تأمين اليابان وأبعاد الأمن الوطني

نشر في 31-12-2013 | 00:01
آخر تحديث 31-12-2013 | 00:01
 يوريكو كويكي مع الموافقة على إنشاء مجلس الأمن الوطني في اليابان، فإن كل وزارة ووكالة سوف ترسل معلومات الأمن الوطني المهمة إلى الأمانة العامة الجديدة، التي ستقوم بدورها بإجراء تحليل متكامل وإصدار تقارير لرئيس الوزراء وآخرين.

لقد بدأت الولاية الثانية لرئيس الوزراء الياباني شينزو آبي بالتركيز على إعادة تنشيط الاقتصاد، فتم إطلاق اسم "اقتصادات آبي" على هذه السياسة التي تتألف من ثلاثة "أسهم"، وهي سياسة نقدية جريئة، وموقف مالي توسعي، وإصلاحات هيكلية من أجل تحفيز الاستثمار الخاص، وقد أضافت استضافة الألعاب الأولمبية في طوكيو سنة 2020 سهماً رابعاً إلى هذه السهام، والذي يتخذ شكل زيادة الاستثمار في البنية التحتية والدخل السياحي في السنوات التي تسبق دورة الألعاب.

بعد 15 عاماً من الركود الانكماشي، لا تزال إعادة تنشيط الاقتصاد الياباني أمراً بعيداً عن الاكتمال، ومع ذلك فإن آثار إصلاحات آبي قد بدأت تظهر في مجالات مثل أسعار الأسهم وأسعار الصرف.

لكن آبي يواجه أيضاً بيئة أمنية في آسيا تشبه الاقتصاد الياباني في هشاشته قبل أن تتولى حكومته السلطة في ديسمبر الماضي، وبالفعل فقد قام آبي بمواجهة العديد من القضايا نفسها خلال فترة إدارته الأولى قبل سبع سنوات، إذ توقفت جهوده في تلك الفترة بسبب استقالته، والآن يقوم بمحاولة ثانية لتأسيس نظام للأمن الوطني يلبي احتياجات اليابان وحلفائها في آسيا القرن الحادي والعشرين.

لقد شدد آبي في كلمة ألقاها خلال جلسة عامة لمجلس النواب الياباني في أكتوبر الماضي على أنه إذا أخذنا بعين الاعتبار الوضع الأمني الحالي في آسيا فإنه "من الضروري تقوية الجوانب الوظيفية القيادية التي تتعلق بتطبيق رئيس الوزراء لسياسات الأمن الوطني"، والآن تمت تسوية مسألة انقسام السيطرة بين مجلسي الدايت (النواب والشيوخ) في اليابان، حيث أصبحت للحزب الليبرالي الديمقراطي الذي ينتمي إليه آبي سيطرة قوية على المجلسين؛ مما يعني أن الأمر ساعد على إقرار مشروع القانون الذي يهدف إلى تحديث إدارة الأمن الوطني.

وإن مشروع القانون الذي قدمه آبي وتم إقراره أخيراً، كان الهدف منه تأسيس مجلس أمن وطني ياباني مبني على أساس الدروس المستقاة من نجاح مؤسسات مشابهة وفشلها في دول أخرى مثل مجلس الأمن الوطني في الولايات المتحدة الأميركية، ولا شك أن مجلس الأمن الياباني- وهو إلى حد ما عبارة عن إجراء مؤقت من أجل توفير المشورة من أعضاء مجلس الوزراء المختصين لرئيس الوزراء- سيتم الاعتراف به كمؤسسة رسمية.

تقتصر عضوية مجلس الأمن الوطني الجديد على رئيس الوزراء وسكرتير مجلس الوزراء ووزيري الخارجية والدفاع مع إضافة الوزراء المختصين حسب ما تقتضيه الظروف، على أن يعقد اجتماعاته بصورة دورية يتفق عليها، ويتم تأسيس أمانة عامة للأمن الوطني بقيادة شخصية لديها خبرة دبلوماسية كبيرة، ويكون مقرها في مكتب رئيس الوزراء، مع عضوية 60 من الخبراء الأمنيين من مجالات مختلفة، بهدف وضع الأسس المتعلقة برسم سياسات استراتيجية للأمن الوطني الياباني وصياغتها على المديين المتوسط والطويل، وستنعكس هذه الاستراتيجية الأمنية في شكل توجيهات يتم إصدارها إلى هيئات الدفاع اليابانية والدبلوماسيين اليابانيين.

إن اليابان مثل البلدان الأخرى، واجهت نزاعات تتعلق بالاختصاصات بين الوكالات المختصة بالسياسة الخارجية والدفاع والشرطة والتي أعاقت تجميع المعلومات الاستخبارية وتحليلها، لكن مع الموافقة على إنشاء مجلس الأمن الوطني في اليابان، فإن كل وزارة ووكالة سوف ترسل معلومات الأمن الوطني المهمة إلى الأمانة العامة الجديدة، التي ستقوم بدورها بإجراء تحليل متكامل وإصدار تقارير لرئيس الوزراء وآخرين.

بالطبع، وعلى غرار ما يحدث في البلدان الأخرى، فإن الدول البيروقراطية عادة ما تكون مترسخة، لكن كما شاهدنا فإنه لن يكون من السهل التغلب على العوائق التي تشكلها الوزارات والوكالات المتكاملة رأسياً، ولا شك أن إضفاء الطابع المؤسسي سيستلزم قدراً من الوقت، ولا يمكن في الوقت نفسه التقليل من أهمية النجاح. فعلى سبيل المثال، فإن مجلس الأمن الوطني الجديد سيتولى مسؤولية تبادل المعلومات مع البلدان الأخرى بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية، الحليف الأهم لليابان، وكنتيجة لذلك فإن التحقق من حماية المعلومات سوف تكون قضية مهمة، خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار العادة القديمة المتمثلة بتسريب المعلومات الأمنية للصحافة.

ولهذا السبب فقد تم في أوائل ديسمبر إقرار قانون لحماية المعلومات السرية عبر مجلس النواب الياباني الذي يقضي بضرورة فرض عقوبات أشد على الموظفين الحكوميين الذين يقومون بتسريب الأسرار، خصوصاً تلك المتعلقة بالأمن الوطني، ولذلك فإن صدمة قوانين تقييد الحريات التي تم فرضها على الصحافة قبل الحرب العالمية الثانية وأثناءها نتج عنها إزالة جميع القيود لاحقاً، وهو الأمر الذي جعل اليابان جنة للجواسيس مع إجراءات ضعيفة وغير كافية لمكافحة التجسس والحفاظ على سرية المعلومات الوطنية.

إن العقود الطويلة من السلام منذ سنة 1945 أدت إلى تدني مستويات الوعي بين السياسيين بشأن ضرورة الحاجة إلى السرية، فعلى سبيل المثال عادة ما تنشر الصحف اليابانية متى وأين ومع من تناول رئيس الوزراء طعام العشاء في طبعات الصحف لليوم التالي.

وعلى النقيض من النظام السياسي الأميركي الرئاسي، فإن اليابان لديها نظام حكومي وزاري برلماني، لكن أهداف الأمن الوطني وإدارة الأزمات هي نفسها في النظامين، وعلى أرض الواقع، فإن أول قرارات رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عندما تولى السلطة كان تأسيس مجلس الأمن الوطني البريطاني من أجل تحسين التنسيق الذي يتعلق بصياغة السياسات وصناعة القرار.

 وعلى الرغم من أن تأسيس مجلس الأمن الوطني الياباني هو قرار طال انتطاره، فإن الوقت لم يتأخر على اليابان كثيراً بشأن استفادتها من تحسين سبل توجيه السياسات وتجانسها وتماسكها، والتي من المؤكد أنها ستكون من نتاج عمل مجلس الأمن الوطني.

* عملت سابقا كوزيرة للدفاع ومستشارة للأمن الوطني في اليابان كما عملت كرئيسة للحزب الديمقراطي الليرالي الياباني، وهي حالياً عضوة في مجلس النواب الياباني.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top