مقاتلة هولندية في حرب العصابات الكولومبية

نشر في 13-05-2014 | 00:02
آخر تحديث 13-05-2014 | 00:02
أمضت تانجا نايميجر الهولندية أكثر من 10 سنوات وهي تقاتل مع الجماعة الثورية {فارك} في أدغال كولومبيا. وفي الفترة الأخيرة، كانت جزءاً من فريق العصابات الذي يفاوض على السلام في كوبا. ما الذي يدفعها إلى فعل ذلك؟ جوناثان ستوك من «شبيغل» تحدث إلى هذه المقاتلة.
حتى الفترة الأخيرة، كان يمكن أن تواجه تانجا نايميجر مصيرين محتملين: أن تُدفَن في الأدغال الكولومبية أو تقبع في زنزانة أميركية تخضع لتدابير أمنية مشددة. لم يسبق أن ساورتها أي شكوك حول الخيار الذي تفضله. كانت تقول: {سأموت في الأدغال}.

نايميجر مطلوبة من الإنتربول على خلفية ثلاث قضايا: الخطف، واستعمال سلاح ناري خلال جريمة عنيفة، ودعم منظمة إرهابية.

في فترة بعد الظهر من ذلك اليوم، وصلت بعد بضع دقائق من موعدنا المتفق عليه لإجراء المقابلة في فندق كبير في العاصمة الكوبية هافانا. وراء النوافذ الملونة في ردهة الفندق، يمكن رؤيتها وهي تعبر الممر. كان ظهرها مقوساً وراحت تمشي ببطء إلى جانب حارس شخصي من العصابة الكولومبية {فارك} التي تنتمي إليها. ربما تقضي مهمته بحمايتها أو ربما يحرص على منعها من الهرب. {فارك} إحدى أقدم الجماعات الثورية في العالم وهي تعاقب الانشقاق بالموت.

لم يسبق أن وصل أي عضو أجنبي إلى هذه المرتبة ضمن صفوف قيادة «فارك» بقدر نايميجر المعروفة رسمياً بالمقاتلة رقم 608372. لكن ما الذي دفعها إلى الانضمام إلى تنظيم «فارك» المتهم بتهريب الكوكايين وزرع الألغام الأرضية وشن الاعتداءات، فضلاً عن خطف الناس، بدءاً من المزارعين وصولاً إلى السياسيين من أمثال إنغريد بيتانكور؟

{كنت لأشعر بإحباط شديد}

تفكر نايميجر أحياناً بالحياة التي كان يمكن أن تعيشها: منزل في هولندا، ثلاثة أولاد، مهنة برجوازية. سكتت للحظة وراحت تحدق بردهة الفندق الذي يرمز إلى كل ما تكرهه: آلة تحضير القهوة، كيس فستق بأربعة دولارات، مشروب {ريد بول}، موظف تظهر عليه ملامح الملل ويقف أمام حوض أسماك. قالت نايميجر: {كنت لأشعر بإحباط شديد اليوم}. بعد ثلاثة أو أربعة أشهر من انضمامها إلى الثوار، أحرقت جواز سفرها كونها لم تعد تشعر بالحاجة إلى اقتناء جواز سفر: {هكذا انتهى الأمر!}. كانت تلك نهاية حياتها القديمة.

مهّدت ثلاث خطوات لوصول نايميجر إلى تنظيم {فارك}، وكانت الأولى مجرد صدفة. حصل ذلك في منتصف شهر ديسمبر من عام 1997 وكانت نايميجر تبلغ حينها 19 عاماً. كانت قد خرجت لتوها من محاضرة جامعية ودخلت إلى الكافتيريا في الطابق الثاني من {معهد الدراسات الرومانسية} في غرونينغين. فاشترت كوباً من القهوة وفتحت صحيفة الطلاب حيث شاهدت إعلاناً يطلب أستاذة إنكليزية في كولومبيا. لم يسبق أن قصدت أميركا الجنوبية يوماً. بدت الفكرة مثيرة للاهتمام لذا قدمت طلباً. سألها مسؤول في السفارة: {هل تعلمين أن الحرب دائرة في كولومبيا؟}. فأجابت بالنفي.

ثم اتخذت الخطوة الثانية لأنها شعرت بالذنب. في كولومبيا، علّمت اللغة الإنكليزية في مدرسة لأولاد العائلات الثرية في بيريرا، على سفوح جبال الأنديز. كلما كانت تغادر شقتها اللائقة بعد الفطور، كانت تشاهد المشردين وهم يفتشون في القمامة. كذلك شاهدت الجائعين على مسافة قريبة من مراكز التسوق في بوغوتا. كانت تبكي في أغلب الأحيان. وحين كانت تجلس في حافلة المدرسة يوماً، رأت عائلة من السكان الأصليين وهي تمشي حافية القدمين على الأوساخ. فأشار أحد الأولاد في الحافلة إلى تلك العائلة وصاح: {أنتم فقراء ونحن أغنياء!}. شعرت نايميجر بخجل شديد وراودتها أسئلة كثيرة. فلجأت إلى أستاذة رياضيات كانت قد قابلتها سابقاً وسألتها: {ألا تشعرون أنتم الكولومبيون بالحزن لأنكم تعيشون في مدينة حيث يملك الناس في الشمال كل شيء بينما يفتقر الناس في الجنوب إلى كل شيء؟}. فأجابتها الأستاذة بطرح سؤال آخر: {ألا تشعرون أنتم الأوروبيون بالحزن لأنكم تملكون كل شيء بينما لا تملك الدول الأخرى شيئاً؟}. لم تعرف نايميجر بماذا تجيب.

مسار خاطئ

كانت الخطوة الثالثة تقضي بإنجاز مهمّة.

بعد السنة التي أمضتها نايميجر في كولومبيا وعودتها إلى هولندا، تملّكتها نزعة جنونية غريبة. ففكرت بضرورة أن تفرض التغيير وتساءلت: ألا تكون القوة ضرورية أحياناً لتحقيق العدالة؟ بأي وسيلة ممكنة عند الحاجة؟ ثم تواصلت مع المنظمات الاشتراكية الدولية وبدأت تبيع الصحف اليسارية في الشارع وتحتج أمام مبنى البرلمان في لاهاي حيث قامت مع مجموعة من الناشطين بمحاكاة مجزرة احتجاجاً على بناء قاعدة عسكرية أميركية على جزيرة كوراساو في الكاريبي، ثم أمضت بسبب ما فعلته 26 ساعة في السجن. لكن بقيت خياراتها محدودة باعتبارها امرأة ثورية في أوروبا. يصعب دخول التاريخ في بلد نظيف مثل هولندا. كانت والدتها، الممرضة هاني، تشعر بالقلق على نايميجر. فقالت لها: «أنت تتبعين المسار الخاطئ. ماذا تريدين أن تفعلي بحياتك؟».

أخبرت نايميجر أبوَيها بأنها سئمت من الرأسمالية المسؤولة عن مقتل الآلاف. فقال لها والدها: {تانجا، يكفي أن تنظري إلى الاتحاد السوفياتي كي تدركي أن الشيوعية فشلت}. فأجابته: {نعم، لكنها قد تنجح في جزء آخر من العالم}.

ثم استكملت تحصيلها العلمي ونالت شهادتها، وهي لطالما كانت تنهي كل ما تبدأ به. أراد والداها أن تعمل كمديرة في مصنع لحوم. لكن كانت نايميجر لا تزال تحلم بالثورة فعادت إلى كولومبيا حيث قابلت الأستاذة. لم تعد تريد أن تتفرج على الوضع من دون تحريك أي ساكن. فأخبرتها الأستاذة بأنها تنتمي إلى تنظيم {فارك} وأنها تستطيع اصطحابها إلى الثوار. هكذا حصلت الأمور.

تصف نايميجر الحياة اليومية في الأدغال قائلة: {يجب أن تكون حقيبة الظهر جاهزة دوماً. ويجب أن تحتوي على ناموسية، وخيمة، وبزّة الثوار، ولباس داخلي، وجوارب، وبطانية، وزجاجتَي بنزين، ورز، وفاصولياء، وعدس، ومعكرونة، وسكر، وملح، وطحين. تشمل حقيبة الظهر في العادة 20 كيلوغراماً من الطعام، ويتراوح وزنها بين 30 و35 كلغ}.

بدت نايميجر وكأنها قطار حوّل مساره فجأةً، وها هو الآن يسرع نحو وجهة غريبة على سكة مجهولة. يقول ناشط كان قد أشرف على أعضاء {فارك} السابقين في السجون الكولومبية طوال عقود: {تانجا متمردة من دون أدنى شك}. ويصفها وزير نافذ في الحكومة الكولومبية بـ{الإنسانة المدمَّرة ورهينة إيديولوجيّتها الخاصة}. يقول الرجل الجديد في حياتها، وهو جندي في {فارك}: {هي واحدة منا، أي رفيقة لنا}. أخيراً، تقول أمها: {ستبقى دائماً ابنتي}.

مواجهة الموت

عشية أحد أيام الجمعة، أي بعد بضعة أيام على لقائنا الأول، كانت نايميجر تتجول في أنحاء {كالي أوبيسبو} في الجزء القديم من هافانا. كانت الموسيقى تصدح في الشارع وكان الناس يرتدون قمصاناً قطنية وسراويل قصيرة. نايميجر لا تحب الحر بل تفضل البرد والرياح وتتذمر إذا كان سريرها ناعماً جداً وتنام على الأرض مع بطانية صوفية كل ليلة. تنهض في الخامسة فجراً من كل يوم وتركض طوال 40 دقيقة. وتؤكد على أنها لا تزال جندية.

فيما كان السياح يرقصون السالسا في الشارع، راحت نايميجر تتكلم عن الحرب: {اضطررتُ إلى التوسل إليهم كي يدعوني أقاتل معهم}. كانوا يعاملونها دوماً وكأنها طفلة وهذا الأمر يغضبها. كل من يريد أن يحصد التقدير في تنظيم {فارك} يجب أن يتحمّل المشقات بحسب قولها.

دامت عملية تدريبها الأساسية ثلاثة أشهر، وقد تعلّمت خلال تلك الفترة أن تسمح لجسمها بالسقوط على الأرض وأن تفتح فمها حين تسمع المفجّرين يقتربون لتخفيف الضغط ومنع انفجار طبلة الأذن أو الرئتين. كذلك تعلّمت طريقة صنع القنابل والاختباء. السمع عنصر أساسي من الحياة في الأدغال حيث الشجر سميك جداً لدرجة أن أعضاء العصابات يجب أن يتكلوا على آذانهم ليسمعوا صوت المروحيات والطائرات التي تقترب منهم. في إحدى المرات، ضاعت ليلاً وربضت على الأرض وانتظرت ست ساعات حتى بزوغ الفجر. أصبحت حياتها أشبه باختبار مخاوفها الخاصة، وهي تشعر بزيادة قوتها مع كل نجاح تحققه.

حين ذهبت نايميجر لرؤية الطبيب في هافانا، شُخّص لديها مرض طنين الأذن. أوصاها الطبيب بتجنب أصوات القنابل وإطلاق النار. لكنها أجابته: {لا يمكنني أن أعدك بذلك}.

كانت الخطوة التالية في حياة نايميجر عبارة عن مواجهة مع الموت. حصل ذلك في 27 مارس 2010، حين كانت تَحْضُر درساً يعطيه الضباط في الجبال. في ذلك اليوم، أخذ الحاضرون دروساً في الفلسفة الثورية والاقتصاد السياسي. ثم استحموا في النهر في فترة بعد الظهر. وفي المساء، كُلّفت نايميجر بطبخ العشاء (رز وبطاطا) في قدر ضخم لإطعام 54 رجلاً وامرأة كانوا برفقتها. فسمعوا فجأةً صوت مروحيات {سوبر توكانو} وطائرات عسكرية مصمَّمة لمحاربة العصابات. فأمر القائد الجماعة بالانسحاب.

{بكيتُ كثيراً}

ربضت نايميجر في خندق كانت قد حفرته في اليوم السابق، فشاهدت من موقعها القدر الذي استعملته لطبخ الوجبة. تعلّمت ألا تترك شيئاً وراءها لذا قفزت وأمسكت بالقدر وسارعت نحو التلة. سقط شاب أمامها واستدار نحوها وهمس لها: {لا تدعيني أموت}. لقد تعرض لإطلاق النار من سلاح رشاش. فأخرجت العدّة الموجودة في حقيبة كل متمرد في {فارك} ووخزت إبرة في جسمه لكنه كان قد توقف عن التحرك. بدأت جولة القصف التالية بعد بضع ساعات.

في رسالة فيديو، قالت نايميجر: {إذا كان الجيش الكولومبي والحكومة الكولومبية يظنان حتى الآن أنني خُطفتُ وأُخذتُ إلى هذا المكان، فيجب أن يأتيا لإنقاذي. وسنرحب بهم هنا بأسلحة الكلاشنكوف والألغام والقذائف وأي شيء مماثل}.

خلال الليل، حين كانت نايميجر تصغي إلى الاتصالات اللاسلكية بين الطيارين الأميركيين وسمعت صوت انفجار القنابل، اقتنعت بأنها ستموت في هذا المكان. إنها القصة التي تسردها اليوم. فكرت بأن قبرها لن يحوي أي نعش وسيضطر رفاقها إلى اختيار موقع تحت الأشجار الكبيرة لحجب الأرض عن الأعداء وتجنب أن يصبحوا أهدافاً سهلة. كان حارس فخري ليقف على قبرها في الليلة الأولى.

تمنت عيد ميلاد مجيداً لعائلتها في رسالة فيديو فقالت: {أظن أننا نقاتل في سبيل قضية نبيلة. بكيتُ كثيراً لأنني اشتقت إليكم. لكني أعلم أيضاً أنني أقوم بما هو صائب وسأبقى هنا. لن أغادر}.

كانت انشغالاتها كثيرة، منها جمع مال الحماية، وشن اعتداءات على الحافلات، واستجواب ثلاثة متعاقدين عسكريين من شركة أميركية بعد هبوط اضطراري لطائرتهم في الأدغال، بالقرب من مخيم تنظيم {فارك}. قال أحد الرجال: {لو أرادت حكومتنا ذلك، كنت لتموتي خلال ستة أشهر}. فأجابت: {لكنكم تعلمون أن سجناء الحرب هم أول من يموتون في الغزو}. كانت التصريحات من ذلك النوع هي التي دفعت الإنتربول إلى إطلاق حملة البحث.

أصبح الانتظار جزءاً من حياتها أيضاً. فكان الأصدقاء يأتون ويرحلون. صدرت أوامر غير نافعة، وحصلت مسيرات في الأدغال، وبرز قادة فاسدون، وبدأت المبادئ تتصدع. شعرت نايميجر بالحنين إلى وطنها واشتاقت إلى أمور     مثل الجبنة وكرة القدم والخبز. حين وجدت نايميجر هاتفاً في مزرعة حاصروها، اتصلت بوالدتها. عندما راح والداها يبكيان، أخبرتهما نايميجر بأنها تبلي حسناً وتشعر بالسعادة لأنها سمعت صوتهما مجدداً. كعقوبة على إجراء ذلك الاتصال، فُرض عليها 10 أيام من العمل في المطبخ وفي تنظيف المراحيض وتلقت أمراً بإنشاء حفرة للنفايات وكتابة 10 صفحات عما فعلته. كانت قواعد تنظيم «فارك» صارمة وهي تفرض العقوبات على أي هفوة. الاتصال الهاتفي بالخارج يُعتبر هفوة لأنه يعرّض الجماعة كلها للخطر.

{نحن نخوض الحرب}

تريد نايميجر أن تبقى مع {فارك} حتى لو حصلت على فرصة الهرب. الجندي الذي رافقها في أول مقابلة لم يكن حارساً لها بل حبيبها. تستطيع التجول وحدها في المدينة ويمكنها أن تقصد السفارة الهولندية حين تشاء. لكنها لا تريد القيام بذلك.

بعد بضعة أيام، تقابلنا لإجراء محادثة ثانية في ساحة فيجا في المدينة القديمة. شاهدت نايميجر الحمام على رصيف الحصى وهي تشرب القهوة. أثناء حديثنا، انفجرت قنبلة في براديرا في غرب كولومبيا، ما أسفر عن مقتل رجل وجرح 61 شخصاً آخر. بعد أسبوع، أعلنت {فارك} مسؤوليتها عن التفجير وأصدرت اعتذاراً. لكن تتحدى عشرات الجماعات المنشقّة الحركة على مستوى القيادة. لم تعد {فارك} تسيطر على الوضع. ولم يعد واضحاً أصلاً ما إذا كانت تستطيع الحفاظ على السلام الذي يتم التفاوض عليه الآن في كوبا.

لماذا تُجبَر النساء في {فارك} على إجهاض أطفالهن؟ {لأنهن جنديات. الأولاد يمنعوننا من القتال. قبل الانضمام إلى {فارك}، تعرف كل امرأة أنها لا تستطيع أن تصبح حاملاً. لكن إذا حملت، تتعقد الأمور}.

لماذا تزرع {فارك} الألغام؟ {أشعر بالسوء تجاه الأولاد الذين يموتون في الانفجارات، لكننا نخوض الحرب. يجب أن نجد طرقاً للدفاع عن أنفسنا}.

هل تدعمين تجارة المخدرات؟ {نحن لا نزرع الكوكايين. كل ما نفعله هو فرض الضرائب على تجار الكوكايين}.

لماذا تخطفون الناس؟ {لم نفعل ذلك منذ عام 2013. في الماضي، كانوا يُخطَفون لأسباب مالية. لكن إذا أخذنا بعض الأشخاص اليوم، هم يصبحون سجناء حرب».

ماذا عن الابتزاز؟ {لا وجود لأي ابتزاز، لكن ثمة ضريبة ثورية. نحن نأخذها من الأثرياء إذا كانوا يملكون أكثر من مليون دولار}.

نايميجر لديها جواب على كل سؤال محرج. إطارها الإيديولوجي فاعل جداً. كتبت في مذكراتها: {أنا مثل السمكة في الماء. الأدغال وطني. {فارك} هي حياتي وعائلتي}.

في إحدى الأمسيات، كان سيلفيو رودريغز يحيي حفلة غنائية أمام كنيسة القديس فرنسيس الأسيزي. كان الجمهور بالآلاف وقد قدموا لسماع أغانيه الشعبية عن الثورة الكوبية. جلبت حافلة {مرسيدس} بيضاء الضيوف من كولومبيا إلى الحفلة. قدّم بعض الشابات أحمر الشفاه إلى نايميجر. راح رودريغز يغني أغنيتها المفضلة وهي تردد معه جميع الكلمات. للحظة، بدت وكأنها امرأة عادية من الجمهور أو مجرد سائحة من هولندا وربة منزل لها ثلاثة أولاد.

تحب القيام ببضعة أمور: مشاهدة فيلم {أفاتار} بتقنية ثلاثية الأبعاد، والعيش بهدوء يوماً من دون أن تشعر بالتهديد، والقيام برحلة إلى هولندا لرؤية عائلتها مجدداً.

حروب منسيّة

حين هاجم الجنود معسكر الثوار في عام 2007، وجدوا مذكرات نايميجر، وهي عبارة عن مفكرة مدرسية قديمة رُسم قلب على غلافها الخارجي. في أحد أيام شهر نوفمبر من عام 2006، كتبت نايميجر: {أنا متعبة. تعبتُ من {فارك}. تعبت من الناس. تعبت من العيش معاً. تعبت لأنني لا أملك شيئاً لنفسي. أنا في هذا المركب منذ أربع سنوات. واجبات الحراسة، تمارين الجمباز، المحادثات، الحجج، القادة الأوغاد... أشتاق إلى حبيبي. أشعر بأنني غير نافعة هنا. آخذ درساً مملاً يُفترض أن يحضّرنا للقيام بمهمة في المدينة. لكني أعرف أنني لن أغادر الأدغال مطلقاً. أنا عالقة هنا. لكني لا أريد أن أغادر أيضاً. أريد أن أمشي وأضحك وأقاتل وأطبخ من دون مشاكل}.

لكن ما الذي تريد المحاربة من أجله؟ ما هي المُثل التي تتمسك بها؟

أصبح القصر الرئاسي السابق في هافانا متحفاً للثورة الآن، وقد كان يوماً مقراً لحكومة الدكتاتور السابق فولغانسيو باتيستا. ثمة دبابة هجومية قديمة أمام المبنى. وفق الأسطورة المتداولة، أطلق فيدل كاسترو النار من تلك الدبابة وأغرق السفينة الحربية الأميركية {هيوستن} التي كانت جزءاً من الأسطول الهجومي في خليج الخنازير في عام 1961. داخل المتحف، يتعثر السياح بالمعروضات وكأنهم في نفق مرعب داخل حديقة الملاهي. صعدت نايميجر السلالم ومرت بالقرب من الثقوب التي خلّفها الرصاص وتمثال برونزي مصغر لكاسترو.

العصابات عبارة عن جيوش غير مرئية، تخوض حروب الزمن المنسيّ، وهي الحروب التي يستحيل الفوز بها. تدوم غالبية حروب العصابات حوالى 10 سنوات مع أن الثورة الكوبية حققت نجاحاً عسكرياً بعد سنتين فقط. سبق وبدأ التمهيد للحرب في كولومبيا منذ 50 سنة.

قالت نايميجر: {لم يأتِ وقتنا بعد}. ثم دخلت إلى غرفة مخصصة لشخصية تشي غيفارا الذي تعتبره قدوتها. يظهر على شكل تمثال شمع يخرج من أدغال اصطناعية. يوم وفاته عيد وطني في كوبا ويظهر وجهه على ملايين القمصان القطنية. لكن بالكاد يعرف أحد زعيم تنظيم {فارك}.

سلاح تشي غيفارا معروض في صندوق زجاجي. تقول نايميجر: {لدينا السلاح نفسه}. تتحدث عن الأسلحة النارية على أنواعها وتؤكد: {أنا رامية بارعة!}. بالنسبة إلى الزوار الآخرين، تبدو معروضات المتحف قديمة بقدر الثورة الفرنسية. لكن بالنسبة إلى نايميجر، تذكّرها بالحياة بمختلف أشكالها. نضالها لا يمكن أن ينحصر في متحف.

تتعلق المسألة الأساسية بمصير حركتها. هل سيصبح الثوار أبطالاً مثل غيفارا أم أنهم سيدخلون التاريخ كتجار مخدرات؟ جميع الصواريخ والدبابات التي استعملها الثوار معروضة في كوبا. ما الذي سيتركه تنظيم {فارك} وراءه؟ تفكر ملياً بهذا السؤال. هم لا يملكون أي دبابات أو سفن. أكثر ما تتذكره هو المنشفة التي استعملها مؤسس {فارك} مانويل مارولاندا. ما زالوا يحتفظون بها بحسب قولها.

back to top