الكويت تفقد فارس العمل المصرفي والاقتصادي محمد عبدالرحمن البحر

نشر في 09-08-2014 | 00:01
آخر تحديث 09-08-2014 | 00:01
نائب الأمير تقدم الحشد الرسمي والشعبي في تشييع الراحل
ودعت الكويت أمس رئيس بنك الكويت الوطني ورجل الأعمال الكويتي المعروف العم محمد عبدالرحمن البحر، الذي ووري جثمانه الثرى بعد سنوات مديدة كرسها في العمل الوطني البنّاء وأعمال الخير المتنوعة.

وشارك في تشييع الفقيد صباح أمس في مقبرة الصليبيخات حشد من المسؤولين الرسميين والمواطنين الذين استذكروا مآثر الراحل، باعتباره أحد فرسان العمل الاقتصادي والمالي ورواد العمل الخيري والوطني.

أرسى الراحل، على مدى سنوات عمره المديد، سيرة حافلة بالإنجازات والرؤى الثاقبة التي جعلته في صدارة رجالات الاقتصاد في البلاد منذ خمسينيات القرن الماضي، مساهماً في تعزيز وتنمية البنك الوطني، فضلاً عن كونه واحداً من مؤسسي غرفة التجارة والصناعة، بالإضافة إلى إنشاء العديد من المؤسسات الاقتصادية في غير مجال، وهي إنجازات جعلته محل تقدير محلي وعالمي، حيث منحته ملكة بريطانيا أحد أرفع الأوسمة تقديرا لخدماته المميزة وإسهاماته في دعم العلاقات الكويتية- البريطانية.

مسيرة الخير في حياة الراحل كانت حافلة بالعطاءات المتنوعة، فقد كان له، يرحمه الله، باع طويل في الإنفاق على الأسر المحتاجة والتبرعات والصدقات وكفالة الأيتام في الكويت وخارجها، كما شيد مساجد في السرة وغرب مشرف، وتبرع ببناء مراكز صحية في الصباح والنزهة والمرقاب.

إذا ذكرت اسم البنك الوطني، فلا بد أن تذكر معه اسم المرحوم محمد عبدالرحمن البحر، فكيف لا وهو الذي واكب مسيرة البنك منذ البدايات وحتى رحيله رحمه الله.

بدأت العلاقة المتميزة بين العم محمد البحر والبنك الوطني منذ افتتاح البنك عام 1952، حيث بادر الى فتح أول حساب باسمه في اليوم الأول الذي افتتح فيه البنك ابوابه، ومنذ ذلك اليوم بدأت هذه العلاقة تزداد قوة مع مرور الأيام مبنية على الثقة المتبادلة، حتى قبل أن يتولى العم مناصب قيادية في "الوطني"، فقد انتقل من كونه عميلا للبنك ليصبح واحداً من كبار المساهمين فيه، إذ شغل منصب عضو مجلس ادارة البنك منذ عام 1959 حتى 1993، حيث تم انتخابه لمنصب الرئيس الذي شغله حتى وفاته، محققاً بذلك لقب أطول فترة يشغلها رئيس مجلس ادارة لبنك الكويت الوطني على مدى عمره، هذا بالاضافة الى نشاطاته التجارية المتعددة وعضويته لمجالس ادارة غرفة تجارة وصناعة الكويت واتحاد شركات ووكلاء الملاحة الكويتية، فضلاً عن عضويته للمجلس البلدي ومجلس الانشاء ومجلس الصحة، وقبل اشهر قليلة نعى العم محمد البحر زوجته شيخة جاسم المرزوق التي رحلت عن الدنيا العام الماضي.

المولد والنشأة

وُلدَ العم محمد عبدالرحمن البحر عام 1919، وهو الابن الأكبر لوالده عبدالرحمن البحر، أما جده فمن المحسنين المعروفين، قام ببناء مسجد يعتبر أحد أعرق مساجد الكويت وأقدمها في منطقة المباركية بالكويت.

التعليم

بدأ البحر سنوات دراسته في الكتاتيب، ثم انتقل إلى المدرسة الأحمدية ثم إلى المدرسة المباركية ليستكمل تعليمه.

حياته العملية

عندما بلغ العم محمد البحر سن الحادية والعشرين، انخرط في مساعدة ابيه عبدالرحمن والتحق به في تجارته عام 1940، واستمر في العمل معه ست سنوات اكتسب خلالها الخبرة المهنية والعملية، وفي عام 1946 دشنت الكويت عهدا جديدا من الرخاء والوفرة المالية عندما صدرت اول شحنة نفطية، وهي فرصة لم يفوتها فقيد الكويت، وهو الذي ترعرع على حمل الامانة والمسؤولية التي ورثها عن الاجداد، فدخل عضوا في المجلس البلدي الذي كان يترأسه الشيخ أحمد الجابر، بالاضافة الى دوره عضوا في مجلس الصحة برئاسة ولي العهد آنذاك الشيخ عبدالله السالم، ثم انضم الى مجلس الانشاء الذي كان منوطا به تقدير الميزانية العامة للدولة وصرفها على مختلف الوزارات والهيئات الحكومية، وعلى مستوى القطاع الخاص أسس الفقيد وترأس مجموعة محمد عبدالرحمن البحر، وهي مجموعة من الشركات الناجحة والمعروفة في دولة الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي.

بنك الكويت الوطني

مع التوسع التجاري والاقتصادي لدولة الكويت باكتشاف النفط وتصديره، ولأن العمود الاساسي لبناء الاقتصاد في اي بلد هو وجود المصارف، نبعت فكرة تأسيس مصرف كويتي يكسر الاحتكار البريطاني، حيث كانت الكويت وقتها تحت الانتداب البريطاني الذي كان يمنع تأسيس بنك آخر غير تابع له، وهو الذي كان يدير كل المعاملات المالية بالكويت، فاجتمع كل من خالد الزيد الخالد وأحمد سعود الخالد، وخالد عبداللطيف الحمد وخليفة الخالد الغنيم وسيد علي سيد سليمان الرفاعي وعبدالعزيز الحمد الصقر ومحمد عبدالمحسن الخرافي ويوسف أحمد الغانم ويوسف عبدالعزيز الفليج، رحمهم الله، مع المغفور له الشيخ عبدالله السالم أمير الكويت حينها الذي دعم فكرتهم، فأصدر مرسوماً أميرياً في 19 مايو 1952، قضى بتأسيس بنك الكويت الوطني كأول بنك محلي، وأول شركة مساهمة في الكويت ومنطقة الخليج، وبعد نحو ستة أشهر من صدور المرسوم، وبالتحديد في 15 نوفمبر 1952، افتتح بنك الكويت الوطني أبوابه للمرة الأولى من خلال فرع واحد لا تتجاوز مساحته ثلاثة دكاكين، في مكان يعرف بالشارع الجديد في مدينة الكويت، وبرأسمال بسيط لا يتجاوز مليون دينار، وقد شكل هذا المرسوم نقطة انطلاق الاستقلال الاقتصادي للكويت قبل الاستقلال السياسي، وليكون قاعدة من قواعد الاقتصاد الوطني ورافدا رئيسياً لنهضة الكويت، فدارت عجلة التطور العمراني والتجاري بشكل متسارع.

وعن انطلاقة البنك ذكر العم محمد البحر في احد لقاءاته أن "الهدف من تأسيس البنك الوطني هو خلق كيان مصرفي لخدمة الكويت والكويتيين، والقضاء على الاحتكار الاجنبي للعمل المصرفي، وليكون رمزا من رموز الوطنية والاستقلال، والحمد لله نجحنا في هذا التحدي، واستطعنا ان نثبت للجميع ان الكويت قادرة على انشاء مؤسسات وطنية عملاقة".

انضم البحر إلى عضوية مجلس إدارة بنك الكويت الوطني منذ عام 1959 حتى 1993، والتي أصبح فيها رئيساً لمجلس إدارة البنك.

يقول في حوار سابق له مع صحيفة القبس عام 2007 ان "البنك الوطني واجه خلال مسيرته ازمتين حقيقيتين اجتازهما بكل نجاح وثبات، ففي حقبة الثمانينيات واجه اختبارا قاسيا مع ازمة انهيار سوق الاسهم المسماة ازمة سوق المناخ عام 1982، حيث كان اسلوب العمل المصرفي المتزن والمتحفظ لبنك الكويت الوطني خلالها وراء جعله البنك الوحيد الذي لم يتأثر سلبا، ونتيجة لذلك اطلق عليه اسم (البنك الفائض الوحيد). وكان الوطني حذر مرات عديدة في تقاريره ونشراته الاقتصادية من خطر هذه الازمة قبل وقوعها وقبل ان يتضرر منها كثيرون".

وأضاف أن الأزمة الأخرى كانت "كارثة الغزو العراقي لدولة الكويت عام 1990، حيث كانت اختبارا كبيرا لصلابة موقف بنك الكويت الوطني، إذ استمر في اداء اعماله من خارج الكويت والوفاء بجميع التزاماته نحو عملائه وللبنوك في الخارج"، موجها رسالة واضحة بأن الكويت دولة مؤسسات تستطيع ان تعمل تحت اي ظروف وأن ترفع اسم الكويت في الخارج، حتى في ظل الاحتلال الغاشم، ذلك الأداء المميز للبنك خلال هاتين الازمتين ادى الى دعم واستمرارية الثقة من قبل عملائه وتعزيز ثقة البنوك العالمية به".

العمل التجاري

ساعد إنشاء المصارف الكويتية في تسارع وتيرة الاستيراد، وبدأت المؤشرات الاقتصادية بالارتفاع، مما حدا بالعم محمد البحر الى المساهمة في تأسيس مجموعة من الشركات مثل الشركة الأهلية للتأمين وشركة السينما الكويتية والشركة الكويتية لصناعة الأنابيب المعدنية وغيرها من الشركات، وتطورت شركات البحر في أنشطتها وأعمالها لتصبح من أكبر شركات الكويت، فامتلكت عددا من الوكالات التجارية الشهيرة والمعروفة، مثل شركة وكالة جنرال إليكتريك العالمية ووكالة شركات "كاتربلر" العالمية، والتي ساعدت معداتها في إنشاء العديد من المشاريع الحيوية وخدمة الإعمار داخل الكويت وخارجها، كما أُنشئت فروع لشركات البحر في معظم الدول العربية.

ونظرا لحجم التوسع الكبير في النشاط التجاري وفي جميع الاتجاهات، شعر التجار الكويتيون بالحاجة الماسة لانشاء هيئة ترعى المصالح التجارية وتدعم الاقتصاد الوطني الذي بدأ ينهض ويتطور بوتيرة سريعة، فهداهم تفكيرهم إلى انشاء غرفة التجارة والصناعة، ليكون الفقيد محمد عبدالرحمن البحر واحداً من مؤسسيها، وأحد اعضاء مجلس ادارتها منذ عام 1959، حتى اصبح نائبا للرئيس عام 1996.

وفي عام 2003م تم منحه وسام الإمبراطورية البريطانية (O B E) من الملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا، تقديراً للخدمات المتميزة التي قدمها للجالية البريطانية في الكويت، وإسهاماته في دعم العلاقات الكويتية- البريطانية.

العمل الخيري

سار الفقيد على نهج الأجداد في فعل الخيرات، فكان ينفق على الاسر المحتاجة ويمنح التبرعات والصدقات ويكفل الايتام داخل الكويت وخارجها، وينفق المال في مجال افطار الصائمين وفي بناء المساجد، إذ قام ببناء مسجد محمد عبدالرحمن البحر بمنطقة السرة، ومسجد آخر باسم شقيقته، رحمها الله، وضحة عبدالرحمن البحر في ضاحية الشيخ مبارك العبدالله غرب مشرف، وفي خدمة وزارة الصحة العامة تبرع، رحمه الله، لبناء مركز البحر لجراحة العيون في منطقة الصباح الصحية، بكلفة بلغت 3 ملايين دينار ونصف، كما تبرع بمليون دينار لبناء مركز النزهة الصحي، ومع بداية العام الحالي، تبرع رحمه الله بـ 8 ملايين دينار لإنشاء مركز شيخة المرزوق لطب الأسنان في منطقة المرقاب، فضلاً عن كونه واحدا من مؤسسي جمعية القلب الكويتية.

وتتقدم أسرة «الجريدة»، التي آلمها هذا المصاب الجلل، إلى أهل الفقيد والأسرة الاقتصادية والمصرفية والتجارية في الكويت بأصدق التعازي سائلة المولى، عز وجل، ان يسكنه فسيح جناته، ويلهم ذويه الصبر والسلوان... رحم الله العم محمد عبدالرحمن البحر، و"إنا لله وإنا إليه راجعون".

المرزوق: البحر ترك إرثاً غنياً ومؤسسات اقتصاديّة نعتز بها

نعى رئيس اتحاد المصارف، حمد عبدالمحسن المرزوق، رئيس مجلس إدارة بنك الكويت الوطني، محمد عبدالرحمن البحر.

 وقال إن "الكويت فقدت بوفاته رجلاً من رجالاتها الأبرار الذين أعطوا الكثير لاقتصادها ومؤسساتها وقطاعها الخاص".

وأشار المرزوق إلى أن البحر "كان من الأعمام المؤسسين الذين بنوا القطاع المصرفي على القيم الراسخة للرعيل الأول من تجّار الكويت، وأعطى مثالاً للأجيال بعقليته المتفتحة وإقدامه ومثابرته، وتواضعه وأخلاقه الدمثة وقربه من أهل الكويت".

واعتبر أن العم البحر "كان رائداً من روّاد التحديث والنهضة الاقتصادية، وكانت له وقفات مشهودة في أفراح الكويت والمحطات الصعبة التي مرّت بها منذ ما قبل الاستقلال بعقود، وكانت له بصمة لا تنسى في كل المجالات".

 وأضاف: "نودّعه اليوم وقد ترك وراءه إرثاً غنياً، ومؤسسات اقتصادية نعتز بها، وما سنواته العشرون على رأس بنك الكويت الوطني إلا مثالا ناصعا لما حققه وما أنجزه".

وأكد أن "الأسرة المصرفية ستفتقد حكمة البحر، ولها العزاء في ما تركه من إرث وحياة حافلة مضيئة، وتتقدم إلى عائلته الكريمة وأسرة بنك الكويت الوطني وجميع محبّيه بأحر التعازي، وتسأل الله أن يسكنه فسيح جنانه، وأن يلهمهم الصبر".

الغانم: أحد رجالات الرعيل الأول والعمل الخيري

أكد رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم أن "الكويت فقدت العم محمد عبدالرحمن البحر، أحد رجالات الرعيل الأول الذي ساهم في بناء الكويت، وكان علما من أعلام العمل الخيري. رحم الله الفقيد وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان".

السيرة الذاتية

• ولد عام 1919

• تلقى تعليمه في الكتاتيب ثم انتقل إلى المدرسة الأحمدية ثم المباركية

• بدأ حياته العملية بمساعدة أبيه في إدارة تجارته

• شغل عضوية المجلس البلدي

• عضوية مجلس الانشاء

• عضوية مجلس الصحة

• عضو ومؤسس جمعية القلب الكويتية

• مؤسس مجموعة محمد عبدالرحمن البحر وهي مجموعة من الشركات الناجحة في الكويت

• أحد مؤسسي بنك الكويت الوطني وشغل رئاسة مجلس ادارته منذ عام 1993 حتى وفاته

• أحد مؤسسي غرفة تجارة وصناعة الكويت وعضو مجلس الإدارة منذ عام 1959

• في عام 1996 أصبح نائب رئيس غرفة تجارة وصناعة الكويت

• أحد مؤسسي الشركة الأهلية للتأمين

• أحد مؤسسي شركة السينما الكويتية

• أحد مؤسسي الشركة الكويتية لصناعة الأنابيب المعدنية

back to top