وكان في قومه سريّاً

نشر في 08-08-2014 | 20:32
آخر تحديث 08-08-2014 | 20:32
هو محمد عبدالرحمن البحر، وكفى بالاسم تعريفاً.

عاش حياة كثيرة الدروب، عميقة التجارب، واسعة المسيرة، عاطرة السيرة.

التزم فيها منهج "الوعد عهد" ومبدأ "الكلمة عقد"، فترامى نشاطه التجاري من ميدان المعدات والآليات إلى عالم الملاحة والنقل، وبين هذا وذاك: إلى كل سوق طريق، وفي كل بلد محب وصديق.

في الشأن العام، شغل محمد عبدالرحمن البحر عضوية مجالس الإنشاء والصحة والبلدية، يوم كان العمل العام فريضة وطنية لا فرصة مالية. وكان من مؤسسي غرفة تجارة وصناعة الكويت، وعضو مجلس إدارتها منذ قيامها عام 1959 إلى عام 2000، حيث آثر عدم التجديد بعد أن شغل مقعد نائب الرئيس. كما كان من مؤسسي بنك الكويت الوطني، يوم كان تأسيس بنك وطني تحدياً ومغامرة. وقد شغل مقعداً في مجلس إدارة البنك منذ عام 1959، وتسلم رئاسته منذ عام 1993 إلى يوم أمس الأول.

وفي رحاب العمل الطيب، كان اسم محمد عبدالرحمن البحر دائم الحضور في قوائم اللجنة الشعبية لجمع التبرعات على مدى نصف قرن أو تزيد. كما كان الاسم دائم الاخضرار على قوائم مؤسسي وممولي جمعيات العطاء النبيل، ولعل مستشفى العيون بكامل بنائه وتجهيزاته، ومستشفى الأسنان الذي أعلن تبرعه به وفاء لذكرى رفيقة العمر، يقفان - بإذن الله - بين شهود الصدق لأعمال محمد عبدالرحمن البحر يوم المشهد العظيم.

هو محمد عبدالرحمن البحر، وكفى بالاسم احتراماً.

عن غيره من الراحلين، يمكن أن نقول إنه سئم تكاليف الحياة، فنفض عن كتفيه غبار الأيام... ومضى، أما عنه بالذات فلا يمكن لمن عرفه أن يقول ذلك. فقد كان من رواد ثقافة الحياة، عاشها مقبلاً متفائلاً ضاحكاً، وخاض غمارها جريئاً واثقاً، واستوعب تقلباتها حكيماً حليماً، وزادها جمالاً بشمائله، ومسح على جراحها بسجيّته، وكان أكثر ألقاً وأكثر أنقاً من أن يترك لغبار الأيام فرصة التعلّق بأهداب العباءة على كتفيه.

هو محمد عبدالرحمن البحر، وكفى بالاسم ثناء.

التفع بعباءة من خيوط الغروب فوق قامة ردينيّة مضمَّخة بالشذى المعطار، وسار واثق الخطوة والطريق، ليتوارى في غلالة غيمة وطفاء، سادراً في حلم لقاء الأحبة الذين سبقوه، ليدخل إلى حيث هم، وادع النفس، مطمئن السرب، يحمل - بإذن الله ومغفرته - كتابه بيمينه.

كان رفاقه يرون في أناقته وفروسية خلقه رونق نبلاء أوربا في عصر نبلائها. ولو استذكروا أخبار غساسنة الشام ومواكب مناذرة الحيرة، لعرفوا كم كان نبلاء أوربا قصاراً عن قامته، قاصرين عن مكانته.

تزداد شجرة الصفصاف انحناء نحو جذورها كلما تقدم بها العمر. وانحنائي نحو جذوري يكاد يقوّس ظهري. فلقاؤنا إذن - أيها الراحل الكريم - غير بعيد. وحتى ذلك الموعد، أرجو أن تحمل سلامي إلى رفاقك الذين كلما ازددتُ في الحياة خبرة ازددتُ بهم إعجاباً. أنت ورفاقك لو احتفلتِ الدنيا لما تزيّنتْ إلا بكم وبأمثالكم، ولو دانتْ لكم ولأمثالكم لضاقتْ بسعة أخلاقكم.

تقبلك الرحمن بإحسانه ورضوانه، ورحم الله دنيانا بالكثير من أمثالك، فقد كنتَ ممن يطلبون رضا الله من باب خدمة عباد الله. وكنتَ ممن تضيء الطريق بخطواتهم، ويتألق الخير بإحسانهم، وتكبر الأوطان بسيرتهم. لقد كنتَ من سراة قومك.

الكويت تفقد فارس العمل المصرفي والاقتصادي محمد عبدالرحمن البحر

back to top