداخلي في روسيا. قال بوش لتوني بلير، رئيس الوزراء البريطاني، خلال اتصال هاتفي: «أعتقد أننا سنواجه عاصفة هوجاء في علاقتنا مع بوتين».من بين مَن فضلوا اعتماد مقاربة أكثر تشددًا تشيني، الذي سافر بإذن من بوش إلى عاصمة ليتوانيا، فيلنيوس، قبل قمة مجموعة الدول الثماني لينتقد بوتين بسبب حده «بطريقة مجحفة وغير ملائمة» الحقوق في روسيا واستخدامه الغاز والنفط كأداة «للتخويف والابتزاز» في الخارج. أثار هذا الخطاب استياء بوتين. إلا أن بوش سعد بأداء تشين دور الشرطي السيئ، محتفظًا هو لنفسه بدور الشرطي الجيد. أخبر بوش بلير في وقت لاحق من ذلك الشهر: «حدد نائب الرئيس معيارًا راسخًا بخطابه، ما يساعدنا كثيرًا».حاول بوش، الذي كان يأمل تفادي {العاصفة}، إضافة بعض المسائل المهمة إلى أجندة القمة كي يحول دون تمحورها حول مسألة الديمقراطية الروسية. وفي اتصال هاتفي بين هذين القائدين في 5 يونيو، اقترح بوش أربعة مواضيع: أنفلونزا الطيور، دارفور، إيران، والإرهاب النووي. كذلك شكر بوتين بوش لدعمه عضوية روسيا في منظمة التجارة العالمية وقال: {ما زلنا نحتاج إلى بضع خطوات} لحل الخلافات الكبرى {وينتهي الأمر}.بدّل بوتين بعد ذلك مسار الحوار فجأة متحدثًا عن سيرغي لافرور، وزير خارجيته المتشدد الذي لا يكف عن التدخين. قال بوتين لبوش: {عاد لافرور لتوه من لندن وكان يعاني مشاكل في خديه وشفتيه المتورمة. قد نُضطر إلى البحث بعمق في ما فعلته به كوندي (كونداليزا رايس)}. فجاراه بوش في هذا الحوار الغريب الذي حمل بعض التلميحات الجنسية. وردّ مازحًا: {كوندي ليست عمياء}. فأجابه بوتين: {وهي سيدة جذابة جدًّا}.أضاف بوش: {إنها سيدة مميزة}. ثم حاول تغيير الحديث، قائلاً: {اسمع! أودّ أن ننتهي من مسألة منظمة التجارة العالمية في الأسابيع القليلة المقبلة قبل أن نتوجه إلى سانت بيترسبرغ}.بعيد ذلك، التقى بوش رئيس الوزراء الدنماركي في كامب ديفيد، حيث تحدثا عن بوتين. أخبره بوش أن بوتين حاول إغراءه بعرض وظيفة مربحة جدًّا في قطاع النفط الروسي على دون إيفنز، وزير التجارة السابق وأحد أصدقاء بوش المقربين. ذكر بوش: {سألني بوتين: أترغب في أن أُعطي إيفنز منصبًا مهمًا؟. يا له من سؤال!}. أخبر بوش رئيس الوزراء الدنماركي أنه استشاط غضبًا، وأضاف: {أردت أن أجيبه: أرغب في أن تعزز الديمقراطية. يا للطريقة الغريبة التي يفكر بها!}.أخفقت جهود بوش لتحويل الانتباه عن الصراع الديمقراطي بعقد صفقة في اللحظة الأخيرة لإدخال روسيا إلى منظمة التجارة العالمية بعد جلسة مفاوضات طويلة بين المسؤولين التجاريين. فعمّ الاستياء بيترسبرغ وانتظر بوتين إلى أن أخلى الأجواء الروسية ليخبر المراسلين أنه لن يدعم بوش في الضغط على إيران للتخلى عن برنامجها النووي}.عبّر بوش وبلير عن استيائهما المتبادل من بوتين خلال اتصال هاتفي بعد أسبوعين. ومع أن بوش انتقد بوتين خلال محادثاته الخاصة مع حلفاء مثل بلير، حافظ بوش على موقفه الودي تجاه بوتين نفسه. بعد أن أشارت التخمينات الاستخباراتية الوطنية الجديدة في السنة التالية إلى أن إيران علّقت جزءًا أساسيًّا من برنامجها النووي العسكري، حاول بوش حضّ روسيا ودولاً أخرى على الالتزام بالعقوبات المفروضة على طهران رغم تاريخ موسكو الطويل من الدعم الذي قدّمته لطهران. عندما اتصل ببوتين عبر الهاتف في ذلك اليوم من ديسمبر عام 2007، راح يتملقه، مهنئًا إياه على فوز حزبه في الانتخابات الإقليمية الروسية التي عُقدت لتوها، والتي انتقدها الجميع لأنها لم تكن نزيهة.قال بوتين عن الانتخابات: {تعطي النتائج سببًا للفرح}. فأجاب بوش: {تتمتع بشعبية كبيرة. يحبك الشعب كثيرًا}. فرد بوتين: {حققت أحزاب أخرى نتائج جيدة}. فقال بوش: {تتصرف بتواضع}. ثم انتقل إلى السبب الفعلي لاتصاله: التقرير الإيراني. فأوضح: {أخشى أن يرى الناس هذا الأمر ويصرون على تغيير السياسة}. وذكر أن من السهل جدًّا إعادة بناء برنامج نووي عسكري كان قائمًا سابقًا. وأمل أن ترسل روسيا رسالة حازمة إلى إيران، مؤكدةً لها أن ثمة {طريق أفضل للمضي قدمًا}. أجابه بوتين أن هذا ما سيقوم به. قال لبوش: {يجلس في صالة الانتظار مستشار الأمن القومي الإيراني الجديد. سآخذ في الاعتبار ما ذكرته الآن}. لكن بوتين ظل في النهاية شركًا مترددًا في حملة الضغط على إيران.إلى المواجهةفي فصل الربيع التالي عام 2008، تحوّل بوش من المصالحة إلى المواجهة في التعامل مع بوتين. أراد الرئيس الأميركي وضع جمهوريتَي الاتحاد السوفياتي السابقتين أوكرانيا وجورجيا على درب الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي. ووافقه تشيني الرأي في هذه المسألة. لكن ألمانيا وفرنسا عارضتاها، معتبرة هذه الخطوة استفزازًا لا داعي له. كذلك عبّرت رايس، وزيرة الخارجية آنذاك، وروبرت غيتس، وزير الدفاع، عن ضرورة توخي الحذر خلال اجتماع بالغ الأهمية. ما كان غيتس يتعاطى بلطف مع الموضوع الروسي. لكنه لم يرَ صائلاً في استفزاز الروس. لذلك نصح هو ورايس بخطوة معتدلة تشجع أوكرانيا وجورجيا بتشجيع طموحاتهما من دون اتخاذ خطوة رسمية قد تؤدي إلى مواجهة أخرى مع ألمانيا وفرنسا.خالفهما بوش الرأي وعقد العزم على عقد صفقة مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، معتقدًا أن الفرنسيين سيحذون حذو برلين. أخبر بوش مساعديه: {ترتبط هذه المسألة بي وبميركل}. ولكن خلال مؤتمر بالصوت والصورة مع ميركل، رفضت الأخيرة مجاراة بوش. فقرر الرئيس الأميركي خوض صراع في بوخارست، حيث كان من المقرر أن يلتقي قادة حلف شمال الأطلسي في شهر أبريل عام 2008. وقبيل إنهاء مؤتمره مع ميركل، قال لها باستخفاف: {سأراك على أرض المعركة}.كما لو أن الأوضاع لم تكن معقدة كفاية، زادها بوتين تعقيدًا بدعوته بوش ليزوره في سوتشي، مدينة سياحية في جنوب روسيا، بعيد انتهاء قمة حلف شمال الأطلسي. قد تبدو هذه الزيارة غريبة، نظرًا إلى ما قد يحدث في بوخارست. لذلك تردد بوش في قبول الدعوة. كذلك لاحظ الرئيس الأميركي ازدياد خطاب بوتين المناهض للولايات المتحدة قسوة. ففي مؤتمر دولي في ميونخ قبل سنة، قارن بوتين الولايات المتحدة بـ{الرايخ الثالث}. فاتصل بوش ببوتين كي يتأكد من أن الاجتماع لن يكون فخًّا منصوبًا له. قال لبوتين، حسبما أخبر مساعدين لاحقًا: {لن أحضر إلا إذا أكّدت لي أنك لن تعيد ما قمت به في ميونخ خلال مؤتمر بوخارست}.وافق بوتين، وقبل بوش الدعوة.ولكن عندما وصل إلى بوخارست، واجه معارضة شرسة من ميركل. إلا أن قادة عدد من دول أوروبا الشرقية أحاطوها فعليًّا، وراحوا يطالبونها بتصريح قوي. وفي النهاية، لم توضع جورجيا وأوكرانيا على المسار الرسمي للانضمام إلى الحلف. لكن هذا الأخير أعلن: {نوافق اليوم على أن هذين البلدين سيصبحان عضوين في حلف شمال الأطلسي}. {سيصبحان} بدون أي تحذيرات أو توصيات. اعتبر بوش هذه الخطوة انتصارًا. إلا أن روسيا وجورجيا شعرتا بالاستياء وكانتا تتحرقان شوقًا للقتال. نتيجة لذلك، بدأ الصراع القديم بين الجارتين يزداد سخونة.بعد قمة حلف شمال الأطلسي، زار بوش سوتشي. وشكل هذا الاجتماع الثامن والعشرين والأخير بين الرئيسين، مع استعداد بوتين للتخلي عن سدة الرئاسة لخلفه الذي اختاره بعناية، ديمتري ميدفيديف، ولتبوء منصب رئيس الوزراء. لكن بعض المسؤولين في مكتب تشيني قلقوا لاحقًا من أن بوش لم يحذّر بوتين كفاية من مغبة الإقدام على أي خطوة ضد جورجيا. وقد خرج آخرون من حواراتهم مع الجورجيين، وهم خائفون من أن رئيسهم ميخائيل ساكاشفيلي فسّر أحاديثه مع بوش على أنها {ضوء أصفر قوي} يؤكد دعم الولايات المتحدة له ضمنًا في أي مواجهة عسكرية مع موسكو. لكن فريق بوش بعث بالمزيد من الرسائل محاولاً منع أي شخص من إساءة تفسير كلمات الرئيس. ولكن في لعبة الهواتف الدولية الخطرة، لم يتضح ما هي الرسائل التي كانت تُسمع.الوداعفي يومه الأخير كرئيس للولايات المتحدة في 19 يناير عام 2009، ارتدى بوش بزة وتوجه إلى المكتب الرئاسي في البيت الأبيض. كان عليه أن يجري الكثير من اتصالات الوداع لنحو 13 قائدًا عالمًا، بدءًا بساكاشفيلي في السابعة صباحًا ومن بعده بوتين في السابعة وعشر دقائق. تمحورت نقاط الحديث الواردة على المذكرة الرئاسية بأكملها على بضع جمل:- {استمتع بالعمل معك}.- {حققنا الكثير معًا}.- {أتمنى لك دوام النجاح}.دار الجدل الأكبر حول ما إذا كان عليه الاتصال ببوتين وميدفيديف كليهما. يقضي البروتوكول بأن يتصل بنظيره الرسميًّ فحسب، ميدفيديف. إلا أن بوش قرر الاتصال بكليهما. فبعد كل الوقت الذي أمضياه معًا أراد أن يودع {صديقه فلاديمير}. ورغم القطيعة التي أدت إليها الحرب الجورجية، تذكر بوش بحنين زياراتهم الكثيرة إلى كروفورد والمنزل الصيفي في موسكو وسانت بيترسبرغ. وخلال بضع دقائق، استرجع أيضًا تعاونهما بشأن إيران، كوريا الشمالية، الشرق الأوسط، الإرهاب، الحد من انتشار الأسلحة، والاقتصاد. قال بوش لبوتين أنهما يملكان {الكثير من الذكريات الجميلة}. أما الذكريات الأخرى، فلم تخطر على البال.في بكينفي 8 أغسطس، كان بوش يقف في خط الاستقبال في بكين ليصافح الرئيس الصيني هو جينتاو خلال احتفال افتتاح الألعاب الأولمبية الصيفية، في حين أن القوات الروسية كان تسير نحو دولة جورجيا المجاورة.كانت الاجتماعات التي عُقدت في البيت الأبيض خلال ذلك الأسبوع من الحرب مليئة بالمشاعر. فقد استمال ساكاشفيلي الكثير من الداعمين في إدارة بوش، وخصوصًا في فريق تشيني.ولكن بغية تفادي تحول هذا القتال إلى صراع بين قوتين نوويتين، لجأ بوش إلى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، الذي كان يتولى آنذاك الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، وطلب منه التفاوض بشأن التوصل إلى وقف لإطلاق النار.نجح ساركوزي في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الطرفين، إلا أنه خُدع. فد أصر الروس على {منطقة استبعاد} مسافتها 15 كيلومترًَا تشغلها قواتها. لكن الفرنسيين لم يعوا أن هذه المسافة كانت كافية لتشمل مدينة غوري الجورجية. فاستغل الروس هذه الحيلة وتقدموا. وهكذا صاروا على مشارف تبليسي، وكانوا يخططون لتغيير النظام.قرر بوش عندئذٍ أنه ما عاد يستطيع الوقوف مكتوف اليدين. فأرسل رايس لعقد وساطة تسمح بدخول المساعدات الإنسانية إلى جورجيا. سافرت رايس إلى باريس، موسكو، وتبليسي لعقد اتفاق جديد، فوافق الروس على الانسحاب من جورجيا مع البقاء في الإقليمين الانفصاليين. وهكذا انتهت الحرب. لكن العلاقة بين بوش وبوتين، التي بدأت بنظرة إلى العينين قبل سبع سنوات، انقطعت على نحو يستحيل إصلاحه.