قيادات العراق السُّنية تكافح التمزق... وجمهورها كفر بالسياسة

نشر في 20-03-2014 | 00:06
آخر تحديث 20-03-2014 | 00:06
No Image Caption
المزايدات سلمت غرب البلاد إلى أكثر الجهاديين تطرفاً
جهود دولية رفيعة وتضحيات جسيمة في الداخل، عملت على مر سنوات على إقناع الجمهور السُّني في العراق، بالاشتراك في الانتخابات، والتخلي عن فكرة حمل السلاح، والوثوق بضمانات سياسية تؤكد عدم إقصائه، والكف عن اعتبار مناطقه "حاضنة للإرهاب"، وإيقاف ما يتبع ذلك من حملات اعتقال وملاحقة.

وفي خريف عام 2010، مع إبرام صفقة الحكومة التي منحت لرئيس الحكومة نوري المالكي ولاية ثانية، بدا أن الطائفة السُّنية تكرس حضورها، لا عبر مجرد المشاركة والإيمان بجدوى السياسة، بل عبر إثبات قدرتها على امتصاص "الصدمات الكبيرة" أيضاً.

فقد شهدت الانتخابات التشريعية السابقة مشاركة سنية منقطعة النظير، وأدت الأصوات المتحمسة إلى الخلاص من فكرة التهميش، إلى فوز كبير للقائمة العراقية التي يتزعمها شيعي معتدل هو أياد علاوي، وتنضوي فيها معظم الفعاليات السُّنية، ما بدا أنه توازن معقول لعبور الحاجز الطائفي، وسبيل للحصول على فرصة تشكيل الحكومة.

لكن 8 أشهر من التفاوض على تشكيل الحكومة ضيعت تلك الفرصة، وأشاعت الخيبة عند الجمهور السُّني، دون أن يعني هذا عجزه عن "امتصاص الصدمة"، فلم يتزعزع الإيمان بالتسويات، بعد أن حصل ممثلو هذا الجمهور على نحو 9 وزارات، ومناصب عليا عديدة.

وبالنسبة إلى كثير من الداعين إلى السلم الاجتماعي، فقد كان الأمر إعلاناً سنياً صريحاً بطي صفحات الماضي، والقبول بالتغيير السياسي، وبحصة مضمونة من كل شيء، ولم يكن من قبيل المصادفة أن يتزامن ذلك مع هدوء نسبي وأمن شبه مستقر في كل المناطق الساخنة، يترافق مع ازدياد في عوائد النفط، وينعش قطاع الأعمال في لوحة واعدة تصلح بديلاً عن التقاتل، ما وصفه الأميركيون بأنه حصيلة معادلة يقوم فيها النفط بدور "الصمغ"، ليتولى لصق البلاد المنقسمة.

لكن ذلك لم يدم طويلاً، فمع أولى بوادر الربيع العربي، راح الحديث عن التغيير وضرورة استبدال "الحاكم الفاشل" يجد أصداء واسعة بين كل الطوائف، وعمّت التظاهرات أنحاء العراق، وجرت ترجمة ذلك شيعياً بحديث صريح عن أن المالكي لا يمثل طموح الطائفة، التي تملك استحقاق الحصول على رئيس وزراء أفضل. ولم يكن ممكناً أن يؤدي ذلك إلى صراع شيعي داخلي، بحكم توازنات عديدة، لكن التشنج العالي دفع المالكي إلى البحث عن مساحات مناورة جديدة، يتفوق فيها على منافسيه الشيعة، قاطعاً الطريق على أي فكرة لاستبداله. وكان الجمهور السُّني أضعف خاصرة في متناول المالكي، فراح يعمل بجد لجعل الجمهور ينسى إخفاقاته في بلد غارق في الظلام وانعدام الكهرباء، عبر مشاغلة الجميع بحملات استفزاز للسُّنة، يكون فيها رئيس الحكومة "بطلاً شيعياً" يذود عن حق الطائفة. وفي هذا الإطار تمت ملاحقة نائب رئيس الجمهورية المحكوم بالإعدام، طارق الهاشمي، وما تلاها من اتهامات كبيرة لوزير المال رافع العيساوي، ومناورات أخرى أخذت تتخطى لكونها تكتيكاً يعيد تنظيم الحسابات الشيعية الداخلية، وراحت تقول للجمهور السُّني إن زعماءه وساسته الكبار عاجزون عن فعل شيء، وإن المشاركة المكثفة في الانتخابات لم تكن ذات جدوى، وإن وعوداً من طراز إطلاق سراح آلاف المعتقلين السُّنة كانت "هواء في شبك".

التداعيات المعروفة التي تلت ذلك بدأت تؤدي تدريجياً إلى تخلي الجمهور السُّني عن إيمانه بالمشاركة السياسية، وهو ما ساعد على تمزق رهيب في القيادات السُّنية الغاطسة في خلافات داخلية اليوم، والتي تتقدم إلى انتخابات أبريل المقبل، وهي حائرة في كيفية إقناع جمهورها مجدداً بالذهاب إلى صناديق الاقتراع.

ووسط موجة العنف المتصاعدة، ومعارك غرب البلاد تحاط بالغموض، يعترف ساسة شيعة بارزون بأن نهج التعامل مع الملفات الكبيرة قام بتسليم شريحة سنية واسعة إلى أخطر التنظيمات الجهادية مثل "داعش"، حيث لا يوجد بعد سقوط الخيار السياسي، إلا سيناريو حمل السلاح. ونموذج التحليل هذا يشغل اليوم بال كل صانعي القرار في العراق، بما في ذلك الفريق السياسي لرئيس الحكومة، الذي نجح بالطبع في تمزيق القيادات السُّنية السياسية، إلا أنه بات في حيرة في كيفية التعامل مع مسلحيهم وجمهورهم الكافر بالحلول السياسية.

back to top